كلام في حماية المدنيين السوريين
بدر الدين حسن قربي /سوريا
[email protected]
دائماً يعبّر البعض عن استغرابه لرفع بعض المتظاهرين السوريين الذين يواجهون فظائع القتل والقمع وجرائم الحصار والتجويع من قبل النظام السوري للوحاتٍ أو لافتاتٍ تطالب بالتدخل الأجنبي أو بمنطقة عازلة وحماية دولية، مما يرونه مساساً بالسيادة الوطنية ونقائها. وهو استغراب له منطقه لاشك، والذي لولاه لما كان التردد المشهود عن هذه
المسألة في بعض صفوف المعارضة وكأنها تُساق إلى الموت. وإنما بمقاربة الأمر من زاوية أخرى بعيداً عن الأولى، نجد أيضاً أن في المسألة نظر.
فإذا كان المتظاهرون السورييون السلمييون والمسالمون الذين خرجوا إلى الشوارع والساحات يطالبون بحريتهم السليبة وكرامتهم المفقودة يواجهون الموت في كل تظاهرة منذ اليوم الأول للاحتجاجات من مدينة درعا، ومازالوا مصرين على مطلبهم برحيل نظام القمع والقهر، وقد أكملوا على حالتهم هذه تسعة أشهر، ارتكب فيها النظام في أقل الإحصائيات أكثر من خمسة آلاف قتيل، فيهم قرابة 340 طفلاً و 200 إمرأة، وعشرات الآلاف من المعتقلين، وقوات الأمن والشبيحة ومئات
الدبابات تمور بين المدن والأحياء قصفاً وتدميراً وخراباً. فما المنتظر قوله من المتظاهرين والمعارضين، وماذا يمكن أن يرفعوا من لافتات..؟
تقدم بعض السوريين ومعهم بعض الإخوة العرب بمقترحات ومبادرات باردة وخجولة وإنما بعد فوات الأوان، وقد أصبحت مقالة السوريين الثائرين الصريحة والفصيحة وبالقلم العريض، بكل لغات العالم لمن يسمع، بلغة بريل لمن فقد بصره، وبلغة الإشارة للصم والبكم، بأن مطلب الشعب الوحيد لتحاشي زيادة عدد الضحايا والإثقال على المقترحين والمبادرين من أصحاب النوايا الحسنة والعاطلة، هو إسقاط النظام فقط لاغير، وهو مطلب يضع السوريين في اتجاه واحد للحل، فالشعب لايرحل ولن
يرحل، وهو أبقى من النظام. وعليه، فإن المتظاهرين الاستشهاديين لم يتركوا وسيلة من وسائل التعبير والاحتجاج المسالم إلا وفعلوها، فماذا يمكن أن يفعلوا بعد 280 يوماً من استمرار الإثخان في القتل والترويع والاعتقال والإذلال من قبل النظام الحاكم، والإصرار على عدم التوقف ورفض الرحيل...؟
ليس من الإنصاف المساواة بين القاتل والضحية، والمجرم والبريء، والظالم والمظلوم. فالأصل أن يكون الكلام عن الظالم والقامع والمستذِلّ والمستعبِد المالك لكل وسائل العنف والقهر والإذلال، وليس عن الآخر المقموع والمقهور والمنهوب ممن لا يملك من أمره شيئاً سوى الصراخ من الألم والمعاناة ورفع اللافتات المطالبة بالإنقاذ.
زادوا في الظلم والقمع والقهر والاضطهاد وتجاوزوا حدوداً رعيبة، وحتى إذا خرج المواطنون عن طورهم في مواجهة قتَلَتهم وسفاكي دمهم وقاهريهم ومضطهديهم، وصرخوا أمام تهاون الإخوة في نصرتهم وتراخي الجامعة العربية في الأخذ على يد القتلة ومعاقبتهم، وقالوا بعد ثمانية أشهر أو تسعة: نعم للتدخل الأجنبي، نعم للمنطقة العازلة، أنقذونا من الذبح، أدركونا إننا نواجه التوحش والإبادة بصدور عارية، خرج عليهم النظام وشبيحته وبعض من أصحاب النوايا الحسنة مخونين
ومتهمين، ونسوا سبب المصائب كلها، ولو أنهم خففوا وضبضبوا شنطهم ومشوا لاستراحوا وأراحوا. فالشعب يريد إسقاط النظام، وسورية بدها حرية، وهم في غاية التياسة والمناكفة معرضون، ومصرون على المشي إلى حتفهم البئيس، وكأنهم لم يروا مصير القذافي ولم تنفعهم منه عظة ولا اعتبار.
وعليه، فلماذا يُستغرَب أن يرفع من يواجه الموت وفظائع القتل والتوحش اليومي في المدن والبلدات والأرياف صوته مستنجداً بالضمير العربي والإنساني أن ينقذه..؟ قد يقول المعترضون: لاشيء يبدو مجاناً، والضمير ليس كما تتصورون، وكلٌ بثمنه، وجوابنا: ماالحل أمام إصرار المجرم على إجرامه والإجهاز على ضحاياه دون وازع من ضمير أو وطنية أو
حتى إنسانية، وقد صبرنا عليه سنين وسنين وأكملناها بتسعة أشهر. هل يُترَك ليكمل علينا، أو نستغيث ونرفع الصوت بالصراخ..؟ فإما أن تقنعوا النظام وجوقته وشبيحته بالتوقف والرحيل، أو تكرمونا بسكوتكم، ولاتبيعوا على من يذبح كل يوم طهراً كاذباً ونقاءً
أكذب، وأنتم تعلمون من هو النظام في وساخاته وقباحاته وبجاحاته...!!