ما نريده من مجلس الشعب السوري القادم
أن لا يكون في خندق الحكومة
شمس الدين العجلاني
[email protected]
ما فتئت الحكومة السابقة و مجلس الشعب المنتهية ولايته على الإصرار و التأكيد في كل المناسبات أنهما في خندق واحد ، و لسنا ندري تماما ماذا يقصدون بهذا الخندق .! و لكن الواضح أنهما يقصدان لا خلاف و اختلاف بينهما .
و الذي نعرفه ان الاختلاف ظاهره صحية في المجتمع ، فلا يمكن أن نكون جميعا بلون واحد ( طبعا عدا قضايا لا يمكن نكرانها و هي من البديهيات و الثوابت والضروريات). و نتساءل كيف تكون السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية في خندق واحد و البناء العام للدستور السوري يقوم على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، و مجلس الشعب هو صاحب السلطة التشريعية في الدولة، وقد أمّن الدستور الإطار القانوني والمؤسساتي والضمانات الأساسية التي تضمن لمجلس الشعب القيام بموجبات السلطة التشريعية. ويعطي الدستور لأعضاء المجلس حق توجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء. و مناقشة الوزارة، وحجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء ، وبالمجمل لمجلس الشعب الرقابة على أداء الحكومة للتأكد من أنها تنفذ الخطط والسياسات والقوانين التي أقرها مجلس الشعب وتؤدي عملها على الوجه الصحيح. وقد أمن الدستور لمجلس الشعب كل الوسائل الممكنة من أجل أداء هذا الدور. بالنتيجة، فإنه من صلاحية مجلس الشعب، وواجبه، بصفته المعبّر عن الإرادة العامة للسوريين، أن يتابع أداء الحكومة للخطط والسياسات والقوانين المقررة وأن يحاسبها على تقصيرها ، فإذا كان هذا واجب مجلس الشعب و مهمته فكيف له ان يكون في خندق الحكومة .! والسؤال الكبير المطروح هنا عن مدى وكيفية ممارسة مجلس الشعب المنتهية ولايته لهذا الدور، ونعتقد بأن المواطنين في سوريا لم يلحظوا أي دور رقابي يذكر لمجلس الشعب على أداء الحكومة.
الاختلاف ظاهره صحية :
من الطريف على ما يبدو أن السلطة التشريعية السابقة ( في دوريها الثامن و التاسع ) و الحكومة السابقة لم يستوعبا فكرة ، أن للحقيقة أكثر من وجه ، فحين نختلف لا يعني هذا أن أحدنا على خطأ!! قد نكون جميعا على صواب لكن كل منا يرى مالا يراه الآخر ، و الاختلاف في الرأي ظاهرة صحية، و الاختلاف بالرأي بين الناس أمراٌ موجود منذ القدم.. وتداول الفكر والحوار حوله أمر جيد، فالقدرة على الاختلاف هي نوع من أنواع الحوار على ان لا
يتعدى الأمر حدود الاختلاف إلى الخلاف. و من المؤسف جداً أن كثيراً منا ليس لهم القدرة على تقبل اختلاف في الرأي والمفروض أن تكون لدى الفرد منا القدرة على احترام آراء الآخرين والاختلاف معهم في الرأي مع الحفاظ على حقهم في الاعتراض بل وفي رفض الرأي الآخر .. دون حاجة إلى الانفعال .. إن اختلاف الرأي
يعتبر ظاهرة صحية .. بل ولا يفسد للود قضية.
و إذا كان مجلس الشعب و الحكومة في وجهه نظر واحده و لا اختلاف بينهما و هما في خندق واحد فلا داعي لمجلس الشعب ، و لتبقى الحكومة في الخندق لوحدها .
في خندق واحد :
في كل مناسبة كان رئيس مجلس الشعب المنتهية ولايته يؤكد على مقوله انه و الحكومة في خندق واحد ، فعلى سبيل المثال لا الحصر عقد مجلس الشعب الجلسة الأولى من الدورة العادية الثالثة عشرة من الدور التشريعي الثامن يوم الأحد بتاريخ 18 – 2- 2007 م ، وفي ختام الجلسة تحدث رئيس المجلس مؤكدا أهمية التعاون بين مجلس الشعب ومجلس الوزراء وأنهما جنديان في خندق واحد لبناء الوطن وقال نحن جاهزون للنقد البناء الذي يصب في النهاية في مصلحة الوطن.! و هنا لم يكتف مجلس الشعب بالجلوس في خندق السلطة التنفيذية بل أكد على انه جاهز للنقد ، و لم يقل ممن هذا النقد هل هو من السلطة التنفيذية أم من المواطن .؟ فعوضا على ان يكون مجلس الشعب هو من يوجه النقد على الاداء الحكومي و ممارسات الوزراء و الوزارة فتخلى عن مهمة الرئيسية هذه التي منحها له الدستور و وقف ليكون جاهزا للنقد .؟!.
و في يوم الاثنين الواقع في 31 – 12 – 2007 م عقد مجلس الشعب جلسه رحب في بدايتها رئيس المجلس بالحكومة مشيراً إلى أن حضورها يؤكد على أن السلطتين التشريعية و التنفيذية هما في خندق واحد والتواصل بينهما يؤكد هذا الدور الكبير والهام كون عملهما ينصب أولاً وأخيراً في مصلحة الوطن والمواطن وبما يحقق تطوراً ونمواً في المجالات كافة.
و في نفس الجلسة رد رئيس الحكومة مؤكدا على التعاون الكامل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية ( و لم يتحدث عن الخندق الواحد ) و أشار ان أعضاء الحكومة يقومون بتنفيذ الخطط وفق الإمكانات المتاحة, وبما يحقق أماني أبناء شعبنا في تحقيق تنمية متوازنة. و لكن هذا لا ينفي ان الحكومة تريد الخروج من خندق يجمعها مع مجلس الشعب على حد قول رئيسها) نحن في خندق واحد ، لسنا في خندقين متواجهين، صوبوا عملنا وهذا حقكم.( النور- 265 11/10/2006 ) .
وهنا نتساءل ( بغض النظر عن الخندق الواحد ) هل حضور أعضاء الحكومة دليلا قاطعا على الدور الكبير و الهام ....؟ إذا كان الأمر كذلك فما تفسير مجلس الشعب المنتهية ولايته من عدم حضور الحكومة في الجلسة الختامية للدور التشريعي التاسع .!؟
و لكن هذا لا ينفي ان رئيس مجلس الشعب المنتهية ولايته حين يريد الحديث لوسائل إعلام عربيه فأنه يفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية كما ذكرت صحيفة الوطن القطرية يوم 26-2-2006 على لسانه : ( تصف العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بالمد والجزر في كافة الأنظمة السياسية وهو تعبير صحي عن الفصل بين السلطتين الذي تفترضه القواعد الدستورية وسوريا لا تخرج بالطبع عن المنظومة الحقوقية والدستورية العالمية أما الإشارة إلى ضعف التأثير للسلطة التشريعية أو إلى عدم استجابة السلطة التنفيذية فهو واقع أحيانا وبعيد عن الواقع أحيانا أخرى وقد وضع الدستور والنظام الداخلي للمجلس آليات لهذه العلاقة غير أن مجلسنا كما هو معروف يتمتع بديمقراطية لا حدود لها ولا يمكن أن يفرض عضو أو مجموعة أعضاء آراءهم على الأكثرية وحتى لو اقتربنا من النصف فانه لابد لنا من 1% حتى يحصل الرأي المطروح على 51% من أصوات الأعضاء ليصبح مأخوذا به ونافذا وإذن فان مفهوم الديمقراطية البرلمانية يلغي رغبة الأقلية في فرض آرائها على الأكثرية وإنني اتساءل معكم هل صوت قرار بنسبة 51% ولم ينفذ؟ ومحاضر الجلسات مشهودة ومفتوحة )
رأي أعضاء مجلس الشعب في الخندق :
للحقيقة نقول إن هنالك عدد من أعضاء مجلس الشعب على قدر من المسؤولية و الكفاءة ، وبالتالي لم يقنعهم مقوله ( في خندق واحد ) بينما يرى آخرون أنهم ( في خندق واحد ) فعضو مجلس الشعب بهاء الدين حسن يرى انه في خندق واحد ( حسب ما ذكرت جريده الثورة يوم الاثنين 2/1/2006م ) : ( أن العلاقة في تحسن مستمر ما بين المجلس والسلطة التنفيذية كونهما في خندق واحد وإن كان هناك خلاف فهو لمصلحة الوطن ويؤكد على ضرورة أخذ مجلس الشعب لدوره في محاسبة السلطة التنفيذية ) . في حين شن عدد من أعضاء مجلس الشعب حمله شعواء على مقوله ( في خندق واحد ) من خلال الصحف المحلية لان رئيس مجلس الشعب حسب الماده 96 من الدستور : ( يمثل رئيس مجلس الشعب المجلس ويوقع عنه ويتكلم باسمه ) و بالتالي فهو يقول باسم المجلس انه في خندق واحد مع الحكومة ، و لكن كما سبق و ذكرنا فأن عدد من الأعضاء يدركون خطورة ذلك ، فتذكر صحيفة تشرين الصادرة يوم الأحد 21-05-2006 أن عضو مجلس الشعب صابر فلحوط قال: ( أعبّر عن حزني لهذا الجو «الكربلائي» وإني أرفض أن يكون مجلس الشعب مبكى لأعضائه.. لاشكّ في أن هناك خطأ في التعاطي والتنسيق بين الحكومة والسلطة التشريعية وهذا عائد إلى الشعار الملتبس والمموه الذي نردده دائماً إننا والحكومة في خندق واحد ) .
أما عضو المجلس ناصر عبيد الناصر رحمة الله فقال : ( إن صيغة العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية تستحق الندب والعويل والرثاء والبكاء.. رغم أن السلطة التشريعية وبقوة الدستور تأتي في صدارة السلطات.. وأضاف: أنا لست ممن يرددون: إننا مع الحكومة في خندق واحد ، بل نحن في خطين متوازيين لا يلتقيان إلا بإذن واحد أحد.. )
أخيرا :
يبدو ان مقوله ( في خندق واحد ) هي اختراع سوري محض ، لم نكتشفه في برلمانات أخرى ، و بالتالي هو مشكله المشاكل في ممارسه السلطة التشريعية لدورها في الرقابة و المحاسبة للسلطة التنفيذية .؟! و نحن على أمل أن تمارس حكومتنا الجديدة و مجلس الشعب القادم مهامهما وفق الدستور و وفق النظام الداخلي لمجلس الشعب و يكون هنالك فصل سلطات بين السلطتين التشريعية و التنفيذية ، لان ذلك يعني احترام حرية مبدأ سيادة القانون،ان مبدأ الفصل بين السلطات يعتبر من المبادئ الأساسية المعتمدة
في دساتير الدول في العصر الحديث و منها طبعا بلادنا، فهو يكرس الحريات العامة والخاصة بمعنى الحرية للجميع وضمان حقوقهم، واحترام القوانين، وحسن تطبيقها تطبيقاً عادلاً وسليماً، ويمنع ظواهر الفساد والاستبداد بشكل كلي وتام ونهائي، و يساهم في تحسين أداء وظائف الدولة وإتقانها . لقد أخذ الدستور السوري
بمبدأ الفصل بين السلطات، فأفرد في بابه الثاني ثلاثة فصول ينص الفصل الأول في المادة 50 على أنه: يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية على الوجه المبين في الدستور، وتنص المادة 71 على الاختصاصات التي يتولاها المجلس من إقرار القوانين و
مناقشة سياسة الوزارة، وإقرار الموازنة العامة وخطط التنمية ، و المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة وإقرار العفو العام و حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء. ، والمادة 115 تتحدث عن مجلس الوزراء و انه الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة ويشرف على تنفيذ القوانين والأنظمة ويراقب عمل
أجهزة الدولة ومؤسساتها ، والمادة 127 تنص على الاختصاصات التي يقوم مجلس الوزراء بممارستها في وضع السياسة العامة للدولة وتنفيذها .
و توجيه وتنسيق ومتابعة أعمال الوزارات وجميع الإدارات والمؤسسات العامة التابعة للدولة و وضع مشروع الموازنة العامة للدولة و إعداد مشروعات القوانين
،
و إعداد خطط التنمية وتطوير الإنتاج واستثمار الثروات القومية وكل ما من شأنه دعم وتطوير الاقتصاد وزيادة الدخل القومي . و من خلال قراءة نصوص هذه المواد الواردة في الدستور يتبين لنا بوضوح أن الدستور قد أخذ بشكل واضح عند
وضعه بمبدأ الفصل بين السلطات ، و لم يشر من قريب أو بعيد على مبدأ الخندق الواحد .
باختصار يمكننا القول أن الفصل بين السلطات هو ذلك الفصل المتوازن في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات بين هذه السلطات مع قيام قدر من التعاون فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام، ويحد من هيمنة أي منها على الشأن العام والشأن الخاص، وهو أمر لا يمكن له أن يتحقق إن لم تخرج السلطة التشريعية من تحت عباءة السلطة التنفيذية و العكس صحيح .
نحن على أمل من ذلك و لكن يبدو أن الظروف التي تمر بها سوريه قد تنبىء بأن المجلس المنتهية ولايته سيعود إلى ولايته من جديد في بدايات شهر أب القادم و يعود مجلس الشعب من جديد إلى خندق واحد مع السلطة التنفيذية ما لم تخرجه هذه السلطة من الخندق و يمارس دوره الذي نص عليه الدستور .؟!