السلام أسير عقلية الغيتو الصهيونية
خطاب نتنياهو:
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
سقط السلام في خطة السلام التي طرحها بنيامين نتنياهو. استمعت إليه، وكنت قد قررت أن ابتعد في نقاهة عقلية لأسبوع عن قضايا السياسة، فاخترت طابا المصرية.ولكني وجدت نفسي مسمرا أمام التلفاز، مستمعا أولا لخطاب الرئيس الأمريكي ، ثم لخطاب بيبي ، ثم لتراجعات اوباما، ولخطاب نتنياهو أمام مجلسي الكونغرس. ثم متصارعا مع نفسي لأكتب فكان غياب الحاسوب مكسبا ولكني عدت ملهوفا إلى عشيقتي المقيتة.
لست متفاجئا من مسرحية الرئيس الأمريكي . فهو على أعتاب انتخابات يشكل فيها اللوبي اليهودي الصهيوني وزنا نوعيا هاما . رغم أن العرب والمسلمين في أمريكا أكثر وزنا على ألقبان، وأكثر عددا بالأرقام، وربما دورهم الاقتصادي لا يقل تأثيرا، إلا أنهم غائبون مفسخون إلى طوائف وملل، وهذا لمسته شخصيا بزيارة شخصية للولايات المتحدة. بعضهم يحمل آلاما تجعله يكره كل ما يمت لوطنه بصلة، الذي غادره حاملا صليبه وجروحه الجسدية والنفسية، وبعضهم بلا عمود فقري فكري، بلا وعي إنساني أولي لقضايا أوطانهم وأبناء وطنهم، لا شعور بالانتماء إلى مجموعة، وغني عن القول لا شعور بانتماء إلى وطن عربي لم يقدم لهم المطالب الأولية لكل مجتمع بشري، فهل يقدمون له من وقتهم وطاقاتهم وجهدهم ما حرموا منه؟ عالم فاسد أنتج مهاجرين هاربين بلا انتماء، بغض النظر عن شهاداتهم، والنشطاء قليلون وبلا تأثير فعلي دون اصطفاف القوى التي يمثلونها وراء رؤية قادرة على جعل مرشحي الرئاسة مرعوبون من غياب الدعم من قوى من المفروض أن تمثل تأثيرا انتخابيا واقتصاديا على مرشحي الرئاسة.
يجب أن نفهم أن تأييد أعضاء مجلسي الكونغرس لا جديد فيه، فهم أكثر غباء من اليمين الإسرائيلي ، الذي وجه نتنياهو خطابه إليه عبر مجلسيهم، فكانوا أشد حماسة من اليمين الذي يريد نتنياهو أن يكسب وده في إسرائيل، والحق يقال أن نتنياهو نجح بوضع نفسه على رأس قيادة اليمين في إسرائيل ، متجاوزا منافسه الفاشي، وشريكه في السلطة، افيغدور ليبرمان.
إذن انتصر نتنياهو على ليبرمان في خطابه في بيتي الكونغرس، وهذا هو هدف الخطاب الأساسي!!
الإدارة الأمريكية ،كما يظهر، حملت نفسها مسؤولية إنقاذ إسرائيل من قادتها. أميل إلى أن اوباما في مواقفه، كان أكثر وعيا لمصلحة إسرائيل من رئيس حكومتها. لذلك لم يخطئ موقعي بيان الشخصيات الاجتماعية الإسرائيلية ، من أكاديميين ورجال فكر وأدب وفنون، وبعضهم حاصل على جائزة نوبل، وجائزة إسرائيل في العلوم ،في رسالتهم إلى قادة أوروبا، التي يطالبون فيها أوروبا أن تعترف بدولة فلسطينية في حدود 1967، ودعم التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة في سبتمبر القادم، مؤكدين أن السلام وقع أسيرا للعملية السلمية التي طرحها نتنياهو. وان على أوروبا أن تنقذ إسرائيل من قادتها.. كما جاء في الرسالة. التي أرسلت يوم ( 27-05-2011 ) كأول رد فعل من أوساط العقلانيين في المجتمع الإسرائيلي ، على الانحياز الكامل لرئيس الحكومة نتنياهو، لمواقف اليمين الأكثر تطرفا في المجتمع الإسرائيلي.
خطاب نتنياهو يثبت مرة أخرى، ولكن بوضوح غير مسبوق، أن إسرائيل تملك القوة، الكثير من القوة والقوة فقط، والإيمان بقوتهم فقط، وإنها تصر إن تبقى "غيتو" - منطقة انعزال اثني يهودي- في الشرق الأوسط. وان أي حل سلمي سيقود إلى انهيار هذا الغيتو.
تاريخيا أيضا، صهيونية هرتسل بنيت على نظرية الغيتو العنصري.وكل زعامة اليمين في إسرائيل ، من مناحم بيغين إلى بيبي نتنياهو، رأت بالغيتو اليهودي قوة وطريق للحفاظ على العداء لليهود (اللاسامية)، الذي يُولد حسب نظريتهم الدوافع لبناء القوة والقوة فقط بدون أي فكر أو منطق للتعامل المغاير مع المحيط الذي تعيش فيه إسرائيل. ويبدو واضحا أن بيبي نتنياهو يمثل هذا التيار الذي يرى بالغيتو مصدرا لقوة دولته. من هنا أيضا أضاف نتنياهو للغيتو اليهودي الذي يريد تعزيزه في إسرائيل حاجزا لا يمكن أن يتجاوزه العرب أو الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية،أي الاعتراف بالغيتو اليهودي، بينما الاعتراف بالدول ، أي دولة كانت، لا يمكن أن يجري إلا على أساس اسمها الرسمي الذي تسجلت فيه في الأمم المتحدة، وعلى أساسه اعترفت بها دول عديدة في العالم.
لماذا على الفلسطينيين أن يكون اعترافهم مختلفا ومذلا؟ ومبدئيا من الخطأ الاعتراف بغيتو، بل وقسم كبير من المجتمع الاسرائيلي يرفض هذا الغيتو اليهودي تحت اسم دولة، ويرون به خطرا زاحفا على مجتمعهم ومستقبلهم، في عالم منفتح ومتواصل ويرفض الغيتوات العنصرية، ويرى بها شرا على الجميع. ابراهام بورغ، رئيس الكنيست الأسبق ، ورئيس سابق للوكالة اليهودية ، وصف صيغة دولة يهودية بانها فنبلة موقوتة، ومواد متفجرة.. وانها النهاية لدولة اسرائيل.
أحاد هعام، أحد الشخصيات اليهودية ، وهو الاسم الأدبي لآشر هيرش ( غينتسبرغ) ويعتبر من أوائل المفكرين ومؤسسي التيار الصهيوني الروحي والانساني، ومن أهم الذين طرحوا فكر الهوية اليهودية العلمانية – الوطنية، رفض صهيونية هرتسل ، وقال إن مصدرها هي اللاسامية . وهي صهيونية لا تبشر إلا بالمآسي. وطالب بان تكون اسرائيل مركزا روحيا حضاريا، ولكن صهيونية هرتسل انتصرت وأضحت المنهج الرسمي لإسرائيل . وارى أن خطاب نتنياهو هو تأكيد على انه أفضل ممثل لصهيونية هرتسل، الغيتو ، اللاسامية، الرعب الدائم ، كل العرب نازيون، وخطابه يزيد انعزل إسرائيل دوليا ومنطقيا في الشرق الأوسط، ويعمق النهج اللاسامي والانعزال الغيتوي الذي ترى فيه قيادات اليمين الإسرائيلي نعمة ومصدرا لتصلبها واعتمادها على قوتها ، وفقط قوتها، ولا شيء غير القوة.
من هنا قراءتي لرسالة الشخصيات اليهودية الاجتماعية، برؤيتهم أن سياسة الاعتماد على القوة،وفكر الغيتو ، مدمرة لمجتمعهم ولخطابهم السياسي والاجتماعي، الذي لم يعد فيه خيار غير القوة، حتى في العلاقة بين الزوج والزوجة، بين الأفراد في الشارع ، وليس ضد الفلسطينيين والعرب عامة، أو العرب المواطنين في إسرائيل فقط.
هل يوجد شيء في السياسة الإسرائيلية اسمه سلام إسرائيلي فلسطيني؟
الصهيونية لم تبن فكرا قائما على حل ما أوجدته حرب إقامة دولة إسرائيل.أو رؤية للدولة في شرق أوسط بدون حروب وعداء، هذا يبدو لي واضحا جدا اليوم. ما يهم اليمين هو سلام يهودي. أي سلام بين الأكثرية من فئات المجتمع اليهودي. هناك إعلام واسع ومصادر تأثير هائلة على تشكيل الرأي العام داخل المجتمع الإسرائيلي. من الخطأ الاستهتار بها. أثبتت أنها القوة الموجهة اليوم للسياسة الإسرائيلية، لدرجة الصدام مع النظام الأمريكي بمعرفة قدراتهم على التأثير السياسي في عقر دار الإدارة الأمريكية.
رابين حاول صيغة مختلفة ، يمكن تسميتها "السلام الإسرائيلي" سلام لاسرائيل وسلام لشعوب الشرق الأوسط ، فكان مصيره معروفا، ويبدو لي أن حقائق كثيرة لم تقل بعد حول تصفية رابين ليس كشخص فقط ، إنما كطريق استطاع أن يجمع حوله أكثرية المجتمع الإسرائيلي في نهج جديد مختلف ، مع رؤية لضرورة إنهاء النزاع في الشرق الأوسط ، وإنهاء الغيتو اليهودي في إسرائيل. وتحرير إسرائيل من الماضي ( الكارثة ) الذي يدير سياستها ، وقد لمسنا نحن المواطنين العرب في إسرائيل ، عمق هذه التغييرات في فترة رابين، أيضا بالانفتاح على الجماهير العربية من حيث المخصصات والتطوير والتعليم والعمل ، بشكل احدث انقلابا ايجابيا ، واطمئنانا إلى أن النزاع في طريقه ليصبح ماضيا مؤلما للشعبين. وان المرحلة الجديدة هي مرحلة البناء والتقدم والتطور وليس العودة لساحات الحرب والغيتوات والانعزال.
وهل يمكن نسيان دور بيبي نتنياهو ، زعيم المعارضة في وقته، الذي قاد أشرس المظاهرات ضد رابين ونهجه الجديد، بل البسوه ثياب ضابط أس أس ألماني ، وحطة ياسر عرفات الفلسطينية، ورفعت شعارات تتهمه بالخيانة، ومصير الخائن معروف؟
إن أي قراءة لخطاب بيبي نتنياهو ، بدون الخلفية النظرية للصهيونية المسيطرة على النهج الرسمي لحكومة اليمين في إسرائيل، ستكون ناقصة ومجرد طرح شعارات بلا مضمون يكشف عمق ما يقود إلى هذا النهج.
من ناحية أخرى لا بد من ملاحظة: إن غياب نظام عربي يعي متطلبات الساعة، ويعي مصالح العالم العربي الإستراتيجية، ويفهم أن قوة إسرائيل ليست قوة دولة من 7.5 مليون إنسان، بل دولة أكبر من العالم العربي مساحة وسكانا، وأكثر تطورا علميا وتكنلوجيا وعسكريا، هو من المسائل التي تساهم في الدعم الأمريكي لإسرائيل، وفي استمرار إسرائيل بنفس النهج الذي يرى الكثيرين من اليهود أنفسهم مخاطره على مستقبلهم ومستقبل دولتهم نفسها.
لا بد من تغيير عربي لا أراه متوفرا في الفترة الزمنية القريبة. ولكن هناك أدوات واليات يمكن تسخيرها وجعلها مؤثرة دوليا على الأقل في المرحلة القريبة.. ومنها العمل السياسي الجماهيري، سياسة نفطية عربية، بدء بناء الصرح العلمي والاقتصادي العربي، وتطوير الجامعات والأبحاث، وبالطبع الديمقراطية كقاعدة مطلقة لنظام الحكم والمجتمع.