حرية الصحافة أولا

بدر محمد بدر

[email protected]

الصحافة الوطنية الحرة هي مرآة المجتمع الحقيقية، التي يرى فيها نفسه وطموحه وآماله فيطمئن إلى عافيته ومستقبله، ويكتشف من خلالها عيوبه ومتاعبه وآلامه فيسارع إلى علاجها وابتكار الحلول المناسبة لها، وحرية الصحافة خصوصا، ووسائل الإعلام عموما، هي إحدى الركائز الأساسية التي ينبغي أن تقوم عليها رؤيتنا لمستقبل الوطن، في ظل مناخ ديمقراطي صحي وإيجابي وشفاف.

وحرية الصحافة تعني أولا: حرية تداول المعلومات وتيسير الوصول إليها، وتأهيل مؤسسات الدولة والمجتمع للتعامل بشفافية في مجال توفير المعلومات، وحماية من يدلي بها من الملاحقة أو العقاب، فالمعلومات الصحيحة تزيل الكثير من سوء الفهم والمشكلات والضغوط بين السلطة الحاكمة والدولة من جهة، وبين قوى المجتمع ومؤسساته وتياراته من جهة أخرى، وتمنع أيضا من استشراء الفساد وظهور الاستبداد، إضافة إلى ضرورة حماية حق الصحفي في الاحتفاظ بسرية مصادره، في ظل إطار قانوني واضح يوفر هذه الحماية.

وتعني ثانيا: حرية تأسيس وتملك وإصدار الصحف والمجلات والإصدارات المتخصصة بمجرد تقديم الإخطار القانوني، وإلغاء كافة القوانين والإجراءات المقيدة لحرية الإصدار، التي عانينا منها طوال الستين عاما الماضية، ولا أرى مشكلة في أن تتزايد وتتنوع الإصدارت الصحفية، لأنها في النهاية صناعة وفن وعلم ورؤية، فإن أحسن القائمون عليها بناءها وتطويرها وفق الهدف منها، فسوف تستمر وتنجح وتكسب، وإلا فإنها سوف تتوقف وتموت وتفشل، والواقع أن لدينا أعدادا كبيرة من الصحفيين، ومحبي العمل في مهنة الصحافة، لا بد من فتح الطريق لاستيعابهم والاستفادة من طاقاتهم، لإقامة صحافة مهنية حرة.

وتعني حرية الصحافة ثالثا: العمل على إقامة المطابع الكبيرة المتخصصة في إصدار الصحف والمجلات والدوريات، من خلال شركات أو مؤسسات، وعدم حصرها في مطابع بعينها مثلما هو حادث الآن، لأن حرية الإصدار تقتضي توفير الفرصة للمنافسة في تكاليف ووقت وزمن الطبع، وهذه المطابع الصحفية الكبيرة سوف توفر الكثير من فرص العمل، ومن الضروري أيضا إنشاء ودعم شركات توزيع الصحف المركزية والمحلية، حتى تتمكن من إيصال المطبوعات إلى المواطن بصورة أسرع وأقل تكلفة مالية. 

وتعني رابعا: توفير حياة كريمة للعاملين بمهنة الصحافة، ابتداء من الصحفيين والمصورين والمهن المساعدة، الذين يعاني أغلبهم الآن واقعا معيشيا صعبا، حتى يتمكنوا من القيام بدورهم الوطني، ويتفرغوا للارتقاء بالمهنة، بعيدا عن الإغراءات المادية أو الضغوط السياسية أو المتاعب المعيشية، وانتهاء بالعاملين في توزيع الصحف والمطبوعات في الشوارع والميادين، المنتشرين في كافة أنحاء البلاد، والذين يعانون بصورة أشد.

وتعني خامسا: أن يتم تعديل قانون نقابة الصحفيين، كي تكون قادرة على حماية الحريات الصحفية عموما، والدفاع عن الصحفي وتقديم العون له ولأسرته خصوصا، وصاحبة الحق الأصيل كذلك في محاسبته على تجاوزاته أو أخطائه المهنية، أو مخالفته لميثاق الشرف الصحفي، وهذا يعني أن تكون مستقلة الموارد والإرادة عن الدولة، والصحافة الحرة تحميها نقابة مستقلة ومجتمع ديمقراطي.   

وفي المقابل فإن واجب الصحفيين أن يحملوا الأمانة بكل صدق وإخلاص، وأن يقدموا لوطنهم وأمتهم الأداء الراقي، الذي يتمتع بالمهنية العالية، والحرية الملتزمة بمصلحة الوطن، والمصداقية التي تحترم القارئ، والرؤية الوطنية التي تنظر إلى المستقبل دائما، والتفاني في الوصول إلى الحقيقة مهما كانت المصاعب.

أنا أدرك أن الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء لديه الكثير مما يفوق الاحتمال، وأسأل الله مخلصا أن يقوي عزيمته وأن يرزقه التوفيق، لكني أدرك أيضا أن التأخير في معالجة أوضاع الصحافة في مصر يزيد من مشاعر الإحباط والقلق على المستقبل، ويعطل مسيرة الإصلاح الوطني المنشود.