رفع الأحكام العرفية عن النساء
رفع الأحكام العرفية عن النساء..!
صالح خريسات
تنقل إلينا المصادر التاريخية في تراثنا الإسلامي المجيد، أن بعض الصحابة كانوا يكثرون من الطلاق إكثاراً مدهشاً، كما فعل الحسن بن علي بن أبي طالب، فإنه تزوج أكثر من مئتين وخمسين امرأة، وقيل ثلاثين، وكان أبوه يضجر من ذلك ويكرهه، حياء من أهليهن، وكان يقول في خطبه: "إن حسناً مطلاق فلا تزوجوه". ويليه في هذه الظاهرة المرضية، المغير بن شعبة، فقد تزوج نحو هذا العدد. على أن الطلاق ما زال مكروهاً كما رأينا من كلام الإمام علي، وأهل الأنفة والفضل، لا يطلقون إلا لعلة كبيرة أو عذر شرعي، ولو أحصينا حوادث الطلاق، لرأينا أكثرها في طبقات العامة.
ومما ساعد على تكاثر حوادث الطلاق، المبالغة في الحجاب، فيتزوج الشاب الفتاة وهو لم ير وجهها، فإذا لم توافقه، هان عليه طلاقها، لأنه لم يرض الزواج على هذا الشرط، إلا لعلمه بسهولة التخلص من زوجته، إذا لم تعجبه. وهذا التضييق ليس من الدين في شيء.
إن الرجل الشرقي، يعامل المرأة كما يعامله سيده، لأن الرجل في طور الظلم يتحمل بطش الحاكم وعسفه، ويكظم ما في نفسه، حتى إذا جاء منزله، عامل أهله مثل معاملة الحاكم له، انتقاماً لنفسه. تلك سنة من سنن العمران على اختلاف أطوار التمدن، فالبلاد التي يتولها حاكم ظالم، يقتدي به أرباب العائلات بظلم نسائهم وأولادهم، وأما في الحكم العادل، فالمرأة تنال حقوقها، والرجل يعدل في حكومته، فالبيت دولة صغيرة تمثل دولة الأمة.
بيد أن ظلم المرأة واحتقارها، مخالف لتعاليم القران، لأنه يأمر بالمودة والرحمة "وجعل بينكم مودة ورحمة ". "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف".
إننا نبدو أكثر تخلفاً، كلما تقدمنا في السير إلى الأمام، وطلبنا من المرأة أن تمشي خلف الرجل أو تتبعه، دون إبداء الأسباب. لماذا لا نريد أن نتقبل فكرة مساواة المرأة بالرجل، عقلاً، وقيمة، وطاقة، وحيوية؟ لماذا نحاسبها على عذريتها ولا نحاسب الرجل على عذريته؟ لماذا نثقل عليها بالملابس، ونضيق عليها في الحركة، ونقيدها بالضوابط والروابط الاجتماعية، ونترك للرجل فرصة التمتع بالليالي الخمرية، المترعة باللذة والمتعة الجنسية، وأطايب الحياة، ولا نجد من يحاسبه؟ من جعل للرجل الحق في أن يطلب المرأة التي يحب ويريد، ومنع المرأة حقها في اختيار من تحب ومن تريد؟ من يعوض العوانس سنوات الصبر والانتظار الطويل إلى حين أن يأتي الرجل المتخلف ويأخذها بمالها وجسدها بحجة أنه رجل؟ فتخدمه، وتهبه مالها، وجسدها، وتربي له أولاده، ثم لا يجد فيها سوى أنها امرأة، وأنها لم تعد تصلح للفراش؟ فيهجر وكرها ويبحث له عن عش جديد؟.. من فرض علينا كل ذلك وربطه بالدين؟ من له مصلحة في بقاء الوضع على ما هو عليه، بينما العالم يتخذنا رسومات كاريكاتيرية يضحك منا وعلينا؟..
إننا لا يمكن أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، إلا إذا رفعنا الأحكام العرفية عن المرأة، ومنحناها حريتها كاملة، في مالها، وفي عملها ،وفي لباسها، وفي ظهورها، وفي اختيار زوجها. وليس هذا حباً في المرأة فقط لأنها إنسانه، ولها من الحقوق ما للرجل، بل لأن دورها أخطر بكثير من دور الرجل، في بناء الأجيال وإعداد الرجال الذين يقودون المجتمع ويتولون إدارته وحكمه. بهذه الطريقة قد يستقيم أمرنا، ولا يتحقق لنا ذلك، إلا إذا أخرسنا الأوصياء من رجال الدين، الذين كانوا وما زالوا سبب فشل المرأة وتخلفها، هذه الفئة من المخرفين، الذين لا يحسنون إلا التقعر في الكلام، بيد أنهم يتلذذون في شرح تفاصيل العلاقة الجنسية، بين الرجل والمرأة، وهم أبعد الناس عنها، ويضيقون عليهما بالحلال والحرام!