المعارضة السورية... والبوصلة المفقودة
د.مصطفى الحاج حامد
أفرزت الحالة السورية نماذج وأنماط عديدة ومختلفة من أنواع المعارضة,التباين والإختلاف والتناقض أحيانا لم يطفوا للسطح في بقية الثورات العربية كما هو حاصل بالحالة السورية.
ورغم أن هذه التصنيف يظل قاصراً على وصف نماذج المعارضة السورية بكل جوانبها،لكن يمكن القول بشكل عام -وبعيداً عن تصنيف التوجهات والميول والفكر-أن هناك نماذج جديدة تتعلق بالارضية ومكان التواجد والصفة المشتركة الغالبة على هذه الأنماط منها
1-معارضة الداخل أو قادة الميدان الذين يملكون زمام الحراك الشعبي ،شخصيات معروفة وشيوخ شباب ظهروا جديداً وتنسيقيات شبابية وقادة حراك المظاهرات وغيرهم.يحتجون على المعارضة الخارجية ويصفونها بمعارضة المحطات الفضائية ومؤتمرات فنادق الخمسة نجوم.ويغمزونها إن لم يتهموها صراحة بأنها تريد خطف ثمار الثورة التي فجرها شباب الداخل وقادتها رموزهم بتضحيات عظيمة ودماء زكية.
2-معارضة الخارج التقليدية التي ظلت معروفة إعلامياً أكثر منه تنظيمياً وشعبياً على أرض الداخل،تضيق ذرعاً بأي صوت معارض جديد كرد فعل لا شعوري للمحافظة على البقاء في مقدمة قيادة المعارضة. تتهم كل مزاحم لها بالتسلق والانتهازية.تقول بأنها ماهي إلا صدى للثورة لكنها في المؤتمرات والمحاصصة والسباق على تصدر اللجان لا منافس لها.
3- شخصيات علمية وسياسية وأكاديمية من كل التوجهات ،مستقلة أومنشقة عن المعارضة التقليدية الخارجية، بالاضافة للشريحة الجديدة من المعارضة التي كانت ساكتة وخامدة وهاهي تولد من جديد بعد سقوط حاجز الخوف.
أهم أسباب هذا التباين برأيي هو كون المعارضة الداخلية ليست إمتداداً للمعارضة الخارجية بشكل كامل ، لا تأتمر بأمرها ولا تنتظر الاشارة منها لتحريك الجماهير بالاتجاه المطلوب.والمعارضة الخارجية هي ليست وليدة المعارضة الداخلية الحديثة،ولم تولد من رحم من يقود هذه الجماهير.من هنا نرى السعي الحثيث لإخراج بعض رموز قادة المعارضة الداخلية الجديدة ومحاولة كسبها بكل الإغراءات لكي تقبل الانضواء في لجان المؤتمرات. أهم أسباب تأخر إنعقاد المؤتمرات ،بل ونجاحها يتوقف على قدرة تجاوز هذه المعضلة.
ومما يزيد هذه المعضلة تعقيداً واستفحالاً هو فقدان بوصلة المعارضة الخارجية الوجهة الصحيحة ، صحيح أن الكل يسعى للخلاص من هذا النظام في أقرب فترة ممكنة ،لكن الاستعجال والتلهف لتبوء مكان في أي مؤتمر ولجنة، جعل الامور تخرج من المسار الصحيح .وكأن الغاية هي قتل الناطور وليست أكل العنب ،أو أن البعض أسكره من الآن منظر العنب فراح لا يرى شيئاً غيره .هذه الحالة أوجدت قناعات لدى شريحة كبيرة من الشعب السوري، من الجاليات السورية بالخارج وتنسيقيات الداخل وأهل المخيمات والجرحى،قناعة مؤلمة لكنها حقيقة موجودة على أرض الواقع،
قناعة مفادها أن كثير من هذه المؤتمرات ورغم عدم التشكيك بوطنية أي مشارك بها ،لكنها تحولت من مؤتمرات لإسقاط النظام ،إلى مؤتمرات ،المشاركون فيها همهم وهدفهم تقاسم الغنيمة والسلطة وتقاسم المراكز والمناصب .
كثير من المعطيات على أرض الواقع تغذي هذه القناعة وتزيد من حقيقتها،وإلا فما هو التفسير لهذه المشادات والاختلافات واللقاءات السرية خلف الكواليس ،وحصر اللقاءات على الدائرة الضيقة من الإنتماءات الفكرية والحزبية والعلاقات الشخصية من محسوبيات وزمالة وقرابة ،بعيداً كل البعد عما تدعيه المعارضة من مشاركة كافة أطياف الشعب السوري.
بل يمكن القول أن هذه اللقاءات والمؤتمرات تزيد بعض الشروخ في صفوف هذه الاطياف.وأصبحنا نرى من يتنفس الصعداء نشوة إن لم نقل فرحة بإخفاق كل مؤتمر استثناه أو همشه.ومن قصر النظر وسوء الفهم وغباء المنطق أن نتهم هؤلاء بفقدان الحس الوطني بدل أن نتحسس الخلل الذي دفعهم لهذا الاحساس المحزن.
من العجب العجاب أن يتحول بعض رموز المعارضة إلى زبون تجارة ،أو لاعب رياضة يخشى عليه من بقية شرائح وأطياف الشعب السوري، وهذا ما يخالف ويناقض أبجديات العمل السياسي والحزبي.فلا هذا الرمز طلب التعرف على الاطياف الاخرى لكسب التأييد والشعبية،ولا من يستقبله في هذا البلد يسعى لجمعه مع بقية الآراء والتوجهات.هذا ما يراه أي مراقب لما يجري هنا في تركيا مركز تجمع المعارضة السورية بكل توجهاتها.تصرفات تفوح منها رائحة التهميش والاستعلاء والوصاية .
القناعة الثانية لهذه الحالة أو المحصلة المنطقية لها،والتي تتداولها كثير من الالسنة ،خاصة شباب الداخل وأهل المخيمات تقول بأن كل من يسعى للحصول على معقد بالمجلس وغيره، هم الذين لا يملكون أي شعبية على أرض الواقع لذا يحرصون على كسب مايكمن تحصيله عن طريق المؤتمرات والعلاقات الشخصية خشية فوات الفرصة التي لاتعوض.
وبدل أن تعالج المعارضة الخارجية هذا الخلل و هذه الحالة المرضية معالجة علمية وتصف لها العلاج الصحيح المناسب ،راحت تلتف عليها وتحاول معالجتها بتضميدات طبية خارجية ، زادت في عمق الجرح واستفحال المشكلة.
المعارضة سعت لإرضاء كل محتج ومعترض عن طريق ضمه للمجلس وإعطاءه بعض المقاعد في اللجان،فاصبحنا كل يوم نسمع عن توسيع عدد الاعضاء للمجلس الوطني من 72 الى 115 ونسمع الآن عن توسيعة لمئة وعشرون بل في كل يوم يزيدون.
الحل والعلاج:
كل من درس الطب يعرف قاعدة مهمة جدا هي أن التشخيص نصف العلاج.العلاج يكون بالعين المجردة عن العواطف والمطامع،وبتلمس الجرح مهما كان مؤلماً ومد مياً،الحل هو بالاخلاص أولاً الذي لانشك به لكن ينبغي أن يرى الناس إنعكاساته على أرض الواقع.الناس تريد أن تقتنع بأن هذه المؤتمرات هدفها إسقاط النظام ،وليس تقاسم السلطة.ولن تقتنع بالخطب والبيانات والكلمات المعسولة التي ملتها وسئمتها عقود كثيرة.
من هنا على المجتمعين ممن ينشدون الخلاص لهذا البلد أن يعملوا على
1-أختصار المجلس على أقل عدد ممكن من الرموز المعروفة لدي الجميع وتحمل تاريخ وماضي نزيه،ولا يزيد العدد عن الخمسين شخصاً
2-أن تعطي النصيب الأكبر لقادة الداخل وليس العكس
3-أن تكون الاسماء مختارة على اسس علمية واضحة مبينة من شهادات علمية وخبرات حقيقية ،أسماء أكاديميين وتكنوقراط فقط
4-أن يُقسم كل من يدخل المجلس اليمين على إنتهاء فترة عمله بسقوط النظام.وأن تشكل حكومة تكنوقراط للمرحلة الانتقالية تكون ركيزتها الكوادر النزيهه الموجودة بالداخل التي تمتلك معرفة الادارة وما أكثرها.
5-أن ُيقسم كل من يدخل اللجان أن لا يستلم أي منصب في السنين الثلاثة الأولى على الأقل ، إلا بعد خوض أنتخابات حرة نزيهه والفوز بها.
وكما قلت في مقال سابق لي ليس النظام هو وحده من يقتل الشعب،أعود لأقول أن من يؤخر الحسم ليس هو تأخر قادة الداخل بقبول الصيغ المفروضة عليهم ،وقبول أمر الواقع ،إنما بسبب تعنت المعارضة الخارجية و وأصحاب النفوس المستعجلة التي تريد المناصب بدون أن تنال ثقة الشارع وتفوز بصناديق الاقتراع التي تتشدق بها.