المقابر الجماعية انجاز ثوري
عبيد الله شدهان
عثر الأشقاء اللبنانيون على مقبرة جماعية في عنجر حيث كانت قيادة المخابرات السورية في لبنان ، دفن فيها قرابة ثلاثون جثة ، إحداها مازالت لم تتفسخ وثارت تساؤلات عديدة حول المقابر الجماعية ، التي عرف منها عشرات في سوريا ، ونأمل أن يكون اكتشاف المقبرة الجماعية في عنجر فاتحة للتعرف على الكثير من مثيلاتها في لبنان وسوريا ، وعندئذ يفهم الشعب اللبناني والشعب السوري حقيقة المفقودين ، الذين يقدر عددهم في سوريا باثنين وعشرين ألفاً .
والانجازات الثورية التي حققها النظام السوري كثيرة غير المقابر الجماعية منها :
1 هدم المساجد بمدافع الدبابات .
2 قصف المدن براجمات الصواريخ والمدفعية ، وقتل عشرات الألوف خلال أسبوعين فقط في حماة (1982) .
3 التمشيط بعد عزل المدينة عن العالم بضعة أيام لتفتش بيتاً بيتاً ، مع مايرافق التفتيش من نهب وسلب ، وهتك الأعراض ، وقتل الأبرياء . في الثمانينات وفي هذا العام )2011) م . كما حدث في درعا وبانياس والمعضمية وغيرها ....
4 بناء سجون مركزية ضخمة ، والانفاق على حراسها وضباطها أكثر من الانفاق على الجامعات .
5 اعتقال الرهائن عن ذويهم المطلوبين ، ودام اعتقالهم من (1982) وحتى (1992) .
6 معاقبة الأولاد الذين ولدوا خارج سوريا ، والحكم عليهم بعقوبة الاعدام ثم يخفف بالسجن لأن والده متهم بالانتماء للإخوان المسلمين ، كما حصل لمصعب الحريري ...
7 زراعة المخدرات من قبل كبار الضباط في البقاع ، ونقلها بطائرات الجيش إلى المصانع في حلب وغيرها ، ثم تصديرها عبر موانئ خاصة على شاطئ البحر المتوسط في سوريا ولبنان .
هذه غيض من فيض من انجازات النظام السوري التي شملت سوريا ولبنان ، إلا أن المقابر الجماعية تبقى الانجاز الأعظم .
المقابر الجماعية في سوريا
المقبرة الجماعية الأولى ( حزيران 1980) في سفح جبل عويمر قرب تدمر . عدد الجثث قرابة ألف ، دفنت ومازال بعضها على قيد الحياة ..
في حزيران (1980 ) قام عناصر من حرس الرئيس حافظ الأسد بمحاولة قتله ، فقام ( كبير المجرمين رفعت أسد قائد سرايا الدفاع واليد اليمنى لحافظ الأسد يومذاك ) ، قام بإرسال سرايا الدفاع بطائرات الهيلوكبتر إلى سجن تدمر ، ليلاً ، ليفتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة على السجناء ومعظمهم أو كلهم من الإخوان المسلمين ، فقتلت منهم قرابة ألف ، تم تحميلهم بشاحنات ( الزيل ) العسكرية ودفنهم في مقبرة جماعية عند جبل ( عويمر ) قرب تدمر ، وبعضهم مازال على قيد الحياة ، قبل طلوع الفجر ، كما نقل ذلك بعض رعاة الأغنام الذين شاهدوا أثر المقبرة في اليوم الثاني ، ورأوا يداً مرفوعة ، ظهر بعضها خارج التراب ، أي أن ذلك الشهيد كان حياً عندما أهالوا عليهم التراب بالجزافات ، واستغاث فرفع يده يطلب النجدة ، وهو يلفظ أنفاسه خنقاً تحت التراب الذي ارتوى من نزيف دمه يرحمه الله ، هذا مااعترف به كل من الجنديين ( عيس ) و (فياض ) الذين أرسلوا لاغتيال مضر بدران رئيس الوزراء الأردني يومذاك ، لأن الآردن الشقيق آوى الفارين من أبناء الشعب السوري الذين هربوا من جحيم الثوريين البعثيين الأسديين ، ولم يستطع التنكر للنخوة العربية ، وإغاثة الملهوف ، وحماية المستجير .
وقد تحدثوا بهذه الاعترافات على شاشة التلفزيون الاردني وسجلت هذه الاعترافات في ذاكرة التاريخ ، وآمل أن نتمكن من نشر هذه الاعترافات على الفضائيات حالياً ، و أسأل الله العون .
كما شهد بها الصحفي السوري ( العلوي ) نزار نيوف يحفظه الله ، فقد كشف من جرائم النظام السوري العشرات ، وخاصة من المقابر الجماعية ، وشهد خلال فترة سجنه في تدمر وغيرها شهد التطرف الذي مارسه النظام السوري ممثلاً بشياطين الأمن الذين دمروا سوريا وأهلكوا الحرث والنسل ...
المقبرة الجماعية الثانية : في طريق سريحين ( أخدود القرن العشرين ):
وهل قرأت شيئاً عن مجزرة سريحين ؟ وما أدراك ما مجزرة سريحين !!؟ إنها واحدة من عشرات المجازر التي قام بها الجيش ( العقائدي )في حماة ...
تقع قرية سريحين شرق مدينة حماة على بعد خمسة كيلو مترات فقط ، وفي منتصف هذا الطريق وقعت واحدة من أبشع مجازر حماة الجماعية ، التي لم تعرف التفصيلات الكثيرة عنها ، لأن القتل الجماعي استحر فيها ، وما نجا إلا قليلون كأصابع اليد ، قدر لهم أن يكونوا شهادة حية على ذبح أناس ملأوا إحدى عشرة شاحنة طوتهم الأرض الطهور في طريق سريحين ، يقول ( أبو حيان الحموي ) أحد الناجين من مجزرة سريحين :
كنت ضمن أعداد كبيرة ملأت إحدى عشرة شاحنة بازدحام شديد ، كدسنا فيها كالغنم ، حتى كادت تتقطع أنفاسنا ، وسيق بنا إلى سريحين ، وفي طريق سريحين أمرنا بالنزول فنزلنا ، وكان أول مارأينا مناظر تشيب لها الولدان ، مئات الأحذية المتناثرة على الأرض ، وأدرك الجميع أنها تعني مقتل مئات المواطنين من أبناء بلدتنا ، وأننا على الموت مقبلون .
فتشنا بعد ذلك ، وأخذت منا الأموال التي معنا ، وجردنا من ساعاتنا ، ثم أمرتنا عناصر السلطة بالتقدم نحو الخندق العميق الذي يمتد أمامنا إلى مسافة طويلة ، وأمر قسم منا بالنزول إلى خندق مجاور ، وعرفنا الهدف وهو أن نموت في أسفل الخندق فتطمرنا الجرافات بالتراب ، وبعضنا بين الحياة والموت .
وعندما تقدمت إلى موقعي أمام الخندق ، رأيت الجثث المتراكمة على بعضها البعض ، يلطخها الدم الحار ، وكان مشهداً رهيباً لم أستطع تحمله فأغمضت عيني ، وتحاملت على نفسي خشية الوقوع على الأرض ، وانطلق لساني يردد سراً في قلبي شهادة أن لاإله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وصرت أتذكر بعض آيات من كتاب الله عزوجل أصبر بها نفسي .
وحدث ماكان متوقعاً ، انهال الرصاص الغزير علينا ، [ الرصاص الذي اشتروه بخبز أطفالنا ليدافعوا به عنا ضد الصهاينة ] ، وهوى الجميع إلى الخنادق مضرجين بدمائهم ، أما القسم الذي أنزل إلى الخنادق فقد أطلقت عليهم النار داخله .
ويضيف الراوي أبو حيان الحموي الذي نجا بقدر الله :
كانت إصاباتي خفيفة ، ومن نعم الله عليّ أنهم لم يطمرونا بالتراب حالاً ، بل ذهبوا مسرعين ، لمهمة جديدة ، وتركونا نلفظ أنفاسنا في الأخدود ، وقدر الله لي أن أنجو بأن صبرت حتى خلا المكان من الجزارين ، وهربت متحاملاً على جراحي وأنقذني الله من ذلك المصير ، حيث يموت الجريح تحت الجثث الأخرى .
وبمعالجات بلدية ، قدر الله لي الشفاء ، ولم أجرؤ على مراجعة المستشفى للعلاج ، لأن أزلام السلطة هناك يجهزون على كل من يتقدم ويطلب العلاج من المستشفى . كما فعلوا بالأستاذ فائز عاجوقة يرحمه الله ، الذي أصيب بعدة طلقات في مذبحة جنوب الملعب البلدي ، ولما أسعف إلى المشفى الوطني للعلاج ، أجهز عليه هناك ، وقيل بقرت بطنه وأخرجت كبده يرحمه الله .
وقدر الله لي أن أعيش لاأرتجف كلما سمعت اسم سريحين ، ومازلت أصر أن أتجنب المرور من ذلك الطريق ، لأنني أتصور أنني سيغمى عليّ لو مررت من ذلك المكان الذي شاهدت فيه الجثث ينزف منها الدم الحار في قاع الخندق .
وقد عرف قليل من أسماء الشهداء في هذه المجزرة :
الشهيد ممدوح الوتار – الشهيد محمد علواني – الشهيد معن علواني – الشهيد محمد حلاق – الشهيد منير عدي – الشهيد عدنان زوزا – الشهيد عبد الغني ترو – الشهيد جبار عبد الغني ترو – الشهيد عبد الله خالد عدي – الشهيد منذر عثمان المصري . وكثيرون غيرهم . يرحمهم الله تعالى .
المقبرة الجماعية للعلماء والأئمة قرب براق :
واحدى مجازر النظام الأسدي في حماة (1982) ، حيث ارتكبت عشرات المجازر ، مثل مجزرة آل الصمصام ، ومجزرة دكان الحلبية ، ومجزرة آل الآمين ، ومجزرة آل الكيلاني ، ومجزرة جنوب الملعب االبلدي ، ومجزرة حي باب البلد ، ومجزرة جورة حوا ، ومجزرة آل المصري [ انظر مقالتي ابادة أسر بكاملها في موقع الجماعة على الانترنت باب مشاركات]......و عشرات غيرها، وقد ذكرت هذه من ذاكرتي المرهقة دون العودة إلى كتاب حماة مأساة العصر الذي ذكر عشرات المجازر ...
ومجزرة العلماء هذه نفذها النظام الأسدي يوم الجمعة الأخيرة في شباط (1982):
وإحدى مآسي التطرف الأسدي في حماة ، في يوم الجمعة ، من شهر شباط (1982) وقد انتهت المعركة مع مقاتلي الطليعة يرحمهم الله تعالى ، بعد أن تمكن الجيش العقائدي الباسل من القضاء على قرابة خمسين ألفاً من أهالي مدينة حماة ، من أجل القضاء على (300) عنصر من عناصر الطليعة المقاتلة ، وقد انتهت المعركة يوم الثلاثاء ، ومر يوم الأربعاء والخميس يومان هادئان على حماة ، كانت سحب الدخان مازالت تغطي مساحات من سماء المدينة وضواحيها ، ومازال بعض الجثث في الشوارع ( كما يقول روبرت فيسك الذي دخل حماة في هذين اليومين ) وفي يوم الجمعة ذلك قامت المخابرات العسكرية بقيادة يحيى زيدان بجمع (1500) مواطن أولهم مفتي حماة الشيخ بشير مراد يرحمه الله ، ومعه عدد كبير من مدرسي التربية الاسلامية ، وأئمة المساجد ، والمؤذنين ، وعمال النظافة في المساجد ، ووصل العدد قرابة (1500) ، ثم قامت المخابرات العسكرية باطلاق النار عليهم ودفنهم في مقبرة جماعية بالقرب من قرية ( براق ) ... أليس هذا في غاية التطرف ، وهل يوجد في العالم تطرفاُ أشد من هذا !!!!؟
المقبرة الجماعية المستمرة في تدمر :
وفي سجن تدمر كان ضباط النظام الأسدي الذين فروا أمام الصهاينة في الجولان عام (1976) ، وعام (1973) ، كان هؤلاء الجبناء يحاكمون السجناء في تدمر ، وكثير من هؤلاء السجناء كان يتمنى الموت ليتخلص من التعذيب الذي لايخطر على قلب بشر ، وكان تحقيق الأمنية ( أمنية الموت ) سهلاً ، وهو أن يعترف السجين بانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين ، كي يطبق عليهم مرسوم العار رقم (49) القاضي باعدام كل من انتمى لجماعة الاخوان المسلمين ، وهو من أكبر الانجازات الثورية التي حققها النظام الأسدي في سوريا ، وبعد اعترافه ، ينادى عليه مساء الاثنين أو الخميس ، فيخلع ملابسه لأخوته في السجن يستفيدون منها لأنهم مكثوا في ملابسهم التي اعتقلوا بها عام (1981 ) أو (1982) وبقي يلبسون مابقي من أسمالها حتى عام (1992) ، ويذهب بالسروال فقط يلاقي ربه وهو يهلل ويكبر ، مما جعل زبانية تدمر يغلقون فمه باللاصق قبل وصوله ساحة الاعدام ، وقد استمر هذا الإجرام من بداية الثمانينات حتى نهايتها تقريباً كما يقول محمد سليم حماد يحفظه الله في كتابه (شاهد ومشهود ) الذي تستطيع قراءته في موقع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا .
وكانت هذه الجثث تدفن حول جبل عويمر ، ليلة الاثنين والخميس من كل اسبوع .
ولابد من الاشارة إلى أن النظام الأسدي ، قام بنقل كميات من التراب من قرب جبل عويمر ونثره بعد أن دحل العظام الموجودة فيه بالمداحل ، بعد أن تحدث الأستاذ نزار نيوف عن هذا الموضوع .