الإعلام المصري يتآمر على الثورة

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

مازالت ثورة 25 يناير التي بذل فيها خيرة شباب مصر من دمائهم الطاهرة  تواجه عارية الصدر ثورة مضاد أسلحتها متنوعة وحرابها كثيرة ومن يقف ورائها أكثر وأبرز أبواقها وللأسف الإعلام المصري بكل وسائله العام منه والخاص وبدرجات متفاوتة في الوقت الذي مازال يهتف فيه شباب الثورة بأعلى صوتهم إلى عنان السماء " الشعب يريد تطهير الإعلام " !!

الإعلام يقتل روح الثورة !!

من يتابع وسائل الإعلام بمختلف أطيافها يجدها قبل وأثناء وبعد الثورة كانت تسدد حرابها المسمومة وغير المسؤولة والمحرضة والمناوئة ضد ثورة 25 يناير حتى ولو تلون بعضها وحاول استدراك مواقفه سريعا وتجلى ذلك في تسابق بعض القنوات في استضافة بعض شباب الثورة والنخب الثقافية وبث بعض الكليبات والأغاني والصور التي تشيد بالثورة وكأنها لم تكن بالأمس شريكة في سفك دم شهداء الثورة إما بصمتها أو عجزها عن نقل الصورة الحقيقية لها في بدايتها أو تشويه مواقفها بينما يستشهد المئات في الميدان . .

الوقائع والشواهد والأدلة والمانشيتات الصاخبة التي مازال يخطها فلول النظام البائد في العديد من الصحف المصرية تساهم بشكل كبير في قتل روح الثورة وتحاول إجهاضها وتدعو بشكل صريح ومتلون أحيانا إلى الاحتراب الداخلي بين الشعب المصري، هذا الشعب الذي احتشد ثمانية عشر يوما متصلة في الميادين مجلجلا بصوته في ربوع المحروسة  مطالبا بإسقاط النظام.

كان صوت الشعب عاليا واحدا لا نشاز فيه والأيدي متشابكة والقلوب متضرعة ترنو إلى ساعة الخلاص من النظام البائد الفاسد والعيون معقودة على أهداف محددة وواضحة خطها الشعب المصري بدماء شبابه الطاهر في الميادين ، بينما كان ومازال الإعلام المصري ، صحفه وقنواته العامة والخاصة ينفث سمومه محاولا انفراط العقد الذي عقدته الثورة في وجدان الشعب المصري في ثورة  25 يناير العظيمة.

مخطط الإعلام المشبوه!!

الذي لاشك فيه أن هذا "الإعلام الفاسد " أحد أعداء الثورة فلقد كان الشعب موحدا في ميدان التحرير وفي بقية الساحات فساهم الإعلام عبر صحفه وقنواته وبرامجه قبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في جعله فرقا شتى متناحرة يخون بعضها بعضا .

فلقد كان الشعب المصري في ميدان التحرير مشغولا بهموم الوطن وشغوفا بحلم استعاده وعيه والنهوض به من جديد . لكن الإعلام جعله بعد الاستفتاء مشغولا بالطائفة والحزب والجماعات وتصفية الحسابات  وتخوين الآخرين وتباين الأجندات والمطالب الفئوية . وزاد "الإعلام الفاسد " من تصاعد النفس الطائفي والفئوي وركز عليه فأصبح الشعب الموحد في ميدان التحرير والذي هتف مئات المرات " الشعب والجيش إيد واحدة" مقسما إلى علمانيين وإسلاميين، وأقباطاً ومسلمين، و«إخواناً» وسلفيين، ومعتدلين ومتطرفين.. الخ.

وغذى هذا الإعلام المتآمر على الثورة روح الاشتباك والتراشق واتهام الآخرين بخيانة الثورة والقفز عليها ومحاولة سرقتها وهو على وجه الحقيقة يدعم فلول النظام البائد ويدعو إلى الاحتراب  الداخلي بين الشعب المصري ويحاول إجهاض ثورته وسرقة حلم بالإصلاح والتغيير .

ومن يتابع برامج " التو شوك " ومانشيتات الصحف المصرية منذ بداية الأسبوع الحالي يجد أنها جميعاً اشتركت في مناقشة حادث أبرزته صحيفة الأهرام (عدد الجمعة25/3/2011)وجعلت منه مانشيتا رئيسيا في الصفحة الأولى، وكان كما يلي: جريمة نكراء بصعيد مصر متطرفون يقيمون الحد على أحد المواطنين بقطع أذنه، والعلماء يبرئون الشريعة.

أما صحيفة «العربي» الناطقة باسم الحزب الناصري صدرت صفحتها الأولى يوم الأحد 27/3/2011 بعنوان يرهب الشعب يقول: مخاوف من صعود جماعات التكفير، وسؤال المصير يطرح نفسه بقوة: دولة مدنية أم دولة دينية؟

أما «روزاليوسف» صاحبة الباع الطويل في الكذب والتدليس ونشر تقرير أمن الدولة المفبركة فجاء عنوانها كالتالي: «دعوة إخوانية لإقامة الخلافة الإسلامية في مصر».

هذا فضلا عن عشرات الأخبار الأخرى الصادمة والمحبطة والتي تسعى لتشويه شخصيات عامة أو تيارات سياسية ، ونتيجة هذه الفوضى والزبد الهائل من الفوضى الإعلامية غير الخلاقة والكم الهائل من الشائعات والأخبار المفبركة !!

والسؤال الذي يطرح نفسه ، ما الهدف من وراء هذه التهييج والإثارة في نشر مثل هذه الأخبار سوى إحباط الناس وزرع اليأس في النفوس حتى من الحلم بغد أفضل بعد مرارة 30عاما من العيش في ظل قانون الطوارئ والفساد ونهب مقدرات البلاد وتعطيل القانون وضياع هيبة الدولة في ظل النظام البائد.

أين دور الإعلام الجاد ؟!

أين دور الإعلام  المهني الرشيد والجاد والموضوعي والذي يجب عليه أن يقوم بدوره في بناء مصر بعد الثورة ويدعم الوحدة وينبذ الطائفية  ويتناغم مع المرحلة الجديدة  لا أن يعيد إنتاج النظام البائد عن طريق نشر الفوضى  وتقديم مادة للتهييج والإثارة بين أبناء الشعب المصري.

وما الهدف من إعادة استخدام التيارات الإسلامية كفزاعة للمجتمع ووضع الجميع في سلة واحدة، الصالح مع الطالح والمعتوه مع العقلاء؟! هل الحيادية والموضوعية هي نشر وتعميم المعلومات السابقة والتصريحات السابقة للثورة على لسان الإسلاميين ؟! والبحث في الضمائر والتأويل و تحويل الآراء والمواقف الفردية لبعض الأشخاص إلى قضايا للمناقشة، ومادة لحلقات طويلة تذاع على الهواء مباشرة لساعات طويلة وتصيب عقولنا بالصداع ؟ من المستفيد من تضخيم الأمور وتصويرها على لسان حفنة من أنصاف المثقفين وبعض من يدعون التنظير والذين لا يجيدون سوى الصراخ واللطيمة والصياح ، محذرين  الشعب ويعلون النفير العام لمواجهة  خطر الإسلاميين المزعوم وتلك الكارثة التي تلوح في الأفق والمصير الأسود الذي يهدد الوطن إذا وصلوا لسدة الحكم .

أقول جازما ولست منحازا للتيارات الإسلامية والتي أرى أنها يجب عليها أن تعيد التفكير مليا في خطابها الإعلامي  والسياسي بدلا من المرة ألف مرة ..أقول أن الإعلام  بهذا الأداء يعيد إنتاج أجواء النظام البائد الذي كان حريصا على مدار حكمه على شحن الرأي العام ضد الإسلاميين وإشاعة الخوف منهم ، هذا الدور الذي كان يقوم به جهاز أمن الدولة  ومازالت فلوله تمارسه حتى الآن  في ثورة مضادة يشارك فيها العديد من وسائل الإعلام سواءً بجهل أو عن قصد وتآمر !!

وفى ظل هذا الواقع المزري لابد أن تظل عيون كل المخلصين والراشدين من أبناء مصر مفتحة ويقظة وليست شاخصة ، والحذر كل الحذر من أن ينخدعوا بمثل هذا الخطاب الإعلامي المسموم، ويجب عليهم أن يتخذوا من التدابير والآليات والفعاليات والمبادرات على أرض الواقع لعودة أخلاق ميدان التحرير ، والحفاظ على القيم التي أحيتها فينا ثورة 25 يناير العظيمة بكل المقاييس ، ولا يعطوا الفرصة لفلول النظام البائد لوأد أحلامنا بمستقبل أفضل ، وليكن من أولويات المرحلة القادمة شعار الشعب يريد تطهير الإعلام ".

في السياق : مازالت أحلم أن تكون مهنة الإعلام و الصحافة  في عالمنا العربي كما وصفها الكاتب الروسي الكبير تولستوي حين قال: «الصحافة بوق السلام، وصوت الأمة ، وسيف الحق القاطع.. وملاذ المظلوم ولجام الظالم، تهز عروش القياصرة.. وتدك معالم المستبدين».