صراع الأجيال في الحركة الإسلامية

د. خالد أحمد الشنتوت

د. خالد أحمد الشنتوت

الصراع مصطلح ماركسي،وهو( الجدل أو الديالكتيك ) حيث يرى الماركسيون الجدل في كل شؤون الحياة، وأولها المادة، لذلك تقوم فلسفتهم على الجدلية المادية : ((والجدل هو الصراع: جدله جدلاً وجدّله فانجدل وتجدل: (لسان العرب).

فالحوار يقوم على آداب وضوابط معينة، عبر النقاش وتبادل الآراء، ملتزماً أو متحلياً بمستوى من الرقي الإنساني، أما الجدل فيفترض وجود خصمين ويتسم بالعنف والحدة إلى جانب الاستعلاء.. والجدل لا يرمي إلا إلى مصارعة الخصم بغية تدميره  )) .  

وصار الجدل ( الصراع ) في المادة وهي الأساس عند الماركسيين ، ثم نقلوه إلى الحياة الاجتماعية والتاريخية، ومنها الجدلية التاريخية ويقصدون به الصراع بين الشعوب والأمم ، ومنه صراع الأجيال .

وصراع الأجيال بالمعنى الماركسي هو محاولة من الشباب للتغلب على الشيوخ وطردهم من أماكن المسؤولية والقيادة، ليتسلمها الشباب...وفيه أيضاً أن لكل جيل ثقافته ومصطلحاته، حتى أن أحدهم لايفهم على الآخر .... كما نسمع اليوم من ترهات غير صحيحة البتـة . ومما لاشك فيه أن للفكر الماركسي بقايا مؤثرة في الفكر العالمي ، ومنها صراع الأجيال ....ومما لاشك فيه أيضاً أن لكل جيل ثقافته وأسلوبه في التفكير والعيش ، حتى أننا نجد الفارق كبيراً بين الجيلين ، والجيل الذي يموت ، يعيش فترة قبل موته غريب عن محيطه ، كل شيء تغير ، وهو إما أ،ـ يتغير أو ينسحب (يموت ) ، وهذا ملاحظ بشكل سافر عند الشيوخ الطاعنين في السـن الأميين خاصة ...

الإسلام وصراع الأجيال :

الصراع في الإسلام بين الحق والباطل فقط، الحق متمثلاً في عبادة الله وحده لاشريك له ، والباطل الذي يعبد آلهة أخرى غير الله ، أو يجعل لله شركاء، ورجال الحق من الشيوخ والشباب، كما أن رجال الباطل من الشيوخ والشباب أيضاً ...

وتكرر في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } الزخرف 23 ، هذه الآية وما في معناها تكررت كثيراً في كتاب الله عزوجل، وتدل على تمسك الشيوخ غالباًَ ـ ومعهم بعض الشباب ـ بما ورثوه عن آبائهم، ومنه مراكزهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولا يريدون التخلي عنها وعن ميزاتها ... وتدل على مقاومتهم لأي جديد لأنه سوف يسلب منهم هذه المراكز والمكاسب المادية والدنيوية ، ولكن أي شيوخ وشباب هؤلاء الذين يقفون ضد الجديد لأنه يسلبهم مراكزهم !؟ إنهم رجال الباطل من الشيوخ والشباب معاً ، جند الباطل ورجاله المتمسكون بتراث الآباء والأجداد ليحافظوا على مكاسبهم الشخصية .. كما كان أهل مكة يتشبثون بما وجدوه عند آبائهم لأنه كان يضعهم في مكانة مرموقة بين العرب ، فكانوا ســدنة البيت ، وقد أعطتهم تلك المكانة المرموقة ، كما كانوا تجار الجزيرة العربية بلا منازع ، أولئك هم شيوخ مكة يومذاك ، شيوخ الباطل .

أما شيوخ الحق ورجاله الذين يبحثون عن شباب أمناء وأكفاء يسلمونهم الرسالة والأمانة من بعدهم ...وهذا من صلب التربية ، والتربية هي الوسيلة الأولى من وسائل الدعوة أو الحركة الإسلامية ... وفي سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه سلم قيادة جيش متوجه لقتال الروم سلمها لأسامة بن زيد رضي الله عنه ، وفيه الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختير أبو بكر خليفة، فاستأذن أسامة أن يترك له عمر رضي الله عنه يساعده ، وكان أسامة على حصانه وأبو بكر ماشياً فخجل أسامة وقال لأبي بكر لتركبن أو أنزلن ، فقال أبو بكر وهو ممسك بسرج حصان أسامة ، والله لا تنزل ولا أركب ، ماذا لو غبرت قدمي ساعة في سبيل الله عز وجل ... ونلاحظ انه لا صراع البتة بين الشيوخ والشباب عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل الحب والتفاهم والوئام والانسجام .... فأسامة يحب أبا بكر ويحترمه ، وأبو بكر يحب أسامة لأنه أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ...

وبشكل عام لا يوجد في الإسلام صراع ،  سوى الصراع بين الحق والباطل ، الحق هو عبادة الله وحده لا شريك له ، والباطل هو عبادة آلهة غير الله سبحانه وتعالى ....أما بين المؤمنين فلا يوجد صراع ، وإنما تعاون على البر والتقوى ، تعاون من أجل الوصول إلى طاعة الله عز وجل ...والصراع فقط بين الإيمان والكفر ....

كيف يتسلم الشباب المسلم الرسالة من الشيوخ ؟

مما يؤسف له أن فلسفة الصراع تسيطر على أذهان بعض الإسلاميين ، فتجدهم يريدون من الشباب أن يسلبوا مراكز الإدارة والقرار من الشيوخ ، ويطردوا الشيوخ منها ، تماماً كما يريد ماركس من الطبقة الكادحة أن تسلب ملكية أدوات الإنتاج من الطبقة البرجوازية في ما سماه ( الصراع الطبقي ) ...وهذا الفهم ماركسي وليس إسلامياً ...أما عند المسلمين فالتعاون على البر والتقوى :

1-   يجب على الشيوخ أن يهتموا بالشباب، وينتقوا منهم الأكفاء، ليدربوهم على المسؤولية وحمل الأمانة بعدهم، ويجب على الشيوخ التنازل طواعية بالتدريج عن مسؤولياتهم وتسليمها للشباب عن رضا وسرور، كي تنتقل المسؤولية بهدوء وتعاون وليس ( بالصراع )، تنتقل من الشيوخ إلى الشباب، كما كان الآباء في الماضي يورثون مهنتهم لأولادهم، حيث يلازم الولد أباه في مهنته عدة سنوات، ثم ترى الأب يسلم ولده خطوة بعد خطوة، فيقلل دوامه على العمل، ويترك ولده وحده وهكذا تنتقل المهنة من الأب إل ولده، مثل ذلك ينبغي أن تنتقل الأمانة والمسؤولية من الشيوخ إلى الشباب.

2-   يجب على الشباب أن يلازموا الشيوخ ويأخذوا عنهم، علمهم وخبرتهم ، وأسلوبهم في الدعوة والإدارة، بأدب المتعلم، الذي يجل الشيخ ويضع له مكانة مرموقة طيلة حياته، حتى بعد أن يسلم المسؤولية للشباب ... ولابد للشباب أن يصبروا ويتفهموا أسلوب الشيوخ وفكرهم ، ثم يزيدوا عليه فيما بعد، أو يطوروه ويعدلوا فيه ما يلزم، حسب مقتضى العصر وظروفه .

3-   يرجى من الشباب أن لا يستخدموا مصطلحات الماركسية مثل : كلام مكرر وأنشطة مكررة زهقنا منها ، ومفاهيم أكل الدهر عليها وشرب ، ومن يقول هذه الجملة لاينسى أن الإسلام منذ أربعة عشر قرناً ولا يزال وسيبقى صالحاً لكل زمان ومكان، وأن القرآن الكريم يكرر، ومازال يكرر منذ أربعة عشر قرناً، ومازال يزداد حلاوة وطلاوة. وبكلمة واحدة آمل أن يكون الشباب المسلم إسلامياً في كل شيء ، ومنها مصطلحاته وأفكاره ومفاهيمه ، وتعامله مع شيوخه ...وحسن الاستفادة واستلام الرايـة منهم . ومنها أيضاً كيفية تسلم الأمانة والراية من شيوخه ...

4-   ومما هو جدير بالذكر أننا نعاني اليوم من هذه المشكلة مشكلة تسليم الراية للشباب ، لأن عقوداً مرت ولم نستطع أن نقدم لأولادنا التربية الكافية والتدريب اللازم كي نسلمهم القيادة ، كالتربية والتدريب الذي قدمه لنا شيوخنا جزاهم الله عنا خيراً كثيراً ، خاصة وأن المرسوم (49) جعل أولادنا يبتعدون عنا قليلاً أو كثيراً حفاظاً على دمائهم ، مما أدى إلى ضعف في التكوين عند معظمهم إلا من رحم ربك ...

كان في مركزنا طبيب متخرج حديثاً من أبناء إخواننا ، وكان نشيطاً، فأردت أن أسلمه نشـاطاً شـبابياً شـهرياً كنت أقوم به بنفسي وكان منظري غير متسق ، لأنني ( ستيني ) بين أبناء ( العشرينات ) ، ولأنه لايوجد من يقوم بهذا العمل غيري ، وأخيراً اضطرت إلى ترك ذلك النشاط ، ومازال متوقفاً مذ تركته .... مع انتباهي لذلك ومحاولتي الالتزام بأساليب الحوار ، بل كان الحوار والتدرب عليه الهدف الثاني من أنشطتنا بعد رضا الله عزوجل وابتغاء ثوابه . وشارك معنا ذلك الأخ الطبيب بضع مرات في هذا النشاط ، وعرفت أنه له خبرة في الأنشـطة الإسـلامية الشـبابية في البلد الذي درس فيه ، وطلبت منه أن يكون حراً في كل شيء ، يضع المنهج الذي يريد ، ويزاول النشاط الإسلامي مع الشباب حسب قناعته ، وبعد النشاط الشهري يكتب لي تقريراً عما فعله ، مرة في الشهر ، فرفض أن يكتب التقرير وقال : أريد أن لا تتدخل معنا البته ، لاقبل النشاط ولابعد النشاط ، فتعجبت لأمره ، وسألت عمــه ( والد زوجته ) وهو من كبار إخواننا فقال لي : هذا لم يشارك في عمل جماعي في حياته كلها ، وإنما اعتاد على أن يكون نشاطه فردياً ينبع منه فقط ....

هذه الصورة مكررة عشرات المرات عند أولادنا اليوم ... وعلينا دراسة الظاهرة ، ومعالجتها قبل أن يتكرر ماجرى في استانبول مرات ومرات ....