مهلا.. لا تظلموا الإخوان
بدر محمد بدر
لا أظن أحدا يجادل في أن جماعة الإخوان المسلمين هي أكثر التيارات السياسية في مصر، التي عانت من قهر السلطة واستبداد النظام البائد طوال ستين عاما، وهي تمثل ثلاثة أرباع عمرها في التربة المصرية، ودفعت في ذلك، عن طيب خاطر وسماحة نفس، أثمانا باهظة من حرية وعمر شيوخها وشبابها، ومن أموال وممتلكات أبنائها ومحبيها.
ولا أظن أحدا يجادل كذلك في أن الإخوان كانوا في طليعة المشهد الثوري الرائع، سواء في الإعداد له عبر سنوات طويلة من العمل الجاد والدائم، لإيقاظ الوعي والإيجابية، ومواجهة الظلم والقهر والفساد، وتربية الشباب على الحرية والكرامة الإنسانية، وغرس الأمل في مستقبل أفضل للوطن وأبنائه، في وسطية وسلمية واستمرارية يشكرون عليها، أو في الدفع بشبابهم وأبنائهم بقوة لإنجاح "ثورة التحرير" المباركة، خصوصا في الساعات الحرجة التي مرت بها، وهو ما شهد به الكثيرون، حتى أتم الله علينا وأقر أعيننا بنعمة النصر والحرية.
وكم عانى الإخوان من حملات التشويه والتعتيم الإعلامي، والتضليل الثقافي والفكري، والحرمان من أن يكون لهم منبرهم الإعلامي الحر، وهي حملات قادها جهاز "أمن الفساد"، وروجها إعلاميو النظام المنهار، والباحثون عن ذهب المعز، والطامعون في رضا السلطان، وبعض فلول الماركسيين واليساريين والعلمانيين، الذين تحالفوا مع الاستبداد والطغيان.
وبالرغم من هذه المعاناة القاسية والأليمة، وهذا الضغط الوحشي والمستمر من جانب النظام المستبد وأجهزته القمعية، فقد قدم الإخوان لوطنهم وشعبهم الكثير من المشروعات والخدمات المهمة والمؤثرة، سواء في بناء وإدارة المدارس الجادة التي تخرج منها ولا يزال ملايين الطلاب، ويتسابق الكبار ليلحقوا أبناءهم بها لتميزها، أو في بناء وإدارة المستشفيات والمستوصفات الطبية التي تقدم العلاج المجاني أو بأجر زهيد للفقراء في المناطق الشعبية والريفية، أو في إنشاء وإدارة الجمعيات الخيرية والخدمية والفئوية، التي ترعى الفقراء والأيتام والمساكين والأرامل، وتقدم لهم إعانات شهرية أو موسمية من تبرعات المواطنين.
وعلى المستوى السياسي كان أداء نواب الإخوان في مجلس الشعب، جادا وموضوعيا وواعيا بمصالح وهموم الوطن والمواطنين، بشهادة كثير من الباحثين والسياسيين المنصفين، ولم يكن دورهم في النقابات المهنية بأقل كفاءة وأمانة ومسئولية، وقدموا الكثير من المشروعات الخدمية والمهنية مثل: العلاج والتكافل والتدريب والقروض والسلع المعمرة وغيرها، حتى أوقفتها حكومة الفساد والاستبداد.
وإذا كان هذا هو أداء الإخوان المسلمين وهم تحت سيف القهر والطغيان، وظلم التعسف والاضطهاد، وقسوة الحرمان من أبسط حقوق المواطنة، فماذا يكون أداؤهم وهم في بحبوحة الحرية، ونعمة الأمن والأمان، ووطن الشفافية والعدالة؟ ماذا نتوقع منهم وهم يشعرون بأن هذا وطنهم الذي يحتاج إلى أقصى جهودهم، وأن هذه حكومتهم الأمينة على شعبها ووطنها، التي لن تظلمهم؟ بالتأكيد سيكون الأداء أفضل والعطاء أقوى والتفاني أكبر.
إنني أؤمن بأن جماعة الإخوان ليست ملكا لأبنائها وقادتها فقط، بل هي أيضا ملك لهذا الوطن الحر، ولهذا الشعب الكريم، وإذا كان من حقها أن تجد المظلة القانونية المشروعة، التي تمارس من خلالها أنشطتها وتقدم رؤيتها، فإن من واجبها كذلك أن تستمع إلى الآخرين، وأن تناقش بقلب مفتوح وعقل منفتح كافة القضايا التي تهم الوطن، وأحسب أنها فاعلة.
وما زلت أذكر كلمات الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق لقيادات الإخوان: "نحن (كسلطة ومسئولين وقادة) نعتذر ونأسف أن حرمنا مصر من مجهودات هذه الجماعة المباركة سنين طويلة".
إنها فرصة انتظرها الإخوان منذ أكثر من نصف قرن، ليثبتوا أنهم أصحاب رسالة تخدم هذا الوطن، وتحقق الخير لأبنائه، وأعتقد أنها الآن سانحة.