الإصلاح شيء.. والتغيير شيء آخر
نوال السباعي *
لم يكن وحده الرئيس السوري الذي ظنّ أننا نحتاج إلى جيل آخر على الأقل لإحداث التغيير في طريقة تفكير الامة وبناء الإنسان ، كثيرون كانوا يرون هذا الرأي في زمن الانشطار والانهيار ، كنا نتحدث عن مرحلة طويلة من إعادة التربية وصياغة المجتمع ، لكن الثورة فاجأتنا ، لأن الإصلاح شيء والتغيير شيء آخر ، ولأن التغير الذي لايأتي بسبب الإصلاح ، سيَحدث حتما عبر الثورات ، واسألوا الفراعنة ، الذين بقي شعبهم حياً حتى اليوم ، وخلد التاريخ تحنطهم في تماثيل تروي جبروتهم واستعبادهم للشعب ، الذي امتد بقاءه سبعة آلاف ىسنة بعد فراعنته ، ليس مهماً ماذا كنّا نفكر حول قضية معينة ، المهم حقيقةً هو الكيفية التي يمكننا التعامل من خلالها مع التغيرات التي استجدت في هذه القضية.
لقد فاجأ الشباب الجميع ، حكاما ومحكومين وكتابا وصحفيين ومفكرين ومنظرين وإصلاحيين!، إنها إرادة الشعب ، عندما يصل شعوره بالقهر والذل حداً لايمكن تجاوزه ، فإما الانتحار وإما الثورة ، وقد كانت !،سلمية ،حضارية، إنسانية، مدنية، فهل كان أداء حكامنا في مستوى هذه الثورة؟!.
بدأت الثورة من سيدي بوعزيز ، وانتشرت حياة ًفي جسد الامة بعد موات ، وكانت زلزلة ومحنة في عقول الحكام وصناع الرأي ، وكنا ننتظر من الحكام،والشباب منهم ، وممن لم تدهمهم الثورة باديء الأمر ، أن تكون مواقفهم مختلفة عن تلك التي رأيناها في "ليبيا الانتقام الدموي"الذي تشنه أسرةٌ وعبيدُها على الشعب وأحراره ، أو في اليمن الذي أذهل شعبه العالم بثباته السلمي الخارق ، كما أذهل رئيسه العالم بتذبذب مواقفه ومحاولاته المستميتة إحداث حرب أهلية في بلده!.
في أيامنا هذه ماعاد للدهاء السياسي – ناهيك عن الغباء- والالتزام الوطني والصدق القومي إلا ترجمة واحدة ، تتمثل في الامتثال لمطالب ثورات الشعب ، والالتحاق بصفوفها، ودعمها ،لأنها وبكل بساطة قدر الأمة التي أذلها الطغيان طويلا.
يخطيء الرئيس السوري ، باتباعه سنن الذين خلوا من قبله ، في تونس ومصر وليبيا واليمن ، وخطأُ مثْلِهِ لايكاد يغتفر ، لأنه شابمثقف ، ولأن شعبه كان يحبه ويحترمه ويدعمه دعما لاحدود له في سياساته القومية وفيم يتعلق بالقضية الفلسطينية ، ولأن ترتيبه كان الثامن في محطات الثورة -آخذين بعين الاعتبار انتفاضة البحرين ، ومظاهرات المغرب ، وتململ الأردن- فلم تأخذه الثورة على حين غرّة .
أخطأ مرة لأنه خلط بين الإصلاح الذي هو من أولوياتمسؤولياته ، وبين التغيير الذي هو نتيجة بعيدة المدى من نتائج الإصلاح ، وأخطا ثانية لأنه وبدلا من أن يثق بشعبه ، وثق بالقوة الباطشة التي يحوزها أفرادٌ من عائلته، وأخطأ ثالثة لأنه لم يلبي أهم المطالب العامة الملحة للشعب ، مثل اطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والكلمة، ومعاقبة من تسبب بالفتنة ممن اعتقلوا أطفال درعا ،واطلقوا النار على شبابها.
يعتقد حكامنا أن النزول عند مطالب الشعب ضعف !، لكنه لدى الدول المتقدمة إنسانياً واجتماعياً ، يُعتبر موضع قوة واحترام ، لأن نزول الحاكم عند رغبات شعبه يؤهله في عوالم الحرية لدخول التاريخ من أوسع أبوابه.
حياة الشعوب ليست كحياة "الولاة" ، حياة الشعوب تقاس بقدرتها على القيامة بعد كل مرة كادت تَرِدُ فيها حتفها ، أما حياة "الحكام" فتقاس بقدرتهم على سياسة مصالح الشعب بمسؤولية وصدق ونظافة يدٍ من دم أو مال ؟ ، وسواء أخذ هؤلاء السلطة غصباًأوانتخاباًأوتوافقاً، فإن مسؤوليتهم عن إصلاح شؤون البلاد ورعاية أمور العبادلاتتغير ، وبقدر قيامهم بمسؤولياتهم في الإصلاح، تتطور قدرة شعوبهم على التغيير والنمو والازدهار.
الرئيس السوري يحتاج إلى قدر من الشجاعة غير مسبوق ليعترف بأن مايجري في سورية ليس مؤامرة خارجية ، وأن تسونامي التاريخ لايقف عند خصوصيات الجغرافيا ، وليواجه نفسه وأفراد أسرته ومن حوله من الفاسدين المنتفعين ، وعليه أن يختار بين شعبه المكلوم ، وبين الطوفان !، الطوفان الذي لن يأخذ الشعب السوري هذه المرة ، بالغة مابلغت آلة البطش والفرم من القوة ، إن عمر الطغيانلايمنحه فرصة ذبح شعب واحد مرتين ، ومن دروس التاريخ البليغة أن صيحات الشعوب لاتكتم بالقهر والتلفيق والسحل ، ولكنها تُسكت بالعدل وتُرضى بالحرية.
* كاتبة عربية مقيمة بإسبانيا