كنت في الصف الثامن عندما حصلت مناسبة عظيمة في مديرية الكهرباء في مدينتنا ، لا أعلم ماذا كانت المنجزات الخارقة، لكني أعلم ان الكهرباء كانت و ما زالت تنقطع في مدينتنا بحجة الاعطال الفنية ، و خطة التقنين ... إلخ .
جاء مدربو الفتوة (اساتذة مادة التربية العسكرية ) و الموجهات و شرحوا لطالبات الاعدادي والثانوي كيفية اداء الهتافات و التصفيق و وزعوا علينا اللافتات و صور الرئيس وأعلام الوطن الغالي ثم طلبوا من المحجبات نزع الحجاب
و انطلقنا في مسيرة منظمة خارج المدرسة نهتف باتجاه مديرية الكهرباء، إلى أن اجتمعنا هناك في ساحة كان فيها عشرات المسيرات من كل المدارس و كان هناك من يقف كل 10 دقائق أمام لاقط كبير و
ينعق (أقصد يلقي كلمة) لا أحد يفهم أي حرف منها إلا ان التعليمات كانت واضحة ، و علينا ان نصفق بشدة كلما سكت الغراب (قصدي ملقي الكلمة) او "ذكر" اسم الرئيس ، و عند ذكر اسم الرئيس علينا ان
نقول (بالروح بالدم نفديك يا ... ) إضافة الى التصفيق .
و لكن يبدو انه باجتماع المدارس مع بعضها وجدت بعض الفتيات صديقاتها جاراتها اخواتها من الابتدائية فانشغلت عن التصفيق"الحار "
".
انتهى الحفل و جاءت التعليمات بالعودة إلى المدرسة من جديد مشينا و نحن منهكي الأيدي و الاكتاف من حمل اللافتات و الاعلام و مبحوحي الصوت من الهتاف الذي لم يكن يسمع بشكل جيد مقارنة بالمكبرات التي كان يصيح بها اصحاب
الانجازات.
وصلنا المدرسة و أعدنا اللافتات إلى غرفة الفئران المغبرة حيث كان مكانها عندما احضرناها و اتجهنا للباحة منفذين أوامر مدرب الفتوة (بدون ذكر اسماء) و قال اصطفوا بانتظام (ما بدي اسمع ولا كلمة يا ****) بعد خمس دقائق
عاد ومعه الموجهة و كانو قد اقتسموا الأدوار فالموجهة (هـ.ر) ستتولى معاقبة بنات الاعدادي و المدرب (ع . ق) يعاقب بنات الثانوي ، بدؤوا بالتوبيخ و التنكيل بنا لأن تصفيقنا لم يكن مرضياً (لا يمكن ان أنسى كلماتهم النابية و شتائمهم) ثم نزلوا للباحة و بدأ التعذيب (اقصد العقوبة)
كنت الأسعد حظاً لأنني من بنات الاعدادي اللاتي اقتصرت عقوبتهن على 4 (مساطر) قوية بمسطرة الخشب ولكن ما آلمني رؤية صديقاتي و ابنة عمتي من بنات الثانوي أمامي يعاقبن بطريقة بشعة ،كان عليهن وضع الايدي خلف الظهر و رمي
أنفسهم (منبطحاً) ثم البدء بالزحف على البطن (كالأفعى لمن لا يعرف الزحف) على طول الباحة ذهابا و إياباً ، آلمتني صورة صديقتي (هـ.أ) عندما سقطت نظاراتها على الأرض و منعها المدرب من التقاطها و لا أذكر تماما ان كانت قد كسرت ام لا .
لكني أذكر شدة ألم الفتيات بعد العقوبة و بكائهن و لا انسى بكاء فتاة تمزق بنطالها فقالت (انا يتيمة امي بتدبحني لو شافتني مزقت البدلة !!
إلى هنا انتهى اليوم السعيد .
كنا -كطلاب- نفرح بأيام المسيرات فرحة أي طالب للخروج من روتين الدروس لكن مسيرة ذلك اليوم لم تكن ذكرى جيدة
لكل من يجد الأمر القصة غريبة ، أقول نعم هكذا كانت (ولا زالت) مسيراتنا الطوعية هكذا يفرح الطالب السوري بانجازات قائده.
كان هذا جزءا من مذكرات طالبة سوريّـة, و إلى من يريد لأولاده
أن يكون لهم مستقبلا مشرقا كما كان لنا, فليقرأ الجزء الثاني عن وضع المحجبات في مدارس الدولة:
كنت بالصف الثامن ، كان وقت الفرصة و كنت مع صديقتي (نتكلم و نضحك كالعادة ) و فجأة نزل للباحة استاذ العسكرية (ع.ق) وقف تحت لوحة (عهدنا*) بصق على الأرض ثم بدأ بالكلام ، صاح بأعلى صوته غاضباً (اسمعي وليك انتي وياها
، يا **** (كلمة تعني الغائط أعزكم الله ) ، يا حيوانات ، اللي بدي شوفها لابسة الحجاب أثناء الفرصة بدي اشحطا وشلا ياه من راسا و احرقلا ياه هون بالباحة مفهووووم؟؟؟؟؟؟)
الكل بذهول و خوف صمتوا و منهم من قالت (مفهوم ) لم أكن محجبة آنذاك لكني لا أنسى شكل الفتيات و هن ينزعن الحجاب بعد هذا التهديد و في الأيام التي تلت التهديد كن يلتزمن بتنفيذ الأوامر .
عندما التحقت بالمدرسة الثانوية ، قررت لبس الحجاب في الاسبوع الاول من الصف العاشر ، لم أكن التزمه بشكل جيد أمام أقاربي حتى جاء رمضان فالتزمت بلبس الحجاب أمام الجميع ، إلا انني لم أملك الخيار بأن ألبسه في المدرسة
أو حتى خارج المدرسة في المسيرات او المعسكرات ، فقد كان ممنوعاً في معسكر الصف العاشر الذي كان مختلطاً بين الشباب و البنات، و كذلك في معسكرات الرمي (التدرب على السلاح)
كنت اشعر اني (مسخرة) عندما يأتي أحد من اقاربي او معارفي للمدرسة و يراني بدون حجاب في حين اعتاد على رؤيتي محجبة في الزيارات العائلية طيلة عام كامل .
في الصف الثالث الثانوي شاهدت فتيات قد وجدن حلاً للمشكلة و قمن بتصميم (سيدارة) عسكرية مع وصلة تغطي الشعر و الرقبة ، كانت السيدارة مسموحة بهذا الشكل، تكلمت عنها في البيت ، فقالت أمي أحضري لي سيدارة من احدى
صديقاتك و انا أخيط لك مثلها و هذا ما حصل .
في الاسبوع التالي أعجبت إثنتان من صديقاتي بسيدارتي التي كانت متناسقة في اللون لأن الوصلة من نفس لون السيدارة الأصلية و طلبوا ان تخيط لهم أمي مثل سيدارتي ، و عرضوا علي اجرة الخياطة التي يأخذها الخياط فقلت لا عيب
شو هالكلام ..الخ ، في الاسبوع الذي يليه طلبت صديقة اخرى سيدارة مثلها و احضرت لي قماشة فقامت أمي بخياطتها لها . انتهت القصة إلى هنا .
لكن الصدمة كانت في الاسبوع الذي يليه عندما قام استاذ العسكرية (ع.ب) بتقديم شكوى للادارة لكثرة المحجبات (مع العلم ان ع.ب كان نسونجي رقم1 ) و ذات يوم في الدرس جاءت الموجهة تطلب البنات الملتزمات بالسدارة الشرعية
لمراجعة الادارة (طلبتنا بالاسم) ، ذهبنا كلنا و كان الاستجواب بشكل افرادي و بالدور ، كل من تدخل للمدير يسألها (مين حرضك على لبس الحجاب) ؟؟ ثم يوقعها على (تعهد) بعدم التحريض على الجريمة (الحجاب) و يرسلها للصف .
في تلك اللحظة نسيت ان كلنا (طالبات و مدرّسين) مسلمون ، و نسيت اني اعيش بدولة فيها غالبية مسلمة
ما الذي يجعلكم تخافون من قطعة قماش لهذه الدرجة ؟؟؟؟
بعد حوالي شهر جاء قريب والدي يزوره و يعطيه ورقة ، فتح والدي الورقة ليجد الصدمة الأكبر على الاطلاق.
أحد شرفاء الوطن كتب فيما معناه ( قامت العميلة المندسة فلانة الفلانية (أمي) بتحريض بنات المدرسة الفلانية للانضمام إلى حزب تحاول تأسيسه لتزعزع أمن الوطن و الدولة و تبث الافكار
الرجعية و الامبريالية و ... في عقول الطالبات. التوقيع (س.ك) ) احمرّ وجه أبي و غضب غضباً شديداً فلولا حظنا الجميل بأن قريب والدي كان من العاملين (فوق) كانت أمي (الغالية ) صارت ب"خبر كان" .
لوحة عهدنا * : هي عبارة عن لوحة فيها شعار كنا نردده كل صباح بالمدرسة الاعدادية وا لثانوية و كان الشعار يقول :
" عهدنا أن نتصدى للامبريالية و الصهيونية و الرجعية ، و أن نسحق أداتهم المجرمة عصابة الاخوان المسلمين العميلة "