يبحثون عن مجد في زمن سقوطهم
محمود صالح عودة
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات: 6).
جاء الفاسق بالنبأ - إنه باراك أوباما هذه المرة - وأعلن عن مقتل الشيخ أسامة بن لادن - رحمه الله حيًا أم ميتًا - بطريقة استهبالية تستخف بعقول الناس، تمامًا كما كان الأمر مع عمليات الحادي عشر من سبتمبر.
تضاربت الأنباء، وشملت الرواية الأمريكية الرسمية تناقضات مريبة؛ فقد قصفوا المبنى الموجود فيه بن لادن حسب زعمهم، ولكنهم في ذات الوقت حاولوا أن يقبضوا عليه حيًا. وقد قتلوا زوجته التي كانت معه بعدما استخدمها كذراع بشري، ولكنهم طلبوا منها لاحقًا التأكد من هوية جثته، فتصريحات اليوم التالي قالت إنها أصيبت ولم تقتل. وقد "دفنوه" في بحر العرب، ولكنهم تذكروا بعدها أن أحد ضباتهم صلّى عليه صلاة إسلامية مترجمة قبل الدفن. كل هذا، إضافة إلى إجراء فحوصات (دي.إن.إيي) للتأكد من هويته، ونقل جثته من باكستان إلى أفغانستان، ومن أفغانستان إلى بحر العرب، تم خلال ساعات قليلة. "مجنون يحكي وعاقل يصدق" كما يقال شعبيًا، فهل يمكن أن يحتمل حدث اغتيال بهذا الحجم وبهذه الحساسية، كل هذا الهراء؟
في مقال سابق مكوّن من 3 أجزاء، تحت عنوان "الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر - المؤامرة الكبرى والحرب المستمرة" (منشور على شبكة الإنترنت) ذكرت بعض المعلومات حول تخطيط الإدارة الأمريكية لعمليات 11 سبتمبر وتنفيذها، وتلصيق التهمة بأسامة بن لادن والقاعدة المخترقة. ضمن ما ذكرته آنذاك كان بيانًا صحافيًا أصدره بن لادن يوم 16/9/2001، أي بعد 5 أيام من وقوع التفجيرات، نفى فيه تهمة القيام بتلك العمليات، وجاء في البيان:"بعد التفجيرات الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية توجهت بعض أصابع الاتهام الأمريكية إلينا واتهمتنا بالوقوف وراءها. وقد عوّدتنا الولايات المتحدة على مثل هذه الاتهامات في كل مناسبة يقوم فيها أعداؤها الكثر بتسديد ضربة إليها. وبهذه المناسبة فإنني أؤكد أنني لم أقم بهذا العمل الذي يبدو أن أصحابه قاموا به بدوافع ذاتية عندهم. أما أنا فإنني أعيش في إمارة أفغانستان الإسلامية وقد بايعت أمير المؤمنين على السمع والطاعة في جميع الأمور. وهو لا يأذن بالقيام بمثل هذه الأعمال من أفغانستان". أما البيانات اللاحقة التي تبنى فيها بن لادن عمليات 11 سبتمبر فكانت بعد عام 2004، ولم تحتاج إلى عبقرية لاكتشاف أنها مفبركة ومزوّرة، بل قد ذكر أحد المسؤولين الأوروبيين أن هناك تصريحات مزوّرة لبن لادن، يتبنّى فيها عمليات لم تتم، وأنها جاهزة للاستخدام عند الحاجة.
صدرت في الماضي عدة أنباء عن موت أسامة بن لادن، لعلّ أبرزها ما قاله ستيف بتشنيك؛ نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي سابقًا، ومستشار وزارة الدفاع الأمريكية حاليًا، الذي كان على صلة مباشرة مع بن لادن إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان. فقد ذكر الرجل أن بن لادن مات أواخر عام 2001 بعد تدهور حالته الصحية، كما ذكر أن قائدًا أمريكيًا بارزًا أبلغه بأن عمليات 11 سبتمبر كانت "فولس فلاغ" (العلم المزوّر) لتبرير ما يسمى "الحرب على الإرهاب"، وسرد أمثلة تاريخية عن استخدام الولايات المتحدة وغيرها من الدول عمليات "العلم المزوّر" لتبرير هجماتها على دول أخرى.
كما ذكر ذات الشخص (ستيف بتشنيك) عام 2002، في مقابلة أجراها مع مذيع الراديو الأمريكي المناهض للسياسة الأمريكية والنخبة الحاكمة ألكس جونز، أن أسامة بن لادن مات منذ شهور، وأن الحكومة الأمريكية تنتظر اللحظة المناسبة سياسيًا لإخراج جثته.
خلال العقد الماضي، كان بن لادن يظهر على الشاشات قبل الانتخابات الأمريكية بقليل. وها هو بن لادن يظهر اليوم مرة أخرى، قبل الانتخابات الأمريكية، ليرفع من شعبية باراك أوباما التي فقدها إثر فشله المستمر وانكشاف وعوده الكاذبة، وبعد أن أشارت استطلاعات الرأي إلى ازدياد شعبية الحزب الجمهوري. ولكن هذه هي المرّة الأخيرة التي تستخدم فيها ورقة بن لادن، لأن أمريكا قرّرت حرقها.
هناك عدّة أسباب لإصدار خبر مقتل بن لادن وحرق ورقته الآن بالذات، وأهمها - بعد استخدامه كرافعة شعبية لأوباما - هي أن كل كتاب "الحرب على الإرهاب" احترق، وكل كذبة القاعدة والمنظمات الإرهابية احترقت، فقد أحرقتها الشعوب العربية والإسلامية الثائرة، برقيّها وأخلاقها وشجاعتها وأسلوبها الحضاري، وبعد أن اكتشفنا أنها ألاعيب مكوّنة من مجرمين وضالين، تستخدمهم - بل تؤسسهم - أجهزة المخابرات الدولية حيثما شاءت وكيفما شاءت.
ذلك وأن الأمريكان والصهاينة ومن والاهم، يبحثون عن مجد في زمن سقوطهم وسقوط عملائهم، وأنهم يريدون أن يحفظوا ماء الوجه أمام شعوبهم، قبل انسحابهم الكامل من العراق وأفغانستان بعد اندحارهم فيهما.