الأزمة السورية: آفاق الحل وحتمية التدويل
الأزمة السورية:
آفاق الحل وحتمية التدويل!!
حسام مقلد *
شاهدنا خلال الأيام القليلة الماضية سباقا محموما من الدبلوماسية السورية لاحتواء التداعيات المحتملة للقرارات المبدئية الجيدة التي اتخذتها الجامعة العربية يوم السبت (12/11/2011م) وحاول وزير الخارجية السوري وليد المعلم امتصاص الغضب العربي بسبب تطاول سفير نظامه على الجامعة وقراراتها، لكن في نفس الوقت لم تفتر الماكينة الإعلامية الشيعية في لبنان وإيران، ولم تتوقف لحظة واحدة عن دعم ومساندة النظام السوري القاتل لشعبه، وللأسف الشديد بدلا من تكثيف الضغط السياسي والشعبي على نظام الأسد لوقف نزيف الدماء السورية فورا، وحث هذا النظام الديكتاتوري على الانصياع الحقيقي للمبادرة العربية والتنفيذ الصادق لبنودها لا يستحي البعض من ازدراء العرب لوقوفهم بجانب أشقائهم السوريين الذين يذبح العشرات منهم يوميا على أيدي شبيحة بشار الأسد وقوات جيشه الطائفي!!
وقد يظن البعض أن تكرار النموذج الليبي وارد أيضا في الثورة السورية، وأن ما تم في ليبيا من استدعاء لحلف الأطلنطي قابل للتطبيق في سوريا، لكن الطبعة السورية ستكون مختلفة كثيرا عن النسخة الليبية، والمسألة ليست بهذه البساطة؛ فاستدعاء القوى الغربية للتدخل السافر في سوريا على هذا النحو سيضر حتما بالأمن القومي العربي، وسيضرب في الصميم الأمن القومي لدول بعينها مثل مصر؛ إذ ستصبح محاصرة من جميع الجهات تقريبا بجيوش حلف الأطلنطي، وهذا غير مريح مطلقا لأية دولة تمثل قوة كبرى في إقليمها، حيث تكون واقعة تحت ضغط سياسي كبير، ومهددة باستمرار بالتدخل في شئونها الداخلية، لكن في المقابل لا يمكن لمصر بعد ثورة 25يناير أن تتخلى عن ثورة الحرية السورية، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال ولا تحت أي ظرف من الظروف أن تتسامح مع سفك الدماء السورية بهذا الشكل الوحشي، ولن تسمح أخلاق وقيم ومروءة الشعب المصري بتقديم أي دعم للقاتل بشار الأسد وأعوانه على حساب الشعب السوري الأعزل، كما أن مسئولية الشقيقة الكبرى لن تسمح للمصريين أبدا بالتهاون أو التفريط في حق أشقائهم السوريين، ولا بالتهاون أو التفريط في الأمن القومي العربي؟ وفي ظل هذا المأزق وهذه الظروف المعقدة لابد من إيجاد مخرج آمن ومشرِّف لهذه الأزمة؛ لحقن الدماء السورية بأقصى سرعة ممكنة، وحماية أرواح السوريين الأبرياء التي يزهقها بشار ونظامه بلا رحمة كل يوم.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه عزلة النظام السوري القاتل عربيا ودوليا، ويجري البحث عن حل عربي ناجع وجذري لهذه الأزمة يتنادى عدد من الأصوات بحتمية تدويل القضية برمتها في أسرع وقت ممكن؛ فقد طال أمدها وأعطى العرب بشار الأسد ونظامه القمعي السفاح الفرصة تلو الفرصة ومنحوه الوقت الكافي لكن دون جدوى حتى الآن!!
ولا يزال هناك من يراهن على الجيش الوطني السوري بأن ينحاز لشعبه وينتصر لأشواقه وأحلامه في الحرية والكرامة، ويغسل أياديه تماما من بشار الأسد ونظامه الفاشي ورجاله، ؛ إذ لا أمل فيهم، وإن كان البعض ما يزال يستصرخ بشار كي ينأى بنفسه عن هذا الوحل والعار، وينجو بنفسه وأهله، ويرحل تاركا السلطة في سوريا للشعب واختياراته الحرة، وفق خارطة طريق واضحة تتوافق فيها المعارضة السورية على فترة انتقالية محددة ترسي خلالها دعائم الانتقال السلس إلى الدولة المدنية الحديثة، دولة الديمقراطية والعدالة والقانون، وهناك من يأمل أن يحسم شرفاء حلب ودمشق المعركة الحالية بخروجهم في مسيرات حاشدة وغير مسبوقة ونزولهم للشوارع بأعداد كثيفة لتعرية النظام السوري تماما، ونزع ورقة التوت عنه التي يداري بها سوأته السياسية ويزعم أنه ما زال يمتلك الشرعية الشعبية!!
لكن هيهات أن يستجيب بشار ونظامه القمعي القاتل لنداءات العقل فهم لا يتمسكون بشرعية، ولا يفكرون في أية مصالح عليا للشعب السوري، ولا يعترفون بشيء من حقوقه المشروعة، ولا يهتمون لا بالجامعة العربية ولا بدولها ولا بقراراتها، والأمر مجرد ألاعيب ومناورات سياسية لا أكثر، وكل ما يعنيهم فقط هو كسب المزيد من الوقت كي يتمكنوا من قمع الثورة وإرهاب الثوار والقضاء عليهم، والقضية بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت لأنهم يدافعون عن مصالحهم الشخصية المباشرة، ويخشون من تعرضهم للمحاكمة على جرائمهم الخطيرة السابقة التي ارتكبوها بحق الشعب السوري على مدى أربعة عقود ونيف!!
وفيما يبدو لكافة المحللين السياسيين أن الأزمة السورية تتجه بقوة نحو التدويل ـ رغم مخاطره الكبيرة ـ فلم يعد بوسع أحد الصمت على هذه الدماء السورية الزكية التي تسفك وتهراق يوميا على أيدي زبانية نظام بشار الأسد، كما أن حل التدويل يبدو منطقيا جدا الآن لاسيما بعد رفض نظام الأسد الفاشي الاستماع لصوت العقل، وعدم حرصه على حقن دماء شعبه، وبعد عجز العرب عن حل المشكلة السورية داخل البيت العربي طوال هذه الشهور الثمانية التي انقضت، والضحايا السوريون الأبرياء لا يطلبون أكثر من حقن دماءهم، وحمايتهم من بطش النظام القمعي الظالم الذي يحكمهم، ومنحهم حقهم في العيش بحرية وكرامة وسلام!!
غير أن التشابكات والتعقيدات الإقليمية والدولية تزيد من تأزم الموقف وصعوبة حل المسألة السورية، وقد سمع العالم تصريحات حسن نصر الله الأمين العالم لحزب الله الشيعي اللبناني المؤيدة لسوريا الأسد بقوة والمحذرة من اتخاذ أية إجراءات دولية ضده، كما سمعنا تصريحات المسئولين الإيرانيين الداعمة للنظام السوري العلوي النصيري بشدة، واعتباره حائط الصد الأول عن إيران، والجميع يضع يده على قلبه خوفا من انفجار الأوضاع في أية لحظة، وسقوط المنطقة العربية بأسرها في أتون صراع طائفي ومذهبي وسياسيي وعسكري لا ينتهي، والكل يتخوف بشدة من اندلاع حرب أهلية في سوريا؛ فتأجيج نيران هذه الحرب الطائفية وإشعالها على هذا النحو المخيف ينذر بتطاير شررها إلى مناطق أخرى من العالم العربي، وقد يتطور الأمر وتندلع حرب إقليمية شرسة للتخلص من البرنامج النووي الإيراني، والسيطرة على منابع النفط حول الخليج العربي!! وساعتها لن تقف إيران مكتوفة الأيدي بل ستحرك أنصارها للدفاع عنها، وقطعا سيضربون بقسوة وعنف كل ما ستطاله أيديهم، والله تعالى وحده أعلم بما ستسفر عنه كل تلك الأحداث!!
ورغم كل تلك الملابسات إلا أن الحقيقية الوحيدة المؤكدة في المشهد السوري الآن والتي لا تحتمل المزايدة من أحد هي أن من حق السوريين أن ينالوا حريتهم وكرامتهم وينعموا بحياة ديمقراطية كغيرهم من الشعوب الأخرى، وليس من حق بشار الأسد ونظامه، ولا من حق حزب البعث السوري، ولا حزب الله، ولا لبنان، ولا إيران أو غيرهما حرمان الشعب السوري من هذا الحق بذريعة المقاومة والممانعة، فلا نظام بشار الأسد ممانع، ولا إيران ممانعة، ومقاومتهما لإسرائيل مقاومة صوتية فقط، وهي مجرد حبر على ورق، والشعب السوري غير معني بحسابات طهران ولا بأجندتها الخاصة، وليس على السوريين أن يتخلوا عن حريتهم وكرامتهم لأجل سواد عيون إيران، وليس عليهم تنفيذ أجندة أحد، ولا دفع ثمن الحرب بالوكالة عن أحد، وكل ما يعنيهم هو نيل كرامتهم وحريتهم، والعيش في حياة حرة كريمة يتمتعون فيها بأبسط حقوق الإنسان التي شرعتها الأديان السماوية، وأقرتها جميع المواثيق الدولية.
* كاتب إسلامي مصري