أتآمر أم ردة يا فقهاء؟
عمر حيمري
الفقهاء ، هم الذين مكنهم الله من الفهم ،والإدراك الواسع، والعقل الراجح ،والخبرة المتميزة ، والعلم بالأحكام الشرعية ، والقدرة على فهم المسألة ، أو النازلة ،و معرفة الأدلة ،وقواعد استنباط الأحكام… وفوق هذا فالفقيه رجل عملي يهتم بالحياة اليومية، وما يجري فيها من أحداث، ووقائع، وأعمال، وتصرفات بشرية…فيحلل ، ويحرم .وهذه هي وظيفته الأساسية ،كوارث لسر النبوة، وقائد للأمة وضميرها، والناطق باسمها. فتواه تلزم كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي، مهما كانت مكانته الاجتماعية ، ومهما كان موقعه في الهرم الاجتماعي ، لا فرق بين شرقي أو غربي . وهذا ما يشهد به التاريخ الإسلامي ، وما ينطق به التراث الفقهي الضخم ، وما يمكن أن نستخلصه من التحليل المنطقي للفقه نفسه .إن العلماء كما أخبر سيد البرية ، محمد صلى الله عليه وسلم ،هم ورثة الأنبياء . [ ...إن العلماء ورثة الأنبياء ، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ،وإنما ورثوا العلم ،فمن أخذه أخذ بحظ وافر. ](رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه).وهذه تركة خطيرة ، تلزم الفقهاء بطاعة الله ، وقيادة الأمة قيادة حكيمة ، إلى ما فيه خيرها ،وصلاحها ،ونصرها على عدوها ،كما تلزم الأمة بالطاعة والانقياد لفقهائها ، لأن وارث النبي ، يفترض فيه أن يكون مؤهلا للمهمات الصعبة ،والمسؤوليات الجسام ،و هو أول من يضحي بنفسه وماله ، من أجل نجدة المسلم أين ما وجد .لأن[ المؤمن أخو المؤمن، كالجسد الواحد، إذا اشتكى شيئا منه ،وجد ألم ذلك في سائر الجسد .إن أرواحهم من روح الله تعالى، بل أن روح المؤمن بصفة عامة ، لأشد اتصالا بروح الله ،من اتصال شعاع الشمس بها ].{ إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون .} (الحجرات آية10). كما أن الوطن ،في عرف المسلم غير مرتبط بحدود مادية معينة. بل هو مفهوم مجرد متعلق بالعقيدة الإسلامية .وقد عبر عن هذه الرؤية الشاعر الفيلسوف محمد إقبال رحمه الله حينما قال :(وحيثما ذكر اسم الله عددت أرجاه من لب أوطاني ) وقوله :(الصين لنا ،والعرب لنا، والهند لنا … والكل لنا أضحى الإسلام لنا دينا ،وجميع الكون لنا وطنا… ) كما يفترض في وارث النبوة أن يكون مجاهدا في سبيل الله ، محبا للموت، مقبلا عليها، لا مدبرا عنها ولا كارها لها . يواجه الظلم ،ولا يسكت عنه، ولا يسمح بأدنى مس بثوابت الأمة العقدية والشرعية ، حتى وإن كان في ذلك قطع عنقه ، أو نشر جسده .لا يتملق لحاكم ، ولا يخاف من بطشه أو سخطه ، ولا يخشى من التضييق عليه في رزقه ،أو محاصرته في حركته …فإن لم يفعل فعليه أن يعلن التخلي عن إرث وتركة النبوة ، والدفاع عن الأمة ،ويكتفي من الفقه بمقالة ، أو خطبة جمعة، أو نطق كلمة ،أو مباركة زفاف ، أو فتوى يتزلف بها لسلطان أو يملأ بها بطنه ... ويترك الفعل للحاخام الأكبر صفد شلوم إلياهو الذي قال محرضا عسكر اليهود على قتل الفلسطينيين:( إذا قتلنا مائة 100 دون أن يتوقفوا عن ذلك فلقتل منهم ألفا 1000 وعلينا أن نستمر في قتلهم، حتى لو بلغ عدد قتلاهم مليون 1000000 قتيل . وأن نستمر في القتل مهما استغرق ذلك من الوقت ).إن العديد من الحاخامات ، أصدروا فتاوى مشابهة لفتوى شلوم إلياهو ،أذكر منهم على سبيل المثال مردخاي إلياهو (المرجع الديني الأول للتيار القومي الإسرائيلي )ويسرائيل روزين ، وآفي رونسكي …إن هؤلاء الحاخامات، الذين يصدرون الفتاوى، التي تبيح القتل دون تمييز ،وتعشق الدم.هم أنفسهم الذين يصافحون،ويجالسون شيوخنا وفقهائنا الكرام. في ما يسمى بمؤتمرات حوار الأديان .التي لا نجني منها إلا الخزي والعار، والتخلي عن الأوطان .إن الفقهاء ، يوميا، يفقدون جزءا من سلطتهم الدينية ،على الجماهير الشعبية ،التي بدأت تفقد الثقة فهم, لأنهم أصبحوا يهتموا بالكماليات ،كاللباس الأنيق ، وحضور المؤتمرات الشكلية ،وتزيين الولائم الفاخرة بالكلمات المؤثرة ، والتملق لأصحاب الجاه والمال، وإصدار الفتوى ضد بعضهم بعضا، إرضاء لغيرهم. ..وفتاوى حرب العراق الأولى المتناقضة، والمتعارضة شاهد على ذلك .فهذا الفقيه يبيح الاستعانة بالكافر على المسلم ،والآخر يحرم ذلك .وهذا مع السياسة ،والآخر مع الجهاد ، وغيرهما مع الاستسلام …كل ذلك بسبب كراهية الموت وحب المال والجاه والتشبث بالدنيا ... وليعلم الفقهاء، أن الجماهير ذاقت بهم ذرعا ، ولم تعد تثق بهم كورثة للأنبياء ،تلك الثقة العمياء ، لأن النازلة الواحدة ، كالربا مثلا يبيحها المشرقي ( يوسف القرضاوي ) لأجل السكن بحجة الاضطرار ، ويردها المغربي (المجلس العلمي الأعلى ) بلهجة شديدة وبخلفية سياسية ،لأن الفتوى المشرقية في نظره تفيد التعدي على اختصاص علماء المغرب والتطاول عليهم وفي نفس الوقت تفيد الإساءة إلى أهل المغرب وتجعل منهم دار كفر ، وقيادة المرأة للسيارة يحرمها الخليجي ويبيح لها قيادة العير والبعير ...فأيهما أحفظ وأستر وأحجب للمرأة ؟ العير أم السيارة ؟ أي فقيه بل أي عقل هذا الذي يبيح خلوة المرأة مع السائق ، ويمنعها من خلوها مع نفسها في سيارتها ؟ فأي الحالين أسلم للمرأة ولعرضها ؟ يا فقيه الخليج ؟
إن جماهير الأمة لا تريد ذلك النموذج من الفقهاء ،الذي يكتفي بفتوى غرف النوم ، ومضاجعة الزوجة الميتة (الزمزمي)، وكيفية التعامل مع شد الإزار أثناء الحيض والنفاس والعجز الجنسي، وجواز نكاح بنت التاسعة ( المغراوي) - وكأن مصائبنا في الزواج فقط – وجواز استبدال النساء البلاستيكيات بالنساء الآدميات عند الضرورة (الزمزمي) وجواز إرضاع السائق وزميل العمل ( الخليجيين) وجواز الصلح مع إسرائيل مع تحريم العمليات الاستشهادية ... بل تريد من الفقهاء من يخرج في وجه الاستعمار، ويندد بالظهير البربري ، وبدعاة العصبيات الأمازيغية الجدد ، مبينا وغير كاتم لقول الله سبحانه وتعالى { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية } ( سورة الفتح آية 26) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في سنن أبي داود [ ليس من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية. ] ، ويدعوا إلى وحدة الصف وتوجيه الصراع ضد الاستعمار، والتكاتف حتى يزول الظلم بجميع أنواعه السياسية والاقتصادية وحتى تنفرج كل الأزمات ...
تريد الجماهير من الفقهاء ، أن يكونوا على رأس المظاهرات في الشوارع يطالبون بالمحافظة على الدين الإسلامي ، تريد منهم رفع أصواتهم عالية في وجه من لا رأي لهم ولا دين ولا أخلاق من دعاة الكفر والشذوذ والمثلية والتعري ونشر الفاحشة وأكل رمضان جهارا نهارا... تريد منهم التضحية وبذل الغالي والنفيس بدل الغفلة واللهو والسمود والإعراض وعدم الاكتراث ، جهلا بخطورة الوضع وسوءا لتقديره أو جبنا ونفاقا ورغبة في المحافظة على المصلحة الخاصة …
إن الجماهير يا فقهاء تريد نموذج الإمام مالك ،والإمام أحمد بن حنبل ، والشيخ البنا والسيد قطب ،والعز بن عبد السلام ، ومحمد الخامس ، ومحمد المختار السوسي ، وعلال الفاسي ، وعبد الحميد ابن بديس ومحمد البشير الإبراهيمي … وإلا لجأت إلى ذاتها، لتصدر الفتوى التي تروقها ، لذاتها ،غير مكترثة بالفقه والفقهاء .لأنها تكره الحياة مع الظلم والذل والهوان ، وتعشق الشهادة مع العزة والكرامة.
الجماهير يا فقهاء ، تريد رؤيتكم تتصدرون المظاهرات وتحملون اللافتات التي كتب عليها نريد تطبيق الشريعة ، نريد العدالة والمساواة ، نريد محاربة الظلم والفساد ، نريد الأمن والأمان في ظل إمارة للمؤمنين ، نريدها دولة إسلامية لا شرقية ولا غربية ، ونرفض دعاة الفتنة التي تديرها حركة 20 فبراير والنهج الديمقراطي ، وأنصارا لظهير البربري الاستعماري ، والعلمانيين ، والمثليين ، والسحاقيات ... وأن لا تكونوا أقل من الخارجين عن الأمة وثوابتها ، شجاعة وإيمانا بالمبادئ ، وإلا فأنتم متآمرون أو مرتدون ، آثرتم الولائم وتوزيع البركات والدعوات ... على من يدفع لكم .
وليعلم الفقهاء ،أن الوعي الجماهيري المتقدم ، يتوجس من تحالفات أقصى اليمين ( العدل والإحسان )مع أقصى اليسار (حركة 20 فبراير والنهج الديمقراطي )- رغم تناقضاتهم المطلبية - إشعال الفتنة وصرف أنظار الأمة ، عن الاتزان السياسي والاجتماعي ، وعن روح الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية ، التي بها تستقيم أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ...
وإني لأتعجب من صمتكم يا فقهاء ، عن من يعلن شذوذه للصحف الهولندية ( عبد الله الطايع ) ، وعن من يرافق الوفد الصهيوني عدوا لإسلام و الإنسانية كافة ، وهو في أبهى زينته ( أسامي الخليفي ) وعن رئيس جمعية كيف كيف للمثليين (بركاشي سمير) ، وعن تنظيم منا وفينا للسحاقيات ... وعن حركة ممارسة الحب فوق السطوح ( أعضاء من حركة 20فبراير) ...وعن كل المجاهرين بالعلمانية المتنطعين في الدعوة إليها. إن من يسكت منكم يا لفقهاء ،عن هؤلاء وعن سلوكهم الإجرامي ولا أخلاقي ولا إنساني ... يكون شيطانا أخرس ، قد خان كتاب الله وارتد عنه ، ومنافقا أحمق تخلى عن إرث النبي واستبدله بمنصب زائل لا محالة ، ولذة طعام فانية .
عليكم يا فقهاء أن لا تغيبوا عن الشارع ولا عن الصحف والجرائد والانترنيت ...وأن تقتربوا من الناس وتأتوهم في مدا شرهم وقراهم ،ومدنهم ... قبل أن يسبقكم إليهم الفتانون ، ولا تنتظروا مجيئهم إليكم وأنتم قاعدون ، عليكم أن تتولوا زمام الأمور لتسدوا الثغرات ، قبل أن يداهم الأمة خطر العلمانية ، والملاحدة ، والمنافقين المساندين لبني صهيون .
يا فقهاء ، أنتم ورثة الأنبياء ، أنتم ضمير الأمة وصمام أمانها ،واجبكم الإصلاح ومحاربة الفتن ، قبل ظهورها ، وأثناء ظهورها، وبعد ظهورها ، وهذا الدور لا يستقيم لكم إلا بشروط هي :..
أولا ، توحيد الصف والكلمة ، وتكوين حزب قوي واحد يجمعكم على الحق والصلاح.
ثانيا ، نبذ التفرقة والاختلاف والتنازع ،والتناحر والتنافر الذي لا يخفى أثره على أحد ، إلى جانب نكران الذات ،ولا سيما فيما يتعلق بالفتيا ومناهج الإفتاء ، مع التعاون الكامل على واجب النصح والنصيحة .
ثالثا ، ضرورة المشاركة في الانتخابات ، والترشح للمناصب التي تسمح لكم باتخاذ القرارات المصيرية للأمة ، إلى جانب الحكومة ، كالبرلمان ،ورئاسة الأحزاب ، ورئاسة الحكومة ، ورئاسة المجالس البلدية والقروية ، والجمعيات المدنية ...لأنكم أولى بهذه المناصب باعتباركم أهل الحل والعقد ، ومقبولين لدى العامة والخاصة .
يا فقهاء اختاروا لأنفسكم الاحتجاب عن الناس وعن الإصلاح الديني و المسرح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ... وترك ذلك للغوغائيين والأميين والمنافقين والملحدين ، وعند ذلك ستفقدون إرث النبوة ومعه مكانتكم بين الناس ، ونيلكم لسخط الله . أو اختاروا التشبث بإرثكم النبوي وتحمل مسؤولية القيام بالحفاظ على الدين والمجتمع من الفتن وعندها ستنالكم مغفرة من الله ورحمة منه ، إن شاء الله تعالى ، ويذكركم التاريخ.