خفايا أطراف الصراع في سوريا
محمد عمر
في لجة الصراع المتنامي والمتأجج في سوريا، تثبت اشياء، وتختفي اشياء. ما يثبت ان
الشعب السوري بقضه وقضيضه، هو الطرف الاصلي والاساسي في الصراع الدائر، وما يختفي عن بال الكثيرين ان الجهة الاخرى هي مجموعة من الاطراف لكل منها وجود عسكري ومادي ومعنوي، وهي لا تتمثل بالنظام وجيشه وشبيحته فقط، بل تتوسع لتشمل ايران، والعراق متمثلة بشخص المالكي ذاته ومن يوجهه، وبقوات مقتدى الصدر، وحزب اللات، وحركة أمل، اضافة الى جيش المثقفين والتابعين والمنتفعين والخائفين والمرعوبين الذين ارتضوا الوقوف ضد رغبات الشعوب والجماهير المنطلقة اسوة بتونس ومصر وليبيا واليمن من اجل تحقيق اهداف العدالة والحرية والنقاء والكرامة الشخصية للأفراد والمجتمع بكامله.
فإيران، هي التي مهدت وعن طريق النظام السوري، الى تمكين حزب اللات وحركة أمل من السيطرة على لبنان واستعماره واحتلاله احتلالا كاملا من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية وحتى من الناحية الثقافية والتربوية، ووزعت الادوار بين حركة امل وبين حزب اللات بطريقة لا يمكن للدولة اللبنانية بجميع اجهزتها ان تتخلص من مثل هذا النفوذ الا من خلال لحظة حاسمة يمكن اغتنامها من الاحداث التي تتفجر الان في الوطن العربي للتخلص من الانظمة الطاغية التي تدعم تلك السيطرة وتزودها بكل ادوات القتل والبطش من اجل افناء الشعب اللبناني ان حاول التخلص مما اصبح واقعا استعماريا لا يمكن تجاهله او غض الطرف عنه.
وانا حين اتحدث عن واقع استعماري، فلا استخدم هذا التعبير من اجل التهويل او المبالغة لإيصال القارئ الى المعنى الذي اقصد، بل استخدمه بدلالاته ومعانيه التي يحملها كجوهر حقيقي وواقع ممارس على الارض.
وهو جزء من الحلم الذي ابتدعته الثورة الايرانية يوم وصولها الى الحكم، وهو تصدير الثورة الى دول المنطقة، تحت شعار العدالة والاسلام وانقاذ الشعوب من ممارسات الاستعمار الخارجي والقوى المؤثرة، وقد تم استخدام القضية الفلسطينية كنوع من الدعاية والترويج لذاك الحلم، وتم التركيز على استحداث اساليب براقة المظهر، لكنها تحمل في اشواكها الناعمة سما زعافا لكل نبضة قد تقف في وجه المشروع المرتجى من ذاك الحلم.
وهو مشروع بسط النفوذ والسيطرة للقومية الفارسية والفكر الصفوي المتشدد والقائم على انكار المقابل واقصائه وحتى نفيه المطلق من دوائر القدرة والتأثير، واكبر دليل على ذلك، كتب اعلام الفكر الصفوي كالخميني ومحمد باقر الصدر والكثير الكثير ممن هم شاكلتهم.
لكن المشروع او الحلم اصطدم بشخصية عربية قوية، ذات قوة واضحة ومؤثرة وفاعلة، ولها حضورها العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي، وهي شخصية الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله، فكانت وقفته امام الحلم، هي السبب الاول والاخير في تحطيم الحلم وأسياده، الى الحد الذي اضطر فيه الامام الولي الفقيه الى الاعتراف بالهزيمة والموافقة على انهاء الحرب تحت ضغط قوة القيادة العراقية التي كانت تدرك تماما معنى الامتداد الذي تود القومية الفارسية ان تفرضه على العالم الاسلامي بطريقة فيها من المكر والخبث ما يجعلنا نعترف وبشكل كامل لقدرتهم في توظيف القضايا الرئيسة وانبات موجات الصراع الفكري والطائفي كي تحتل الوقت وتستنفد القدرة لدى الشعوب والحكومات في حين تمريرها لمخططها الرامي الى انهاء القوة العربية والاسلامية، من اجل افساح الطريق امام القومية الفارسية والفكر الصفوي.
واريد ان الفت نظر القارئ المثالي الذي سيقول بان هذه المقالة تحمل بين مفرداتها بعدا طائفيا، وانها تتساوى مع نفس الاسلوب الذي ادعيه على الجهة المقابلة، وهذا صحيح، لكن بصورة اخرى لا تتساوق او تتماثل مع فكرتهم، فانا هنا ارد على ما يطرحون من افكار، ولأنها بطبيعتها افكار طائفية فلا بد ان يبدو الرد وكأنه طائفيا، لكنه في الحقيقة محاولة لإضاءة شعلة صغيرة امام العرب والمسلمين، ليضطلعوا بدورهم في مواجهة هذا الفكر وهذه الالاعيب، وليس مقبولا، او منطقيا ان نتركهم ينشروا سمومهم ودخانهم ونارهم، وندعي المثالية باننا ارفع من الرد عليهم، لان هناك الكثير من المواطنين الذين لا يملكون القدرة على فهم الدوافع والنوايا المغلفة لهذا المشروع المرعب والمثير للتساؤل والخوف في نفس الان. ولأن النتائج بدأت تتبدى بصورة لا تقبل الشك ابدا، من خلال الصراعات الخفية التي تديرها اصابع ايران في المنطقة العربية والاسلامية.
ولنبدأ بحزب اللات، فقد استطاع هذا الحزب من خلال الشعارات التي طرحها حول الوطن والوطنية ومجابهة الكيان الصهيوني، ان يشكل في الوعي العربي والاسلامي علامة فارقة، حتى وصل الامر بالكثير من المفكرين الى اعتباره النقطة المضيئة في عصر تخاذل الانظمة وانهيارها، وحين كنا نقول: بان الحزب لا يقيم أي شأن لفلسطين او القضية الفلسطينية لم يكن هناك من هو مستعد للتصديق او حتى المحاورة.
اليوم، وبعد اندلاع الثورة السورية، والتي هي بطبيعتها حركة ثورية شعبية جماهيرية، خالية من أي مصلحة خارجية، او انتقام شخصي، او بعد طائفي، وقفت ايران كممثل كامل للفكر الصفوي من اجل انتاج روايات يوظفها النظام الحاكم في دمشق، لتصوير الانفجار الثوري على انه عمل ارهابي او مرتبط بأجندات خارجية، وقامت ايران بتوظيف اعلامها بشكل كامل وخطة مدروسة وممنهجة ومؤدلجة من اجل تشويه الثورة والثوار، بل وتمادت في بداية الثورة بإخراج تصريحات من شانها ارهاب المتظاهرين، وطمأنة النظام للمضي بالجريمة المنظمة التي يمارسها نحو الشعب بكل فئاته.
ولأن حزب اللات لا يعدو كونه ذنبا صغيرا لإيران، فقد وقف الرجل " الثوري " الذي يهدد الاحتلال ويتوعده، ليقول للثوار بطريقته الخبيثة والمقززة، بان سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية، واستبسل في الدفاع عن الجريمة التي ينظمها النظام السوري بصورة الغت انسانية الانسان، فطرق القتل والتعذيب والحط من كرامة الناس والشعب التي مورست في سوريا، لم يشهد العالم فظاعتها وارهابها، فقطع رؤوس الاحياء، وانتزاع الاعضاء التناسلية، وتمزيق الانسان وهو حي وتقطيعه، وارغام الناس على السجود لصور بشار وماهر، والغاء شهادة ان لا اله ومحمد رسول الله، واحلال شهادة باسم الطاغية واهله، كل هذه الامور تقذف بالعقل بعيدا عن قدرة التصور والاحتمال.
لكن ايران وخادم مشروعها في لبنان، لم يتوانوا ابدا عن تصوير الضحية بانها المسؤولة عما يحل بها، بل وتعدى الامر ذلك بإرسال مرتزقة الى سوريا من اجل الولوغ بدم الثورة والثوار، والتعرض لأعراض المسلمات المؤمنات الطاهرات الغافلات.
اما العراق، فلها وضعها الخاص، فهي عراق الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله، الذي مرغ انف ايران بالتراب ووحل الهزيمة، ولقنهم بان العرب لن يكونوا يوما اذنابا للقومية الفارسية او الفكر الصفوي، لذلك تآمروا مع مجموعة من الخونة ومع القوى الاستعمارية التي ضاقت ذرعا بقوة الشهيد صدام وسطوته، من اجل اسقاط العراق وهدم قدراته ومقوماته.
ونجحوا في ذلك، فالعراق اليوم تخضع للاستعمار الفارسي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وكما تقف الان ايران في مواجهة الثورة السورية النقية، وقفت ايضا امام الثوار الذين ظهروا بعد احتلال العراق من اجل مواجهة المد الاستعماري العالمي والفارسي، فقامت بتمزيق وحدة العراق، ونشرت الرعب والقتل، وساهمت مساهمة واضحة في زرع العبوات والمتفجرات في كل مكان من اجل الاخلال باي توازن قد يميل الى صالح ثوار العراق الاحرار، حتى وصل الامر بها الى صفاقة غير معهودة حين نشرت قواتها في العراق تحت ذريعة حماية رعاياها اثناء الحج في العراق.
ولما كانت الكثير من القوى الفاعلة في العراق كما حزب اللات في لبنان، فقد تم توظيفهم لمجابهة الثورة السورية بكل ما يملكون، وبناء على اوامر من ايران تم ارسال المرتزقة تماما كما فعل حزب اللات وايران ذاتها من اجل سفك دماء الشعب السوري واجهاض حلمه بإسقاط طاغية لم تثبت الثورات المندلعة وجود طاغية مثله.
ومن العراق نبدأ من قمة الهرم المشكل بإرادة فارسية محضة، فالمالكي، اعلن بانه يخشى سطوة السنة اذا سقط النظام القائم في سوريا، وهي ملاحظة يجب ان يعييها القارئ بوضوح شديد، حتى لا نتهم باننا نشعل فتنة طائفية او حتى ننحو لاستحداث فكرة طائفية، لكننا نملك الحق لنتساءل، ما معنى الخوف من سطوة السنة اذا سقط النظام السوري؟ فالطاغية السوري من وجهة نظر المالكي " علوي " وهي فئة من الشيعة، وحين اعلن خوفه من السنة، فانه يقصد بانه بمساندة النظام العلوي انما هو يحمي العراق من اهل السنة، وكذلك يوطد مفهوم المثلث الشيعي الذي تحدث عنه مجموعة من المفكرين. لكن الثوار، ولأنهم يعلمون ان سوريا الوطن والتاريخ والحضارة، لا تتسع لفكر طائفي، ولان الثورة السورية ادركت ومن اللحظات الاولى لانطلاقتها خبث من يواجهون، كانوا على مستوى من المسؤولية حين كانت احدى الجمع باسم " جمعة صالح العلي " وهو احد قادة الثورة السورية ضد الاستعمار، وهو علوي، لكنه كأي مواطن شريف شرف الوطن نفسه، رفض عروض الاستعمار من اجل تقسيم سوريا او اخضاعها للتوترات الطائفية، وبهذا اثبتت الثورة انها ثورة مواطن وثورة انسان.
ومهما حاولت ايران واتباعها ومن خلال ما تملك من خبث ومكر، تلطيخ الثورة السورية، فإنها اعجز من ذلك، لان الايمان بالله جل شأنه، ثم تقدير دماء الشهداء والجرحى، وعرض المسلمات المنتهك، وعذاب المعتقلين والمروعين، وحرمة المساجد والمآذن التي انتهكت، ستشكل طوقا وسوارا امام كل خفايا المكر والخبث.
لهذا فإننا نقول بان الثورة السورية لها خصوصية شديدة، فهي لا تحارب النظام بكل طغاته فقط، بل تحارب ايران وحزب اللات ومرتزقة العراق، وهي حرب صعبة وشاقة، لكنها في النهاية حرب العدالة في مواجهة الظلم. وهنا يبين الاختلاف بين مرتزقة القذافي ومرتزقة سوريا، فالقذافي اشترى مجموعة كبيرة من المرتزقة لخوض الحرب ضد الثورة الليبية، لكن الدول التي قدم المرتزقة لم تكن تقدم مساندات ومساعدات عسكرية للمرتزقة، بل كان النظام الليبي هو المسؤول عن تقديم كل ما تحتاجه المرتزقة من اجل الوقوف بوجه الثورة.
الوضع في سوريا يختلف اختلافا جذريا، فايران دولة غنية، ولها مصادر فكرية وثقافية ودينية تريد تثبيتها في الوطن العربي، والنظام السوري يعتبر خادما مطيعا ومثاليا بسبب توافق المعتقدات والمصالح والاهداف، فلم يكن بالإمكان ان يحتل حزب اللات لبنان لولا النظام السوري الذي كان يحتل لبنان سابقا، لهذا، فان بقاء ايران في لبنان، مرهون ببقاء النظام السوري، فان سقط هذا، سيسقط هذا، وهذا ما يجعلنا نفهم المعادلة الوحشية التي يقودها النظام الايراني مع اطياف وحركات واسعة في العراق، متمثلة بالمالكي، وكذلك حزب اللات، من اجل سحق الثورة السورية، التي ان نجحت فإنها ستحرر لبنان من قبضة استعمار حزب اللات، وبالتالي لن يكون لإيران وجود في منطقة بلاد الشام، اما ان فشلت الثورة السورية، فعلى العرب ان يستعدوا لمشاهدة دولة الولي الفقيه ليس في بلاد الشام فقط، بل وفي اماكن اخرى كثيرة.
لقد استطاعت الثورة السورية الباسلة الصامدة ان تعري المنطقة والدعيين والمتشدقين واصحاب النوايا الخبيثة، تعرية مسحت الشك وثبتت اليقين، بان الناس قد تخدع لفترة من الزمن، لكنها لن تخدع طوال الوقت.
واريد هنا ان اضرب مثلا بسيطا، فجيفارا الثائر الاسطورة، لم يكن يقاتل من اجل وطنه، بل من اجل الحرية، وفي احدى المناسبات قال مقولة سنبقى نحترمها ونقدرها: " لا يهمني أين ومتى سأموت، لكنه يهمني أن يبقى الثوار قائمين، يملأون العالم ضجيجا، حتى لا ينام الاستعمار بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين."
هذا هو الثائر، اما مثل قادة حزب اللات، الذين اندفعوا للتجرد من الغطاء الذي كانوا يرتدونه من اجل مواجهة الثورة وسحقها، وايران التي فاخرت بفكرة الثورة وتصديرها للعالم، شحذت انيابها للفتك بالثوار، والمجموعات التي جاءت على الدبابات باسم الثورة على الظلم، تقف اليوم بكل قوتها لسحق الثورة والثوار. نحن نعرف بان الثائر لا يخذل الثائر، لكن من يدعي الثورة فان وظيفته الحقيقية صد الثورات ومعاداتها والبطش بثوارها واهلها.
لهذا، على الامة العربية والاسلامية، ان تدرك وبوضوح مطلق بان الحرب المعلنة على الثورة السورية، هي في حقيقتها حرب معلنة على الامتين العربية والاسلامية، وان مناصرة الثورة التي تطالب بتصفية الظلم والاطاحة بالقهر وتمزيق فكرة الطائفية، هو واجب مطلق لا يمكن التأخر عنه او اهماله.