حول اقتراح راسموسن تقسيم سورية على الطريقة البوسنية
حول اقتراح راسموسن
تقسيم سورية على الطريقة البوسنية
أميتوا بوارح الأفكار
زهير سالم*
من واجب المعارضة السياسية الراشدة أن تكون قادرة على تتبع تفاصيل المشهد السوري . ولاسيما ما يصدر منها عن جهات مؤثرة أو فاعلة والسبق إلى تحديد موقف إعلامي منها ، ووضع الخطط والآليات العملية للتعامل معها بتعزيز الإيجابي وإماتة ونفي السلبي .
كل الطروحات تبدأ جنينية ، وأحيانا وجهات نظر فردية ، وإذا لم تجد الموقف الذي تستحق ، ربما نما السلبي منها في ظل الصمت والظلمة وتحول إلى مقترحات ومن مقترحات إلى خطط مما يجعل من الصعب التعامل معها والتصدي لانعكاساتها ...
وهذا الجهد في الرصد والتتبع وتحديد الموقف ومن ثم وضع الخطط والآليات العملية للتصرف الراشد هو ما يطلق عليه في العادة ( الحضور) ، الحضور الفاعل المنفعل المتجاوب مع أي وخزة دبوس ولو في طرف إبهام الرجل . وعكس الحضور هو الغياب والغياب هو شكل من أشكال الموت . الأموات يغيبون ، والأموات لا يسمعون ما يقال ، ولا يرون ما يدور حولهم ؛ وبالتالي فالأموات لا يستجيبون ..( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله )
في الحديث عن حل سياسي في سورية ظلّ الإعلان عن التمسك بوحدة سورية أرضا وشعبا لازمة تأكيدية يتطوع بها الجميع ويتمسك بها الجميع وهي رغم تكرارها لم تكن مملة بل ظلت دائما ضرورية . ويبدو أن التأكيدات المعلنة المتكررة كانت استباقا تطمينيا ، وربما وقتيا ، لنفي ما يدور في الخلفيات الذهنية والنفسية للمتحدثين ، وربما كان الإصرار على ترك الجرح السوري نازفا ، لجعل ما لا يُقبل الحديث عنه ابتداء مقبولا في ظروف القرار الصعبة انتهاء ..
لقد كان خطيرا ، وهو مرفوض ومستنكر ومدان ، من كل السوريين الأحرار الشرفاء على اختلاف الهويات الفرعية ؛ ما أعلنه أو اقترحه بالأمس الجمعة / 19 / 12 / 2014 السيد أندرس فوغ راسموسن الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي ( أن يكون الحل في سورية على الطريقة البوسنية ) !!
ففي ندوة تحت عنوان / السلام في الشرق الأوسط - اللاعبون – المشاكل – وسبل الحل ../ التي نظمتها جامعة حسن قليونجي في مدينة غازي عينتاب التركية قال راسموسن : ( في سورية ينبغي تقاسم البلاد في إطار التوزعات الإثنية والدينية عبر إقناع الأسد بمغادرة السلطة .مؤكدا أن هذه الصيغة ليست هي الحل الأمثل إذ بعد الخلافات الدينية والإثنية في سورية أعمق من البلقان ...)
وهذا الكلام على خطورته ، وتداعياته الكارثية على مستقبل سورية الدولة والأرض والإنسان ، وتناقضه مع كل ما استقر عليه الأمر من وحدة الأرض والشعب في سورية يستحق من جميع قوى المعارضة الراشدة رفضا واستنكارا من جهة وخططا وآليات عملية تميت بوارح مثل هذه الأفكار السود في مهدها ...
وهذا الكلام من جهة أخرى كلام متهافت موضوعيا وعلميا ، فلا سورية في خارطتها الديمغرافية العددية هي البلقان ، ولا القطيعة بين أبناء المجتمع السوري الموحد على اختلاف الانتماءات بلغت عشر معشار ما كان عليه الأمر في البلقان .
إن الذي يجب أن يقال للسيد راسموسن إن التناقض الأول والأساسي في سورية هو تناقض بين طغمة مستبدة فاسدة وبين شعب بكل مكوناته يتوق إلى العدل والحرية والتعايش بحب ووفاء وخلا هذا التناقض فإن إرادة البقاء معا ، والعيش المشترك هي قاعدة أساسية يجتمع كل السوريين عليها .
بل يجب التأكيد أنه حتى هذه المجاميع من السوريين التي لا تقف في صف الثورة والثوار ليست رافضة في الحقيقة لمشروع الثورة ولا لتطلعات الثوار ، وإنما هي تستثقل الكلفة المبهظة من الدماء والدمار من واقع معرفتها بقسوة وبشاعة هذه الطغمة الفاسدة المفسدة . ..
ومما يجب التنويه إليه في هذا المقام هو أن المجتمع الدولي ، والسيد راسموسن بخلفيته أحد كبار ممثليه ، الذي يتمسك بالقيم الكونية التي تمضي بعيدا في إزواء الهويات الكبرى لحساب قيم العولمة التي يصفها بالإنسانية ؛ يحاول اليوم في مجتمعاتنا المتطلعة إلى العدالة والكرامة إعادة استنبات الهويات الفرعية والنفخ فيها ، وتعظيم استحقاقاتها .
وإن هذه القوى الدولية المنحازة في أصل أمرها ضد قضايا الشعوب وتطلعاتها ،والتي ارتضت على مدى ستة عقود أن يستقر هرم المجتمع والدولة في سورية على رأسه ، ولم تجد في ذلك أي ضير أو غضاضة وهي تتابع بصمت على مدى العقود الستة المجازر المادية والمعنوية ؛ نراها اليوم تفزع إلى مثل اقتراحات السيد راسموسن الصفراء القاتلة بديلا عن عودة سورية إلى وضعها الطبيعي باستقرار هرمها الديمغرافي على قاعدة مجتممع مدني موحد تكون فيه المواطنة المجردة من كل اعتبار إضافي مناط الحقوق والواجبات ..
ولن نغادر المقام قبل أن ننهي إلى السيد راسموسن وإلى الذين ربما يصغون لقوله أنه لا عبرة ولا ثقل في ميزان الثورة السورية والثوار السوريين لكل هذه القوى المصنوعة و الظرفية التي تطرح طروحاتها الذرائعية الفجة لتعطي المسوغ لحديث مثل حديث السيد راسموسن ولاقتراح مثل اقتراحه ..
إن الثوار السوريين والمعارضة السورية الراشدة الماضية بكل قوة على طريق النصر تتمسك بالقوة نفسها وبالتصميم نفسه بوحدة الأرض السورية ووحدة المجتمع السوري ، ووحدة الدولة السورية وأي تفكير أو اقتراح ينال من هذه الحقائق سيبقى مستنكرا ومدانا ومرفوضا ومقاوما بكل ما أوتي السوريون كل السوريين الأحرار من قوة وعزيمة ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية