تعال معي وانظر بعينيك يا صديقي العزيز
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
ليس من العيب أن تكون جائعا , وقد تمد يديك لجيب الغير إما سارقا ً أو متسولاً عندما تنقطع بك السبل والحيل للحصول على الطعام الذي ينقذك من الموت , ولكن العيب يكمن فيمن يستطيع لك مد يد العون وينقذك من الهلاك بدون أن يمس كبرياءك في بسوء مهما كان بسيطا , وهو ينظر إليك بكبرياء ومستوى دوني ويتركك لأمرك بدون مساعدة , هنا يكون العيب الكبير
بهذه الكلمات الرائعة بدأت صديقتي العزيزة كلامها
نظرت إليها مستغرباً من حديثها هذا , وقلت لها مالذي تقصدينه ياعزيزتي سماح
ثم أردفت قائلة ومن الخزي الكبير أن يتوسل الإنسان لشخص ما , طالباً منه العون والمساعدة , بينما خزائنه قد امتلأت على آخرها من وسائل العون والقوة , وفي نفس الوقت يمد يده لمن لايملك سوى قوت يومه متسولاً بدعوات كثيرة تجعل ذلك الشخص الفقير يهبه جزأ مما يملك
كأنني بدأت أفهم نوعا ما , مالذي يدور في ذهنك الآن ياسماح
فسماح امرأة طيبة كريمة , ومثقفة وواعية , وتحمل في قلبها هموم الجميع , وتراقب كل شيء أمامها وتعيده في ذهنها وأقوالها وفعلها لسببه الأصلي محاولة بكل ماتستطيع معالجة الأمر وإصلاح الخطأ فيه
فقالت لي لاأعتقد أنك وصلت لشيء هذه المرة , ستظهر لك المحادثة أن عبقريتك والخواطر التي عندك قد عجزت عن إدراك ماأعني
فابتسمت لقولها هذا , قلت لها سترين أن حاستي السادسة مازالت شغالة بأعلى قدرتها , وإن أخطأ عقلي في إدراك ماتقولين في بعض المرات , ولكن قلبي وعواطفي تنبأني بالظبط بالذي يدور في عقلك من أول كلمة تنطقين فيها
على كل حال ياصديقي العزيز حتى نكون بعيدان عن علم الميتافيزيقا وما وراء الطبيعة والتخاطب عن بعد وكشف الأسرار عن طريق الدخول لباطن الشخص الآخر ومعرفة عميق أغوار باطنه , نقف عند هذا الحد , ونتحدث عن الموضوع الذي يشغلني كثيراً هذه الأيام
قبل أن أسألك أي سؤال , هنا أذكرك بقول الله عز وجل في كتابه العزيز (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)
هذا أكيد ياعزيزتي
إذا ياصديقي , فلو فرضنا أنك رجل غني جداً وتملك الملايين من النقود وعندك العقارات والمنصب وتستطيع أن تفعل أي شيء تريده ويمكنك منصبك من الحصول على اللقمة التي في يد الجائع المسكين , بينما أنت في هذا المستوى العالي , ولكن أولادك من البنين والبنات وأزواجك الكثيرات المعروفات وغير المعروفات , فقراء تعساء ومشردين من ظلمك لهم , وجاءك عدو يريد أن يخرجك من الحال الذي أنت عليه من الظلم الذي توزعه على الجميع , ووجدت نفسك عندها ضعيفاً جداً
قل ياصديقي العزيز مالذي يمكن أن تفعله في هذه الحالة؟
الآن اعتقد أنني قد أحطت بما لم أحط به من قبل
وماذا فهمت قل لي ؟
بالإختصار هل تذكرين اليوم الأول من ثورة يناير في مصر , عندما خرج الشعب المصري يريد اسقاط النظام ؟
نعم أتذكر , ولكن مادخل هذه الثورة بكلامي هذا ؟
سوف أقترب اكثر من الموضوع
عندما عرضت القنوات العالمية هتافات تلك الفتاة المصرية وأعتقد أن اسمها سماح محفوظ , وهي تهتف وتقول
(وانت يمبارك عاوز ايه , عاوز كل الشعب يبوس رجليك , لايمبارك لا يمبارك انت رح اتبوس رجليه )
لقد رأيتها وسمعتها وحملتها أوصافا رائعة , وقد عبر عنها الكثير بالقول :
(هذه أرجل امرأة في مصر)
فقالت لي : لن أكمل حديثي بعد فقد عرفت مالذي كنت أريد ان اتحدث عنه , وطالما كلانا متفقين في الرأي فتصبح المناقشة بدون معنى , لأن الإتفاق حول موضوع ما يجعله راكداً لاجديد فيه
فعندما تنظر إلى الماء تراها لالون ولا طعم ولا رائحة و هي أساس الحياة كلها , ولكن عندما نحللها لعناصرها الكيميائية نراها متكونة من الهيدروجين والأكسجين , ولولا اختلاف العنصرين وامتزاجهما مع بعض لبقي العنصران في طبيعتهما العنصرية مستقل عن الآخر
وأكملت الكلام بدلا عنها أو معقباً
وهذا هو موطن تخلفنا وتشتتنا في أن يكون كل الناس متشابهون في الهوى والهدف والتفكير , ومرتبط بشخص واحد ولا رأي بعد هذا الرأي , وكل رأي مخالف لذلك على الأقل مصيره الإعدام
فقالت تعرف ياعزيزي أن قلبي يعتصر ألما وعطفا على الحكام العرب والذين نهضت شعوبهم ضدهم
فاستغربت من عطفها هذا
مع أنني أعرفها من الذين يصرون على الرأي واحترام الرأي الآخر , ومن أشد المدافعين عن الحرية والتخلص من هؤلاء الحكام المستبدين
فسألتها ضاحكا
وكيف يكون هذا العطف ولم يتركوا حرمة للوطن ومن يعيش عليه إلا انتهكوها بكل رعونة وبطش وحقارة ؟
فقالت لقد شعرت فيمن سقط منهم ومن هم على الطريق
كيف يكون لهذا الذي اعتبر نفسه إلها يأمر فيطاع يحي ويميت , يفقر ويغني
فلو سخر هذه القوة منذ البداية للإحسان والخير وخدمة لوطنه وشعبه , لن تكون له حاجة للتسول والطلب من الناس أرجوكم اتركوني في مكاني هذا , حتى أتم أيامي المعدودة ومع القسم أنه لن يسعى لهذا المنصب مرة ثانية , ويقول أرجوكم أرجوكم ويترجى ويتوسل ويستعطف لتركه أيام او شهور في منصبه
فهذا الجبروت والطاغي يطلب الصدقة ممن جعلهم عبيدا له طيلة أيام حكمه , ولم يع إلا في اللحظة الأخيرة أن جزاء الإحسان هو الإحسان , وجزاء الشر هو الشر
فهل تأتي معي ياصديقي العزيز وتنظر كيف يتسول من شعبه آخر المهددين منهم؟