الضحايا العرب مجرد رقم يتزايد
الضحايا العرب مجرد رقم يتزايد
جميل السلحوت
ما جرى ويجري في بعض الدول العربية أمر مرعب حقا، فالأنظمة التي لا ترى الوطن والشعب الا من خلال شخص الحاكم، تتغنى بأمجاد الحاكم بأمر الله، مع أنه لم يعمل عملا يرضي الله، لا ترى في المواطن شخصا يستحق الحياة، وعندما يتم قتله فإنه لا يشكل عندهم سوى رقم يضاف الى أعداد سابقة يجب عدم إحصائها، ولا ضير اذا ما جلبت الأجهزة الأمنية والدي الضحية، وزوجته وأبناءه –اذا كان متزوجا- ليقدموا آيات الولاء للسيد الرئيس الذي بعظمته أراحهم من حياة ابنهم.
فعميد الحكام العرب، ملك ملوك افريقيا، الفيلسوف القائد الثائر المجاهد لا يرى ليبيا الا من خلال نرجسيته، فقد قال على الملأ"أنا ليبيا...أنا مجد ليبيا" ووصف شعبه بـ"المقملين...الجراذين...الكلاب الضالة"لم يكتف بحكم 42 عاما، وبالمليارات التي نهبها هو وأولاده، بل يلاحق شعبه قتلا وتدميرا وتشريدا، والذي يلاحظ صور المدن الليبية ومستشفياتها ومدارسها فانها لا تختلف عن مخيمات اللجوء لمن هربوا من ويلات الحروب في بلدانهم، فالرجل دمر ليبيا وقتل شعبها ويريدها مشروعا استثماريا لأبنائه من بعده، ولن يتركها إلا مدمرة وثاكلا أو مقسمة.
واليمن الذي ما عاد سعيدا، لم يكتف على عبدالله صالح بحكمه لمدة 33 عاما، أوصل فيه هذا البلد الى أن يكون واحدة من الدول العشر الأكثر فقرا في العالم، وكان يمهد لتوريث أبنائه من بعده، ولم يتزحزح عن"عرشه" ويمعن في شعبه قتلا وفي وطنه تدميرا بشكل يومي، ونظرا لخدماته الجليلة لسادته في البلدان التي تتشدق بحقوق الانسان، وبحماية المدنيين، فانه لا يرون ولا يسمعون ما يجري هناك.
أما حسني مبارك، فقد أعاد مصر العروبة قرنا الى الخلف بحكمه هذا البلد ثلاثين عاما، نهب هو وزوجته وأبناؤه، وثلة من اللصوص المحيطين به ثروات البلد، ودمر الاقتصاد، وأهلك البشر، وخطط للتوريث وسجن وقتل وعذب، الى أن أجبرته القوات المسلحة على التنحي ليلقى مصيره طريدا شريدا سجينا، قد يلتف حبل المشنقة حول رقبته.
وها هي أعداد الضحايا من المواطنين ومن قوى الأمن في سوريا تتزايد بشكل ملحوظ.
ويبدو أن غالبية القادة العرب لا يؤمنون بالديموقراطية، ولا يؤمنون بصناديق الاقتراع، ولا يؤمنون بتبادل السلطة، ولا يؤمنون باطلاق الحريات بما فيها حرية الرأي وحرية تشكيل الأحزاب، وحرية الصحافة، واستقلالية القضاء، وسيادة القانون، وكلها من مقومات بناء وطن عزيز قوي، يتكاتف أبناؤه لحمايته والذود عنه، ولهذا فلا عجب عن تزييف تاريخ الأمة، وقلب هزائمها الى انتصارات، ولا تجد من يقف مع ذاته لينقدها قبل أن ينتقد الآخرين.
فالقائد المنتخب يستميت الشعب في الدفاع عنه، بدلا من الإستماتة في سبيل اسقاطه، ومن المضحك أن تجد طاغية مثل الرئيس اليمني يقول"صندوق الإقتراع هو من يقرر تنحيه أو عدمه" ونسي الرجل أنه وصل الى الحكم على ظهر دبابة.
كان بإمكان الرؤساء الذين رفضتهم شعوبهم، أن يتنحوا بشرف وكرامة، وأن يبقوا في بلدانهم معززين مكرمين، بدلا من نهايات التشرد واللجوء وربما حبل المشنقة، لكنهم ارتضوا محاربة شعوبهم، وهذا هو خيارهم بنتائجه البائسة بؤس حكمهم.
فالشعوب تمهل ولا تهمل، ودماء الضحايا لا تمحوها قوة القهر والطغيان، وحياة القادة الأوفياء ليست أغلى من حياة المواطنين الشرفاء.