إلى السوريين في الغرب: لا تستجيروا من الرمضاء بالنار
إلى السوريين في الغرب:
لا تستجيروا من الرمضاء بالنار
د. أحمد الجباوي
يتساءل كثير من الإخوة السوريين و هم في مهجرهم في الغرب ماذا يمكنهم أن يقدموا لوطنهم الأم في هذا الظرف العصيب أو حينما يكتب الله لهم أن يعودوا إلى أحضان أمهم عند الفرج القريب إن شاء الله. ولا يخفى على أحد أن ما يستطيع أن يفعله السوري لسورية و هو في الغرب يبلغ أضعاف ما يستطيع أن يفعله السوري و هو في كنف من ينسبون أنفسهم إلى العروبة والإسلام. تذكرني مناظر السوريين وهم يركبون البحر فارين من الظلم الذي لحق بهم إلى بلاد الغرب بهجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة لعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن ملكها النجاشي ملك عادل. تروي كتب السيرة أن فوجاً من الصحابة خرج تسللاً تحت جنح الظلام إلى البحر فوجدوا سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم غرباً إلى بلاد الأمن والأمان، ولقوا الحفاوة والإكرام من ملكها النجاشي الذي كان لا يظلم عنده أحد كما أخبر بذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم. و مع أن النجاشي في ذلك الوقت لم يكن مسلماً بعد، إلا أن مشركي مكة غاظهم إفلات المسلمين المضطهدين من قبضتهم وقدرتهم على الوصول إلى ملك عادل. ولا يظنن أحد أني أشبه حكومات الغرب -التي ما برحت تذيق المسلمين في عقر دارهم مرارات الحرب والظلم والاستعباد- بالنجاشي الملك العادل الذي لم يمد يد الغدر أو العدوان إلى مسلمي مكة، ولكنني أشبه عدلهم مع المسلمين في بلاد الغرب بعدل النجاشي مع المسلمين الذين لجأوا إليه
وكما كانت ردة فعل قريش سريعة بإرسال رجلين منهم، وهما عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، لاسترداد هؤلاء المهاجرين و التضييق عليهم أو إعادتهم إلى مكة, فكذلك كانت ردة فعل قريش هذا الزمان ممن غاظهم أن يكون مسلمو الغرب في سعة من الإدلاء برأيهم و الكشف عن داء أمتهم. و لا أدل على اهتمام قريش مكة بهذا الأمر من أخذهم هدايا كثيرة للبطارقة والنجاشي، وقولهم لهم: إنه قد ضوى إلى بلدكم غلمان سفهاء، فارقوا دينهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد أتينا إلى الملك ليردهم إلينا، فإذا كلمنا الملك في ذلك فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا، فقالوا لهما : نعم ..فأتيا النجاشي وقالا له ما قالاه للبطارقة، فأيدهما البطارقة وقالوا: صدقا أيها الملك، فأسلمهم إليهما...تماماً كما تفعل قريش هذا الزمان بإرسال هداياها إلى قادة الغرب ليذيقوا المسلمين اصناف العذاب وكما يؤلب كثير من وزراء وحاشية قادة الغرب الملأ على المسلمين اليوم ويصمونهم بأبشع الصفات ليزرعوا في قلوب الناس كراهيتهم.
و من العبر المأخوذة من هذه القصة أن عمرو بن العاص-رضي الله عنه- وهو الذي كان يمثل في تلك الفترة عداوة الله ورسوله والذكاء الهائل في الكيد بالإسلام و المسلمين عكف على دراسة الإسلام ليتمكن من إيجاد الشرخ الذي يضرب به بين النجاشي والمسلمين فقال للنجاشي:"انهم لا يشهدون أن عيسى ابن مريم إله". وكما كان فرار المسلمين إلى الغرب شبيهاً بفرار صحابة رسول الله إلى الحبشة فكذلك كان رد قريش هذا الزمان شبيهاً برد قريش مكة عندما أرسلت إلى قادة الغرب تحذرهم من خطر المسلمين ومنظماتهم المدنية لظن هؤلاء أن هذا هو موضع أكل أكتافهم.
وفي هذه الباقة العطرة من السيرة النبوية حكمة بالغة لمن أراد أن يكون له في رسول الله و صحبه أسوة حسنة. يسأل كثير من الناس ماذا يمكنني أن أفعل في خضم هذا الموج الهائل من حرب الاسلام والمسلمين و أنا في بلاد الغرب؟ قادني إلى هذا السؤال مشاركتي قبل بضعة أيام في اللقاء السنوي للمجلس السوري الأمريكي واطلاعي على جدول أعماله وخططه في مواجهة تداعيات الكارثة السورية ولقد بلغ إعجابي بأعضائه وجلدهم وحسن تدبيرهم حداً لم أكن أتوقعه من قبل. ولا شك أن مهمة كمهمة هذا المجلس هي غاية في التعقيد ومحفوفة بكل أخطار الزلل البشري. ولقد بلغ الأسى ببعض الحاضرين بأن يدفعه أساه على أن يهم بالاتصال بإخوانه اليهود من أصحاب النفوذ من أجل أن يكسروا حاجز الصمت العالمي وتكون لهم كلمة فصل في صنع قرار يرفع الظلم عن أهلهم المعذبين في سورية. وما أشبه حالهم بحال من قال فيهم الشاعر:
المستجير بعمرو عند كربته*** كالمستجير من الرمضاء بالنار
قيل هذا المثل في عمرو بن الحارث حين مر على كليب وائل وفيه رمق من طعنة جساس، فاستسقاه فألوى عليه الحارث فأجهزعليه. وهل ألم بسورية ما ألم بها من عذاب إلا لأن أعداءها من اللوبي الصهيوني لا يريدون لها أن تحيا حياة الكرام ؟؟؟
نظرت إلى أهداف منظمتهم المدعوة باسم ايبك أي اللجنة الاسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة فما وجدت من اهدافها إلا حماية دولة معتدية ظالمة من جيران قد اغتصبت تلك الدولة الظالمة بلادهم وهجرت أهليهم. وكيف لها أن تحمي الظالم من المظلوم إذا كتب للمظلوم أن يكسر القيد ويرفع الصوت ويقول بملء فيه هي أرضي وهم أبنائي؟ أم أنها تريد أن تبدل الأحرار بقيود من ذهب بدل قيود الحديد التي صدئت وطال عليها الأمد. قد يقول قائل ما لنا ومالهذه المنظمة الظالمة، دعونا نسأل اليهود من غيرهم فإن منهم المنصف وصاحب المعروف. بل إن إحدى قادة اليهود الأمريكيين قالت إن هذه الفرصة هي الفرصة المثلى لجمع السوريين و-"الاسرائليين" لينصهروا جميعاً في بوتقة الحب والوئام, وأنها لا تريد أن تموت قبل أن ترى "السوريين" و-"الاسرائلييين" يحب بعضهم بعضاً ويؤازر بعضهم بعضاً وكأنها تصف ما سيكون عليه حالهم بما وصف الرسول عليه الصلاة والسلام حال المسلمين بقوله: " يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على سواهم". بل إنها وجهت رسالة دعوة لأحد أعضاء المجلس السوري الأميركي الشباب لزيارة "تل أبيب" لبحث هذا الأمر.!!
فيا أيها الأحرار في كل مكان إياكم أن يغرر بكم أو يستدرج بكم، فكما أنهم يتجمعون للحفاظ على صنيعتهم المعتدية فإياكم أن تتجمعوا على استرقاق بلادكم بلاد الشام التي بارك الله فيها للعالمين. طال العذاب لأنهم مازالوا يبحثون في أسواقهم عن قيد جديد يشلون به أذرع وأقدام الأحرار. ما زال حدادوهم عاكفين على صناعة القيد ليل نهار و لم ينجزوا مهمتهم بعد لأن أذرع وأرجل السوريين أصبحت من الضخامة والقوة ما لم يمكن حداديهم أن يصنعوا قيداً لهم.
(يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)