هل يلتقط الروس الكرة السورية العالقة في الهواء
هل يلتقط الروس الكرة السورية العالقة في الهواء
بعد أن تخلى الأمريكيون عنها ؟!
زهير سالم*
بالأمس صرح السيد هادي البحرة أن الرئيس أوباما نسي قتال بشار الأسد . أستشهد بهذا لكي لا يتهمني بعض الأغرار بأنني أقطّع حبال الثورة السورية ، وأستعدي عليها . وأستطيع أن أضيف أن من معاني نسيان أوباما لقتال بشار الأسد أنه أدار ظهرا عن كل الجرائم التي يرتكبها حلفاؤه من أتباع الولي الفقيه على الأرض السورية ، وإدارة الظهر هنا تعني التسليم والقبول والمباركة في تراتبيتها المختلفة ...
إن التحالف الاستراتيجي بين ( الإدارة الأمريكية ) و ( الإدارة الإيرانية ) أصبح حقيقة واقعة لا ينكرها إلا من لايريد أن يسمع أو أن يرى . وعلى حملة مسئولية القرار السياسي من رجال المعارضة السورية أن يتعاملوا مع هذه الحقيقة كأمر واقع وبما يدرأ السوء عن الشعب السوري ويحقق المصالح لثورته .
أما الزوغان والتوهان وتجاهل الأمر الواقع ومحاولة القفز فوقه فإنه لا يعني إلا إضاعة المزيد من الوقت والجهد والفرص في وقت معا . استعداء الأمريكيين على الثورة والثوار أمر، ولزوم الوقوف ببابهم والركوع على أعتابهم أمر آخر . وإذا كنا نرفض الأمر الأول لأن من واجبنا دائما أن نبحث عن حلفاء إن لم نقل عن أصدقاء فإن الأمر الثاني ولا شك أكثر رفضا ولاسيما ونحن نتابع أن كل الحليب الأمريكي يصب في إناء الولي الفقيه على صعيد المنطقة وفي إناء بشار الأسد على الصعيد السوري .
الشعر العربي ديوان العرب ، ومن ديوان العرب يتعلم شداة السياسة والمتمرسون فيها الدروس والعبر . :
أقيم بدار الحزم ما دام حزمها ... وأحر إذا حالت بأن أتحـولا
وأستبدل الأمر القوي بغيـره ... إذا عقدُ مأفون الرجال تحللا
ذاك أوس بن حجر المتقدم على امرئ القيس زمانا ورتبة وحكمة ، والأمر القوي : المركب الصعب ، ومأفون الرجال : ضعيف الرأي منهم . وتحلل العقد كناية عن تشتت الأمر وفتور العزيمة .
نجزم أن حقيقة الموقف الأمريكي من سورية أصبح ، بعدما بات ، يتطلب تحولا حقيقيا في البحث عن حليف جاد ولو على أمور أكثر بساطة . فإذا كان الحلف مع الولايات المتحدة وما يسمى العالم الحر قد أثمر حتى الآن ما يعرف بمبادرة ( دي ميستورا ) ؛ فإن الحقيقة تقتضي منا أن نقول إن هؤلاء ( الحلفاء ) أشدُّ علينا وأكثر مجاهرة بعداوتنا من العدو نفسه . وربما لو فاوض أهل حلب عن أنفسهم كما فعل أهل داريا والمعضمية وحمص لأتوا بمعطيات أقل مهانة وسوء من تلك التي يقترحها أو يجترحها على المعارضة السورية دي ميستورا ..
وإذا كان شعار ( ما لنا غيرك يا الله ) يعلو بالهمم ويشحذ العزائم ويدفع السوريين إلى المزيد من الاستبسال والثبات ، وهو كلمة حق تقال في الموقف الحق ؛ فإن من استحقاقات هذا الشعار أن يجهد المرء في البحث عن سبب للنصرة كما يبحث المريض عن حبة علاج ...
لقد ربطت الولايات المتحدة موقفها بالعجلة الإيرانية – الأسدية من خلال جملة معقدة من المصالح الاستراتيجية ، ولعل أهمها أنها تريد للصراع الشيعي – السني أن يظل مشتعلا ، ولكي يظل مشتعلا فإن عليها أن تقف مع الأقلية ( الشيعة ) في وجه الأكثرية ( السنة ) لكي تجبر ضعفها وتصلّب موقفها . وكما سلط الفرنسيون يوما ( الأقلية ) على سورية وشعبها فنهشوها وهضومها وأخرجوها وشعبها من الإنجاز الحضاري والقومي والوطني ، تريد الولايات المتحدة اليوم أن تسلط الأقلية الشيعية 10 % من مجموع المسلمين في العالم على بقية المسلمين، لاستنزاف أموالهم وعقولهم وجهودهم وإشغالهم عن أي إنجاز حضاري تعمل على مثله الشعوب . ومن هنا فقد تركت الإدارة الأمريكية لحملة مشروع القتل والتدمير في سورية ، من المجموعات المتعددة التابعة للولي الفقيه ومنها عصابات الأسد ، الحبلَ على الغارب تقتل وتدمر وتنتهك
وبالمقابل فإن روسية ، وبعد مشكلاتها الذاتية في القرم وأوكرانيا وما فرض عليها من حصار دولي متعدد الأبعاد ، وشعورها أنها بحاجة ماسة لموطئ قدم شرق البحر المتوسط ، ومن إدراكها لحقيقة تخلي الإدارة الأمريكية عن الكرة السورية قد تركتها عالقة في الهواء ؛ تسعى جاهدة لالتقاط هذه الكرة ، وللعودة بجدية أكثر إلى المنطقة بعد أن أخرجت نفسها بعد مؤتمر جنيف 2 منها ...
الجديد في الموقف الروسي هذه المرة ، أن روسية تسعى إلى مبادرة منفردة تقدمها هي للشعب السوري بدون شراكة مع أحد . وإن بوتين ، في سبيل إعادة تحسين صورته عالميا كمنقذ إنساني وسياسي يبز نظيره الأمريكي ، يحتاج إلى شركاء حقيقيين من المعارضة السورية يعينونه على تحقيق هذا الهدف ...
والشركاء الحقيقيون هم الذين يجب أن يمتلكوا كل ما يحتاجه المفاوض الجاد الصادق ، الذي يعرف كيف يُطمع ويُمنع ، وكيف يأتون بحليفهم إلى بؤرة الموقف الذي يريدونه . سيكون خيار بوتين أو المفاوض الروسي الأولي : أن يختار بين : الشعب والثورة في سورية وبين بشار الأسد الفرد القاتل والمستبد . وبعد حسم هذه القضية يبقى كل شيء مجرد تفاصيل ..
لقد سبق الأستاذ معاذ الخطيب إلى الخطوة الأولى على طريق الألف ميل . وربما تكون مبادرته ، وهو الأعلم بحقيقة ما لديه من معطيات ، أساسا لمعارضين جادين صادقين يسعون إلى قطف العنب وليس إلى الشجار مع الناطور كائنا من كان هذا الناطور.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية