ملاحظات على صفقة شاليت
صلاح حميدة
أثبتت الوقائع على الأرض أنّه منذ أسر الجندي جلعاد شاليت لا نيّة للنّافذين في هذا الملف إطلاق سراحه ضمن صفقة تبادل مع حركة "حماس" وأنّ الهدف من التّفاوض والمماطلة كان - ولا زال- الوصول إلى مكانه وتحريره بالقوّة أو بالخداع، أو بهما معاً، فالنّافذون في الدّولة العبرية يرون أنّ التّداعيات المحتملة عن تنفيذ صفقة تبادل لا يمكن احتمالها.
وصلت المفاوضات حول صفقة التّبادل إلى جمود متوقّع، وفي الفترة الأخيرة رشحت بعض التّسريبات عن وساطة تركية وأخرى مصرية، وربّما يوجد وساطات لا يعلمها أمثالنا، ولكن أبرز ما لفت نظري هو مقال لأسيرين على صحيفة القدس المقدسيّة، وتبعه مقال آخر لأسير سابق يحذّرون فيهما من إمكانيّة تجاوز مطلب تحرير أسرى فلسطينيين من القدس والمثلث والنّقب والجولان السّوري، وهؤلاء جميعاً يحملون الجنسيّة الإسرائيلية، وتصرّ دولة الإحتلال على اعتبارهم مواطنين خونة لا يمكن مبادلتهم في الصّفقة، وأسهب الثّلاثة في شرح المخاطر السّياسيّة والأمنيّة والإستراتيجية والمصلحيّة والنّفسية والأسريّة والإجتماعيّة والشّعبية والفصائلية، على الواقع الفلسطيني إن تمّ الرّضوخ لمطالب الإحتلال في هذه الجزئيّة.
لا يمكن لأي فلسطيني عادي أو أسير سابق في سجون الإحتلال أن يختلف مع ما يطرحه الأسرى الثّلاثة، بل من شبه المستحيل إيجاد من يخالفهم الرّأي في هذا الموقف، وبما أنّ ما تمّ يتعلّق بإشاعات وتفسير لتصريحات تقول بأنّ ( الصّفقة لن تشمل كل الأسرى) فهذا واقع وحقيقة، فالأسرى أكثر من ستّة آلاف، والصّفقة تتحدّث عن ما يقارب ربع هذا العدد.
كما نقل عن وسائل إعلاميّة أخرى عن انفراج في المفاوضات حول هذا الموضوع تحديداً، بوساطة تركيا، ولم يتم الحديث عن استثنائهم من الصّفقة، كما نقل الخبر على شبكة إخباريّة فلسطينية. ولكن ما يغذّي سوق الشّائعات تلك هو عدم وجود موقف من حركة "حماس" وبالرّغم من أنّ التزامهم الصّمت حيال الموضوع مبرّر بناءً على التّجارب في الجولات السّابقة، إلا أنّه مطلوب منهم ولو إيماءة تريح الأسرى وأهاليهم ومحبّيهم.
ولكن هناك من يرى أنّ في الأمر مبالغة وسوء تقدير، وربّما سوء نيّة من قبل البعض، فغالبيّة خلايا أسر الجنود التي تنتمي لحركة "حماس" والتي هدفت لمبادلة الجنود بأسرى، هم ممن يحملون الهويّة المقدسيّة، والكثير من المنفّذين والمساعدين في الكثير من عمليّات المقاومة النّوعية هم من فلسطينيي الدّاخل والمقدسيين، ولذلك لا تفسير لاستثنائهم من عمليّة تبادل أسرى فقدوا حرّيتهم من أجل محاولة تنفيذ واحدة مماثلة لها، وبأي وجه سيلاقيهم من يوقّع على هذه الصّفقة إن حدث ما تقوله الشّائعات؟.
إهتمّ المتابعون بالجدل حول الأسرى الفلسطينيين حاملي الهويّات المقدسية الإسرائيلية، ولم ينتبهوا لكثافة التّصريحات من قبل المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين -السّابقين والحاليّين- عن يأسهم وعدم قدرتهم على معرفة مكان شاليت وتحريره من آسريه، وبالتّزامن مع الحديث عن قرب إتمام الصّفقة وإثارة الجدل حول الأسرى المقدسيين، عاد بي شريط الذّكريات إلى العام 1994م عندما كنت معتقلاً في سجون الإحتلال، ووصلت عمليّة أسر الجندي نحشون فاكسمان حينها إلى ذروتها، وبدأت التّسريبات الإعلامية تقول أنّه لا أمل بإيجاد الجندي فاكسمان، وأنّ المفاوضات لصفقة التّبادل ستبدأ، وأنّ الباصات بدأت بالتّحرّك لنقل المعتقلين الفلسطينيين لتحريرهم مقابل الجندي فاكسمان، ونام ليلتها الأسرى على سماع تلك الأخبار، مترقّبين اقتراب فجر الحرّية لمئات الأسرى، ولكنّهم أفاقوا في اليوم التّالي على خبر اقتحام البيت الّذي كان يحتجز فيه الجندي فاكسمان، وقتله وقتل آسريه، وتبخّرت آمال الكثير من الأسرى بنيل الحرّيّة.