عيبٌ يا وزارة الثقافة الفلسطينيّة
واحسرتاهُ على ما فرَّطوا في جنبِك يا قدسُ
موسى أبو دويح
اعتدتُ منذُ نعومة أظفاري- إذا ما أردت أن أقرأَ كتابا وبخاصة إذا كان الكتاب ضخمًا أو بضع مئات من الصفحات- أن أنظر في عنوانه وأتأملَ غلافه، وأقرأ الإهداء والتقديم والمقدّمة، وأفكّر في مراجع الكتاب ومحتوياته أو فهرسه.
وقبل أسبوعين تقريبًا، قُدِّم لروّاد ندوة اليوم السّابع في القدس –وأنا واحد منهم- كتاب:
(الحياة الاجتماعيّة في القدس في القرن العشرين للدكتور صبحي سعد الدين غوشة) من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينيّة / الإدارة العامّة للآداب والنشر.
ولمّا كنت أعرف الدكتور غوشة قبل بلوغي العشرين من عمري، طبيبًا عامًّا، مخلصًا في عمله، طيّب السمعة بين الناس، لا يذكرونه إلا بالخير والاستقامة وحُسْنِ المعاملة –وما كنت يومها أعلم أن له باعًا طويلا في الكتابة أو الكتابة الموسوعيّة- كان لكتاب الدكتور مكانة خاصة في نفسي، سيّما وأنّه عن القدس، بل عن حياة النّاس في القدس في القرن العشرين الّذي عشتُ أنا فيها وفيه أكثر من ستين عامًا طالبًا في مدارسها ومدرِّسًا متنقّّلا في مدارسها الإعداديّة والثانويّة، من قرية رنتيس القريبة من اللّد (والّتي كانت تابعة لمحافظة القدس في العهد الأردنيّ) إلى بيت صفافا (وهي البلدة التي كانت قبل عام النّكسة 1967 مقسّمة بين يهود والعرب: قسمها الجنوبيّ الشرقيّ كان خاضعًا للحكم الأردنيّ، وقسمها الشماليّ الغربيّ كان تحت حكم يهود، وكانت مفصولة بأسلاك حديديّة شائكة في أعلاها وغير شائكة في أسفلها. أمّا بعد عام 1967 فأزيلت الأسلاك وصارت جميعها تحت الاحتلال الصهيونيّ)، إلى صورباهر وإلى جبل المكبر وإلى مدرسة الطّور في جبل الزّيتون، إلى المدرسة النظاميّة الثانويّة للبنات في بيت حنينا، إلى مدرسة أحمد سامح الخالديّ الثانويّة في حيّ الثَّوْريّ عام 1998، إلى مدرسة شعفاط في بلدة شعفاط. ثمّ ثانيةً إلى مدرسة بيت صفافا الثانويّة في عام 2000، وإلى مدرسة الصّلعة الثانويّة في جبل المكبّر، والى مدرسة صورباهر الثانويّة وإلى مدرسة الطّور الثانويّة، وإلى مدرسة ابن خلدون الثانويّة في بيت حنينا.
أمّا القدس داخل السّور فآتيها يوميًّا غالبًا، وأمشي في شوارعها وأزقّتها وأسواقها، وأدخلها من كلّ أبوابها السّبعة، وأصلي في مسجدها وقبّة صخرتها. وتعرّفت في رحلاتي المدرسيّة على جميع كنائسها وأديرتها وأعرف الكثير الكثير عنها وعن قبور الصّحابة في مدافنها، وأضرحة الصّالحين المدفونين فيها.
لهذا كلّه، كان هذا الكتاب ممّيزًا في نظري وله مكانة خاصّة عندي، إلا أنّ طباعته خّيبت آمالي.
اشتمل فهرس الكتاب على اثنين وعشرين عنوانًا أو موضوعًا: منها ثلاثة عناوين للتّمهيد والتّقديم والمقدّمة، وثلاثة أخرى لسيرة الكاتب الذاتيّة والمراجع وتفسير بعض الكلمات الدّارجة الّتي وردت في الكتاب بلغة أهل القدس المحكيّة، وستة عشر عنوانًا عن القدس مثل: القدس إنْ حكت، ليلة الفرح، العلم نور، الأعياد المسيحيّة، الاحتفالات والمواسم الشعبيّة، الطّعام وهكذا.
مهّدتْ للكتاب تحت عنوان (ذاكرة إلى الأبد) الدكتورة سلمى الخضرا الجيوسيّ وهي التي طلبت إلى الدكتور أنْ يكتب هذا الكتاب عن حياة القدس الاجتماعيّة.
ومهّد له أيضًا تمهيدًا جيّدًا معطيًا صورةً واضحةً عن الكتاب تحت عنوان (كتب الحكاية00 وورث أرضها) مهند عبد الحميد كاتب وإعلاميّ من رام الله.
أمّا مقدّمة الكتاب الشّافية الوافية والّتي بلغت اثنتي عشرةَ صفحة، فقد أعطت صورة شاملة واضحةً عن الكتاب وما حواه. يقول فيها الدكتور صبحي:(في هذا الكتاب أقدِّم صورة مفصلة للتّراث الشعبيّ في القدس "والذي ينطبق على كلّ فلسطين تقريبًا" وهي محاولة لترسيخ المفهوم السّليم للتّراث الشعبيّ وأنّه ليس عاداتٍ باليةً أو تقاليدَ خرافيةً، ولكنّه مجموعة مفاهيمَ حضاريّةٍ أخلاقيّةٍ إنسانيّةٍ، استطاعت أن تحافظ على وحدة وكيانيّة وتقدّم المجتمع لآلاف السّنين، وعلينا أن نحترم هذا التّراث ونتقيّد بما يلائم مجتمعنا) صفحة 27. ويقول فيها أيضا: (إنّ القدس في خطر، وعلينا أن نساهم في إنقاذها بالعودة إلى جذورنا الحضاريّة التّراثيّة التي حافظت على تماسك المجتمع وتقدّمه منذ آلاف السّنين). صفحة 28.
أمّا الكتاب فهو كتاب موسوعيّ في 532 صفحة بخطّ صغير حروفه كرؤوس الذّرّ (النّمل الصّغير)، وهو الكتاب الذي فاز بجائزة أفضل كتاب عن الوضع الاجتماعيّ والسّكانيّ في القدس ضمن برنامج مسابقات القدس الثّقافيّة لعام 2009م الّتي أقامتها وزارة الثّقافة الأردنيّة. وهو غير هذه الطّبعة الّتي هي طبعة فلسطين الأولى عام 2010م0
ولقد رجع الكاتب في تأليفه لهذا الكتاب إلى 55 مرجعًا وكتابًا وإلى 45 جريدةً ومجلّة، وكان عدد الاقتباسات والتّضمينات الّتي جاءت في الكتاب 481 نصًّا مقتبسًا من المراجع، وهذا ما يجعله مرجعًا وثائقيًّا.
الكتاب وثيقة تؤرِّخ للقدس وتراثها الشعبيّ في القرن العشرين، لم يترك شاردة ولا واردة إلا وحواها بين صفحاته. لذا، فهو جدير بالقراءة وحريّ أن يُقْتَنى في كلّ بيت، وحقيق أن يكون مرجعًا للتّراث الشّعبيّ في القدس في القرن العشرين.
أمّا ما خيّب الآمال في الكتاب فهي الأخطاء الكثيرة الّتي جاءت في الطّباعة وعلى الأخصّّ الّتي جاءت في طباعة الأرقام الهنديّة (وهي التي يسميها النّاس اليوم خطأ بالأرقام العربيّة) ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
في صفحة 531: القدس عاصمة الثّقافة العربيّة 9002 والصحيح 2009م. ومثل هذا الخطأ تكرر في أرقام المراجع والسّيرة الذّاتية للكاتب أكثر من ستّين مرّة. هذا بالنّسبة للأرقام الهنديّة، أمّا الأرقام العربيّة –والّتي يسمّيها النّاس خطأ بالأرقام الإنجليزيّة- فصحيحة.
وأمّا بالنسبة للآيات القرآنية فيجب كتابتها كتابة صحيحة، وذكر رقم الآية والسّورة في الهامش حتى يرجع إليها في القرآن الكريم. جاء في صفحة 501 (إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون) والآية تقول: "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". سورة النحل الآية 61.
أمّا الأحاديث النّبويّة الشّريفة فيجب أخذها من مراجعها ومظانّها وضبطها وضبط اسم المرجع أيضًا. جاء في صفحة 508 (كما جاء في صحيح الترمذي وموطأ ابن مالك) والصحيح موطأ مالك وهو الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه إمام أهل المدينة.
أمّا كتابة الشّعر والزّجل الشّعبيّ والأناشيد والأغاني الشّعبيّة فيجب أن تكون مرتّبة، لكلّ بيت منها صدر وعجز، والصّدر مساو للعجز في الكتابة. وجهاز الكمبيوتر اليوم يعين على ذلك بسهولة.
أمّا الصّور الّتي جاءت في الكتاب فالأصل أن تكون كبيرة وملّونة –إن أمكن- كلّ صورة في صفحة مستقلّة حتّى تكون أوضح وأظهر.
وهناك أخطاء لغويّة كثيرة في الكتاب لا بدّ من تصحيحها.
وختامًا ما من عيش لأهل فلسطين سواء كان في المدينة أو القرية أم البادية إلا وتجد في الكتاب بيانًا شافيا له؛ فهو بحقّ وثيقة تراثيّة تبيّن حياة المجتمع الفلسطينيّ من جميع جوانبها، بل ويقدم صورة مفصّلة وافية للتّراث الشّعبيّ في القدس والّذي كما يقول عنه المؤلّف (ينطبق على كلّ فلسطين تقريبًا) صفحة 27.
لكنّ هذا الكتاب المرجع بحاجة إلى تحقيق وتدقيق وتصحيح وإعادة طباعته بحرف أكبر، حتّى وإن خرج في عدة مجلدات؛ حتّى يكون بحقّ مرجعًا مهمًّا لحياة النّاس في القدس في القرن العشرين.