بابا المسلمين المنتظر
د.عبد الرحمن محمود المحمود
ذكرت في المقالة الأولى أن الشيعة الجعفرية الاثناعشرية قد حسموا أمرهم واختاروا مرجعا لهم يلتفون حوله , وهذا أمر حسن ان كان الهدف هو توحيد جهود المسلمين لا تشتيتها, والا فهو وبال ! ولكن دعونا - وان تفرقت بنا السبل - ننظر الى الجزء المتفائل من الحدث ونجعل منه لبنة نضعها الى البناء ليكتمل , والبناء المقصود هو منظمات قائمة فعلا مثل رابطة العالم الاسلامي وهي منظمة شعبية تأسست في 18 مايو 1962 في مكة المكرمة , ومنظمة التعاون الاسلامي التي تتكون من 57 دولة , والتي تأسست في 25 سبتمبر 1969ردا على الحريق الاجرامي للمسجد الأقصى ومقرها مدينة جدة , وأمينها العام الحالي هو البروفسور التركي أكمل الدين احسان أوغلو, وهي المرجع الرسمي لحوالي مليار ونصف مسلم في العالم سواء من خلال تمثيل دولهم في المنظمة , أو من خلال حصول دول يعيشون فيها كأقلية بصفة مراقب كروسيا وغيرها , بل ان هناك دولا رغبت في أن تحصل على العضوية الكاملة مثل الهند والفلبين
نيف وأربعين سنة من عمر المنظمة وانجازاتها رغم امكانياتها الهائلة أقل بكثير من طموحات ورغبات وتوقعات مسلمي العالم ! وليس عندي أي شك لو أن مقر المنظمة -على سبيل المثال- في قطر (أو استنبول بتركيا) لكان لها دور أكبر بكثير وفعالية أقوى ونفوذ يرهب كل متربص بالاسلام والمسلمين شرا , والقول هذا لا ألقيه على عواهنه , بل من خلال تأمل نشاط دولة قطر السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الرياضي على مستوى العالم , وتحملهاأهوال ومشاكل وحروب وكوارث المسلمين سواء بين بعضهم البعض , أو بينهم وبين غيرهم , والمساعدات التي تقدمها لهم والتدخل لحل مشاكلهم السياسية والاقتصادية والتنموية والتعليمية , بل وتسديد رواتب موظفي دول متأخرة كما فعلت مع جزر القمر والأمثلة أكثر من أن تحصى , وهذا أيضا موضوع لو أردنا التفصيل فيه لسطرنا أسفارا
أما تركيا المثل الآخر الذي ضربته - وهناك أمثلة أخرى بالطبع لا تقل شأنا كماليزيا وأندونيسيا - فان نفوذها السياسي المتصاعد على المستوى الدولي , وقوتها الاقتصادية المتنامية , ورغبتها الأكيدة للدفاع عن الاسلام والمسلمين , تؤهلها لتكون مقرا لمنظمة التعاون الاسلامي . وقد يقفز سؤال : ماذا لوخسر حزب العدالة الحاكم نفوذه وحل محله حزب علماني لايؤمن بمايؤمن به حزب العدالة ؟!هذا احتمال قائم وله حساباته التي يضيق بها المكان هنا , وماهذه المقالات الامجرد مسا همة متواضعة في التفكير بشأن الدفاع عن الاسلام الذي تكالبت عليه العنصرية العرقية في أوروبا وأمريكا , والعنصرية الدينية من أديان مختلفة
ان مشروع كمشروع منظمة التعاون الاسلامي القائم منذ 42 عاما مالم يحض بدعم سياسي لا محدود من دولة المقر, فلن يحقق أي هدف من أهدافه لأن وزن دولة المقر يساوي أوزان الاعضاء الآخرين مجتمعين ! أما سياسة سد الذرائع والأحوط وتجنب اثارة المشاكل مع الآخرين وعدم الخوض في المشاكل السياسية , فقد تصلح في فرعيات أكاديمية وليس في قضايا مصيرية ! فان هذا لن يزيد العالم الا استهتارا بنا , فقد حدثت مذابح ومآسي للمسلمين ولا زالت تحدث في مناطق كثيرة من العالم كجنوب الفلبين وجنوب تايلند والهند والصين ودول أفريقية عديدة واستأسدت علينا هررة ولم نر أي رد فعل قوي من المنظمة ! فأين هذه المنظمة من أدوار دولة قطر في صلح لبنان , والمنظمات الفلسطينية والأخوة الأعداء في السودان ومناطق ملتهبة أخرى ؟!
4
عود على بدء , لكي تكون لنا مرجعية عالمية واحدة نحن المسلمين , علينا أولا استبعاد التفكير في شخص طبيعي نهائيا , لا بابا ولا ماما وذلك للأضرار الفادحة التي سنجنيها من ورائه , والتفكير في منظمة قوية قادرة تتداعى لها دول العالم بالتآزر والتعاون , واذا كان لنا في منظمة التعاون الاسلامي أمل , فعلينا نقل مقرها الى عاصمة احدى الدول الصاعدة بقوة على المسرح السياسي العالمي كقطر أو تركيا أو ماليزيا ( وحتى مصر أو ليبيا بعد أن تهدأ الأوضاع فيهما وتتبوأكل واحدة منهما مكانتها اللائقة بين الأمم ) وأنا وان كنت أميل الى الدوحة عاصمة دولة قطر , فليس هو بميل عاطفي لانتمائي لهذا البلد , وهو مجرد رأي على كل حال يخطيء تارة ويصيب , , ولكنه ميل منطقي حسابي احصائي لما قدمته قطر وما سوف تقدمه للعالم من انجازات , ولنا في ذلك أمثلة كثيرة كأعمال الاغاثة التي تقدمها قطر لا على المستوى الشعبي بل والرسمي ,فالجيش القطري قام بأعمال انقاذ واغاثة في كثير من دول العالم ابتليت بنوائب ونكبات (في الوقت الذي تمارس فيه جيوش الطغاة العدوان والبغي على شعوبها!!) , هذا خلاف النشاط السياسي لحل مشاكل الدول الأخرى والنشاط الاقتصادي للمساهمة في مشاريع تنموية في العالم والأمثلة أكثر من أن تحصى وما خفي منها أضعاف
أما اذا ما أبقينا على الوضع الراهن لمنظمة العالم الاسلامي بكل القيود المكبلة لها , فليس هناك من مفر من ايجاد مرجعية أخرى ذات فعالية أقوى ونشاط أكبر , فمسئولية المسلمين الذين يذبحون ويهجرون من ديارهم وتغتصب حقوقهم أهم وأعظم وأجل من أن تحجبها مجاملات
ومرجعية المسلمين المقترحة بأي صورة من الصور , لن يكون هدفها الأساسي الدفاع عن المسلمين فقط , بل أيضا الدفاع عن الأقليات العرقية والدينية الموجودة في ديار المسلمين , فلماذا وهم مواطنون يلجأون الى دول أجنبية أخرى للدفاع عنهم ان تخاذلت حكوماتهم عن القيام بواجباتها نحوهم؟! لذا فالهدف الأكبر هو الدفاع عن المسلمين أينما وجدوا , وعن الأقليات الأخرى في بلاد المسلمين , ثم تأتي التفاصيل بعد ذلك في التنمية والتعليم والمشاريع الاقتصادية والتجارية والثقافية وغيرها
هذا على مستوى الاطار العام للمسلمين عموما بكل مذاهبهم , أما المرجعية الفقهية المفقودة لأهل السنة حتى الآن (ذكرنا أن الشيعة الجعفرية قد حسموا أمرهم واختاروا مرجعهم ) فانني لا أرى في الأفق غير الجامع الأزهر لأن المجامع الفقهية الأخرى في بعض الدول الاسلامية قد حصرت أنشطتها في دولها ولا يعنيها أمر المسلمين في الدول الاخرى على اعتبار أن لكل دولة مرجعيتها
الجامع الأزهر كان لد دور عظيم في الدفاع عن ديار المسلمين , ولقد لمست أثناء جولاتي في دول العالم الأعداد الكبيرة من الذين تخرجوا منه وعلى نفقته , ولكن تم تكبيله وتحجيمه وذلك بجعله مؤسسة حكومية تخضع للقوانين المحلية مما حد كثيرا من نفوذه العالمي ونشاطه , ولكن لنا وطيد الأمل بعد الثورة المباركة في أن يستعيد دوره السابق على مستوى العالم , وأملي هذا نابع من مؤشرات خرجت من الأزهر أهمها تلك الوثيقة الوطنية الجامعة المانعة التي وضعها خيرة علماء مصر من مجالات مختلفة , وكذلك الوثيقة الاسلامية التي دعى شيخ الأزهر علماء الأمة الاسلامية للمشاركة في وضعها لتكون قاعدة ينطلق منه العمل الاسلامي المشترك , وهكذا تصدى الأزهر الشريف لدوره بعد أن تخاذل الآخرون .