العيد الأربعون للتمرد
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
يحتفل المجمع المقدس للكنيسة المصرية الأرثوذكسية بالعيد الأربعيني لجلوس رئيسها الحالي بطريرك الكرازة المرقصية، على كرسي مار مرقص، ١٤ نوفمبر الجاري، بالكاتدرائية المرقصية بالعباسية، بحضور البطريرك مار أغناطيوس زكا الأول عيواص، بطريرك أنطاكية، والأنبا باولص، بطريرك إثيوبيا، والكاثوليكوس آرام الأول، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا.
وقال الأنبا يوأنس، الأسقف العام، سكرتير البابا ، إن الاحتفال سيتم فى إطار كنسي، عن طريق المراسم الدينية، واستقبال رؤساء الكنائس الذين أكدوا حضورهم لتقديرهم لمكانة رئيس الكنيسة المصرية بين الكنائس الشرقية والعالمية.
وكنت أتصور أن يكون الاحتفال دوليا على المستوى السياسي العام ، وليس على المستوى الديني فحسب ؛ فالرجل مذ جاء إلى منصبه وهو يثبت أنه ليس زعيما روحيا يناقش القضايا الدينية التي تتعلق بالإيمان والتعاليم التي تهم عامة الطائفة فقط ، ولكنه يتجاوز ذلك إلى القيام بدور يماثل دور رئيس الدولة، بل يفوقه في بعض الأحيان من قبيل عدم تنفيذه لأحكام القضاء النهائية الباتة ، وتضطر الدولة المصرية صاغرة إلى وقف تنفيذ الحكم بقرار من المحكمة الدستورية العليا !
المحتفي بعد أربعين عاما حرص على أن ينقل السلطة الزمنية إلى قيادة الكنيسة والرهبان في الأديرة والقساوسة في الكنائس ، فمنحهم سلطات الدولة في الأنشطة كافة سياسية واجتماعية واقتصادية وتنظيمية ، بل وعسكرية تمثلت في تكوين ميليشيات الكشافة التي تعد تشكيلات عسكرية .
وقد حرص الرئيس الجديد للكنيسة قبل أربعين عاما على استخدام مصطلح شعب الكنيسة ، أو الشعب القبطي ، ومن خلال الإلحاح على مصطلح الشعب ؛ فإنه يترسب في وجدان النصارى أنهم من طينة أخرى ، وأن المسلمين غرباء عنهم ، ويجب أن يخرجوا من مصر ، وهم ما أفصحت عنه تصريحات القيادة الطائفية ، فقد وصف بيشوى أسقف دمياط والبراري والقديسة دميانة أن المسلمين ضيوف على النصارى في مصر ، وأن القرآن مصنوع وليس وحيا .
الإنجيل يقول : " دع ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله " . ولكن القيادة الكنسية منذ أربعين عاما رأت غير ذلك ، ورأت أن قيصر والله جميعا من شئونها ، بل إنها قدمت قيصر على الله ، وجعلت غايتها الأولى تحقيق أهداف جماعة الأمة القبطية على الأرض ، بتحرير مصر المسلمة من الاستعمار الإسلامي ، وبعث اللغة الهيروغليفية بوصفها اللغة الوطنية ، والعمل على إلغاء اللغة العربية تماما ، وفصل الطائفة عن المجتمع شعوريا وعمليا حتى يتم التحرير الكامل .
لقد كان خروج الرهبان – الممنوع خروجهم إلا لشراء الطعام أو لضرورة معيشية – لأول مرة في العصر الحديث ؛لاستعراض القوة نحو مدينة الخانكة لإعلان التصدي للدولة ، وتأييد بناة كنيسة بالمخالفة للقانون ، وذهبوا مزودين بتوصية استشهادية من قيادة الكنيسة الجديدة ملخصها أن يعودوا سبعة عشر ، بدل أن يعودوا مائة وسبعين كما ذهبوا !
ثم كانت الصاعقة التي حملها التقرير الخاص بالاجتماع السري الذي عقدته القيادة الكنسية الجديدة في الإسكندرية عام 1972، ونشره الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في كتابه " قذائف الحق " ، ويتضمن تخطيطا شريرا لمواجهة الإسلام والمسلمين في مصر مستلهما التجربة الأندلسية في استئصال الإسلام والمسلمين ، وكان أبرز ما تضمنته الخطة زيادة عدد النصارى حتى يصلوا إلى نسبة 50% من عدد السكان الإجمالي في سنوات قليلة ، والتحرك على المستويات كافة لإظهار اضطهاد الأقباط المزعوم ، مع
تدشين عملية تنصير واسعة بين الطلاب المسلمين الفقراء ...والعمل بدأب لتغيير هوية مصر الإسلامية في المجالات المتاحة وخاصة بناء الكنائس والتعليم والإعلام والثقافة ..
وأخذت عمليات التحرش الدموي بالمسلمين من خلال بناء كنائس دون تراخيص ، تأخذ طريقها بكثرة ، وتبدأ من مضيفة أو مركز خدمات أو مكتبة أو نحو ذلك ثم يتم رفع المنارة وتعليق الصليب ، والاستعداد لمواجهة المواطنين المسلمين بالسلاح ، وقد ثبت أن هذه الحوادث تبدأ من عند النصارى الذين يتحرشون بالمسلمين ، ويعتدون على القانون ، وتتحول المسالة إلى اضطهاد من جانب الأغلبية للأقلية ، ويتم الترويج في الإعلام المحلي والدولي أن الأغلبية تحرم الأقلية من عبادة الله ، ويتم تجييش
الصحفيين والإعلاميين العملاء ، وخاصة من الماركسيين الحكوميين والعلمانيين ، وتحويل الضحية إلى متهم ، ومع انبطاح النظام البائد ، وهلعه أمام الولايات المتحدة التي يستقوي بها التمرد الطائفي ، كان يسارع إلى تقنين البناء المخالف واعتماده كنيسة ، وتنفيذ مطالب ابتزازية أخرى وخاصة في المجالات التعليمية والإعلامية والسياسية ! حتى إن الأغلبية صارت تجد نفسها متهمة لو اختلف نصراني مع بائع مسلم على سعر الطماطم أو الكوسة ، وعندما يصلان إلى الشرطة فإن أوامر عليا من السلطة المذعورة تقضي بصرف
الاثنين ، وإلا كان المسلم هو المتهم ، خوفا من حملات المتمردين وتشهيرهم بالنظام .
وقد لعب خونة المهجر دورا خطيرا بوصفهم الذراع الأساسية التي تقول ما يريده رئيس الكنيسة دون أن يتحمل مسئوليته قانونا أو معنويا ، ولكن الناس تعلم أنه بإشارة من إصبعه يستطيع أن يوقف جرائم خونة المهجر بحكم ما يملكه من سلطة روحية خاصة بالحرمان والغفران ، وهي سلطة ترعب النصارى عموما ، لأنهم يعتقدون فيما يسمى خلاص الروح على أيدي الكهنة الذين يتبعونهم .
رافق ذلك بناء إمبراطورية إعلامية ضخمة استفادت من قوانين هيئة الاستثمار ، في إنشاء صحف وقنوات تلفزيونية ، فضلا عن مئات المواقع على الشبكة الضوئية ( النت ) ، وقد روجت هذه الإمبراطورية لأفكار التمرد الطائفي، واستفادت من الوضع المخزي الذي كانت تقفه السلطة البوليسية الفاشية البائدة ، وراحت تشيع الأكذوبة الكبرى ، أعني اضطهاد النصارى في مصر .
لقد ظلت عمليات التحرش بالإسلام والمسلمين إعلاميا وسياسيا مستمرة حتى بلغت ذروتها مع ثورة يناير الماضي ، تلك الثورة العظيمة التي خرج فيها الشعب كله ليسقط النظام الفاسد . كان رأس الكنيسة وأتباعه من المتمردين ضد الثورة ، وظلوا يؤيدون المخلوع ، ويطالبون بابنه خلفا له في منصب رئيس الجمهورية ، وطالب رئيس الكنيسة أتباعه بعدم المشاركة في الثورة ،ولكن أعدادا غير قليلة خالفت أوامره وشاركت وظهرت مع المسلمين في ميدان التحرير .
لقد جن جنون القيادة الطائفية عقب سقوط المخلوع وانتصار الثورة ، فراحت تحرك الأذرع في كافة الاتجاهات ، وكان أبرزها معارضة المادة الثانية من الدستور التي تنص على إسلامية الدولة ، وعندما أخفقت محاولاتها من خلال الإمبراطورية الإعلامية ، وخونة المهجر ، راحت تحرض الطائفة على عدم التصويت للتعديلات الدستورية التي استفتي عليها الشعب ، وبذلت محاولات لتعطيل الانتخابات التشريعية ، بحجة الدستور أولا ، ثم المبادئ فوق الدستورية التي يتبناها وزراء موالون للكنيسة في الحكومة
، والتشكيك في نجاح الثورة ، وفي المستقبل جميعا ، ثم كانت مظاهرات ما يسمى شباب ماسبيرو التي كانت نهايتها في 9/9/2011م ، وقتل فيها المتظاهرون الطائفيون الصرب 66 جنديا من الجيش المصري ، و25 نصرانيا ، وقد استغلت القيادة الطائفية الجريمة استغلالا بشعا ، حيث انطلقت الأذرع الموالية للكلام عن تحقيق دولي وطلب حماية دولية ، وتنافست القوى المخاصمة للإسلام في مصر من ماركسيين وعلمانيين وماسون وأشباههم لتملق الكنيسة ، واتهام الجيش بالعدوان على النصارى ..
المفارقة أن رئيس الكنيسة يبدو وكأنه حريص على الوحدة الوطنية حين يقول: "لا يمكن المطالبة بفتح تحقيق دولي في تلك الفترة الحرجة التي تمر بها مصر، لأن هذا الأمر لا يناسب ظروف مصر الحالية وقد ينعكس سلبًا على الوحدة الوطنية التى ندافع عنها جميعًا". ولكنه في الوقت نفسه يخاطب أسر ضحايا أحداث ماسبيرو من النصارى قائلا : "وأوعوا تفتكروا إننا مبنتكلمش مع المسئولين، إحنا بنتدخل في كل شيء وبنقول كلام أصعب من اللي أنتم بتقولوه " .
واستطرد: "مش هنقدر نثبت حاجة أمام القضاء، إحنا بنرفع قضايانا إلى الله، وهو إللي بيجيب حقنا، ولو عايزين محامين، نشوف لكم محامين يترافعوا عنكم".
بيد أنه لم يتكلم عن تجييش الخونة للبرلمان الأوربي والحكومة الكندية والكونجرس والمنظمات الدولية ضد بلاده أبدا !
الم يكن من اللائق أن يقيم احتفالا دوليا بانتصاره على السلطة المصرية طوال أربعين عاما منذ جلوسه حتى اليوم ، وانجازاته في جعلها تنبطح أمام إرادته وخططه الشيطانية الانفصالية ؟