الحوار في الأسرة
أحمد معاذ الخطيب الحسني/دمشق
بعض الصفات عندما يحوزها الإنسان يدهش من العوامل الإيجابية التي يمكنه اكتسابها بتلك الحيازة، وإحدى تلك الصفات الخيرية الباهرة هي الرفق، ويكفي في فضلها ماجاء في الصحيحين، من أن الله تعالى "يحب الرفق في الأمر كله".
الرفق مقدمة أخلاقية لا بد منها، وعند وجودها وليس قبله يمكن لنا أن نتحدث عن الحوار!
داخل الأسرة يبرز الحوار كمفتاح أساسي في معالجة كل القضايا، والتفاهم حول مفاصل الحياة الدقيقة والجليلة، وتجاوز التناقضات والاختلافات، واتخاذ القرارات، وربما لا يكون عند الجميع فكرة كافية حول فن الحوار، وربما تعوَّد أن ينطلق لطرح أفكاره بنوع من الاندفاع والحماس الذي يجعله يتجاوز الخطوط الحمراء للطرف المقابل.
يمنع الحوار عدة آفات نفسية كالكِبر والغضب والعجلة وقلة الرياضة للنفس، وإذا لم تعالج جذور الأمر فإنه يزداد توطناً في النفس حتى يستحيل اقتلاع نبته، وكمثال عن آثار الغضب يذكر الإمام الغزالي أنه إذا (قويت نار الغضب والتهبت، أعمت صاحبَها، وأصمته عن كل موعظة، لأن الغضب يرتفع إلى الدماغ، فيغطي على معادن الفكر، وربما تعدى إلى معادن الحس، فتُظلم عينه حتى لا يرى بعينه، وتسود الدنيا في وجهه، ويكون دماغه على مثال كهف أضرمت فيه نار، فاسودَّ جوُّهُ، وحمي مستقره، وامتلأ بالدخان، وكان فيه سراج ضعيف فانطفأ، فلايثبت فيه قدم، ولا تسمع فيه كلمة، ولا ترى فيه صورة، ولايقدر على إطفاء النار، فكذلك يفعل بالقلب والدماغ، وربما زاد الغضب فقتل صاحبه)[1].
عندما يشرق في القلب نور الفهم يدرك الإنسان أنه بحاجة إلى الآخرين وأنهم بحاجة إليه، وأن السبيل الوحيد للوصول إلى نتيجة على أي صعيد هو التفاهم، والذي لا يمكن أن يتم دون حوار، وتحيل خصوصية الأسرة وضرورتها الحياتية والشرعية الحوارَ إلى أولوية في البناء الداخلي وسلوكية مستمرة لاستمرار التوازن.
الحوار مبدأ، وسلوك وعادة، وعندما يقوم الإنسان به لأول مرة فربما يشعر أنه قد تنازل عن شيء مهم لديه، وربما يحس بالحرج النفسي أو الاجتماعي.
والحقيقة أنه قد تنازل عن أحد السدود (بل الذنوب) التي كانت تمنعه من التواصل، وكما يرتاح من يخفف وزنه بعد مدة، فكذلك من يتنازل عن الأثقال النفسية، وبرغم اتساع الأمر هو يسيرٌ كذلك ويمكن أن نمضي فيه ببعض الخطوات:
1- يمكن لنا أن نقوم بنوع من الإقناع العقلي بضرورة الحوار حتى يتحول إلى عادة، وذلك بالتفكير بنتائجه الإيجابية، وإدراك السلبيات التي تتحرك دون وجوده.
2- تعيننا التقوى في نفوسنا على إدراك أن انعدام الحوار هو نتيجة لتراكم ذنوب نفسية، كالكِبر والعُجب والأنانية، والغضب، وحب السيطرة، لذا يصبح الابتعاد عنها مطلباً شرعياً، يعزز وجود ساحة مفتوحة للحوار.
3- نظرنا الإيجابي إلى شريك حياتنا وأولادنا، وكم يمكن بتوازنهم أن يغنوا الأسرة بفيض من التراحم والسكينة ؛يجعل الود يتدفق من قلوبنا ،فيمهد الطريق للحوار بلغة الحب والرحمة.
4- لنبتعد عن الحوار في حالة الاستنفار النفسي أو عدم القدرة على ضبط النفس.
5- يمكن أن نمرن أنفسنا بأمور صغيرة، ثم ننتقل منها إلى ما هو أكثر أهمية مكتسبين عادة الحوار.
6- يقول الإمام الغزالي رحمه الله: إن (النفس قد جبلت على حب الرفعة، فهي لا تحب أن يعلوها جنسها)[2]، ولكن بالرياضة وإدراك أن المشاريع الجيدة في الحياة لا تقوم باستئثار شخص بمفاتيحها، بل بتفويض الأمور والمشاركة، والتي يعني قبولها المزيد من رحابة الحوار.
7- لنضع أنفسنا مكان شريك حياتنا، أو أولادنا وعندها سندرك حاجاتهم وظروفهم بأعمق مما كنا نظن، وهذا يزيد قابليتنا على الحوار، ويبني جسوراً متينة بيننا.
8- لنسأل الله الهداية إلى الرشاد، وأن يهدينا إلى أحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو تعالى.
مع أطيب الدعاء بالتوفيق إلى الصالحات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.