الثورة الثقافية
رفيق رسمي
القضية الأساسية والجوهرية التي يعاني منها الشعب المصري والعربى عموما، هي قضيه فكرية بحتة ثقافيه معلوماتيه ،لأنها هي المحرك الجوهري لكافه سلوكياته وعاداته وتقاليده ومشاعره وعواطفه وأحاسيسه وأحلامه وطموحاته ، فالقاعدة العريضة تعاني بشده من الفقر في الفكر، والبقية الباقية منه يحيا في فكر الفقر. وما بين الفكريين عوامل مشتركة عديدة للغايه، هذا بالإضافة إلى أن الفكر الموجود والمنتشر فكر موبوء مملوء بعدد لا نهائي من الميكروبات والفيروسات والبكتريا الفكرية والمعلوماتية القاتلة، فيحيا العربي طوال عمره مريض عاجز مشوه نفسياً وعقلياً ووجدانيا، وهو يعتقد ويتوهم أنه في كامل الصحة النفسية والعقلية والوجدانية،
لأن الساسة ورجال الدين يوهموه بذلك ليل نهار وبكافة الوسائل وبأساليب متعددة متنوعة، ولأنه لم يرى الصورة الصحية السليمة للإنسان الحر التي ينبغي أن يكون عليها، وإذا رآها عن طريق وسائل الإعلام يقنعوه أنهم كفرة مصيرهم المحتم هو النار وبئس المصير، فالفكر الراقي المنهجي العلمي المنطقي هو من أهم الأشياء القادرة على إحداث تغيير حقيقي في حياة الشعوب للأفضل، والفكر أيضاً هو القادر على الهبوط بها إلى أسفل السافلين والى الهاوية. وهذا يتم تلقينه منذ نعومه الأظفار ( الطفولة المبكرة )،
والفكر لا يواجه بالاستنفار أو بالمشاعر المعادية أو باللطم على الخدود. الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وليس بالقتل والتكفير والتخوين والاتهام بالارتشاء والعمالة.. ومن ثم نحتاج إلى طرح ثقافي فكري حضاري مستنير يتم غرسه في مناهجنا التعليمية ووسائل اعلامنا منذ نعومة الأظفار وحتى النضوج حتى يصير منهج كامل للحياة... فإذا نجحنا في ذلك استطعنا أن ننير الساحة كلها -وهذا غاية المراد، فالفكر يؤدي إلى الحرية التي تقود إلى الإيمان الحقيقي بالله، لأنه إذا فقدت الحرية بطل الإيمان بالله كله من جذوره، فلا يوجد الإيمان السليم ولا يحيا إلا في أجواء كاملة من الحرية، ولذلك خلقنا الله أحراراً حتى في عصيانه ومخالفة إرادته، أحرارا حتى في أن نكفر به ونشرك به ، أحرارا في ارتكاب المعاصي والذنوب ، لأن اختيار الإيمان به يكون بالإرادة الحرة الكاملة الواعية الناضجة ، وعندئذ يكون الإيمان به أقوى وأعمق وأشد أثراً وتأثيراً على أنفسنا وعلى حياتنا وعلى الآخرين وعلى المجتمع كله ويظهر سلوكنا يوضح إيماننا بوضوح دون أدنى لبس أو شك ، ( فالإيمان بدون أعمال ميت )* اى لا قيمه له ( فذا كنت أنت تؤمن بالله حسنا تفعل والشياطين ايضا تؤمن وتقشعر منه وترتعب ) بل وإيمانها به اكبر منك لانها تعلم بوجوده تمام العلم ، ولكن سلوكها يميزهم أنهم شياطين ،
فإذا قدمنا فكراً مستنيراً منهجياً علمياً منطقياً نقدياً في كافة وسائل التنشئة، ويكون جوهره الحرية والإبداع ، نكون قد قدمنا لمصر خدمة كبيرة وجليلة خاصة في ظل الظروف التي تعيشها الآن، فمن يحب مصر يكون من دعاة الحوار.. دعاة الديموقراطية.. دعاة الاعترف بالآخر مهما كان الآخر مختلف عني، فالاختلاف سُنة الوجود، والاختلاف إثراء وثراء للفكر.. دعاة محبة للإنسان في كل مكان وزمان، لأن الإنسان من صنع الرحمن ، ومن يحب الخالق يحب صنعة يداه، لا أحد يملك الحقيقة الكاملة، والذي يقول أنه يملكها يصف نفسه بالجهل وضيق الأفق والتعسف والحمق. فالحقيقة المطلقة هي الله ذاته، فمن يستطيع أن يدعي أنه يعرف الله معرفة كاملة وشاملة؟ المتاح لنا من المعرفة يأتي بالحوار الذي نؤمن به، ونرفض رفض الآخر ونعترف بكافة حقوق الآخر أياً كان. كلنا نسعى للتفاهم والتعارف والتقارب لأننا نؤمن بمصر أولاً وقبل كل شيء، ونريد أن نعمل لمستقبل أفضل لها ولنا ولأولادنا. فنهضة كافة الشعوب قامت على قدمين أحدهما هو البحث العلمي أو المنهج العلمي في الحياة (وهذا ما نفتقر إليه تماماً في كل مناحي الحياة وفي أسلوب تفكيرنا) والقدم الأخرى هي سيادة القانون حتى على المسئولين الكبار. وبدون هذين القدمين يستحيل أن يحدث لأي شعب من الشعوب أي تقدم.
إن المشكلة الأساسية والجوهرية قائمة في القاعدة الشعبية العريضة والبسطاء من الناس الذي يجب أن يبدأ منها وبها ولها أي حوار لأنها الأغلبية، وهي التائهة ولا توجد بوصلة توجهها. فالثورة الثقافية هي التي ستعيد لمصر قوتها، ويجب أن تبدأ من البسطاء والأميين، أما المثقفين فلا توجد بينهم مشكلة في الحوار، والمشكلة الجوهرية الأخرى التي يعاني منها الشعب المصري والعربي -بصفه عامة- هي الاعتراف بالمرض الثقافى ، وهي خطوة هامة للغاية للعلاج، فمن يعترف بمرضه يبحث عن العلاج، أما المريض الذي لا يعترف بمرضه فسيتوهم أنه صورة كاملة للصحة حتى يموت بداءة، إذاً يجب أن نعترف أن المجتمع المصري مريض مرض عضال ويواجه أنواع شتى من الأمراض والمشاكل والانهيارات، ويجب أن نعترف أيضاً أن شكاوى الأقباط وكل الاقليات العرقيه والدينيه ومتاعبهم حقيقية ونعمل جاهدين لحلها، ولكننا تعودنا ألا نواجهها، تعودنا على حلول النعامة، فالعلاج الحقيقي للمرض المزمن الذي نعاني منه، يكمن في دستور علماني لدولة علمانية تعدل بين كافة المصريين مهما اختلفت انتمائهم الدينية أو العرقية.
ولن يأتي هذا العلاج إلا بتكاتف جهود كافة الشخصيات العامة من المثقفين المهمومين بهموم الوطن، لتقديم نموذج ثقافي مصري حضاري قائم على خلفية إنسانية بحتة بضم تيارات متعددة من كافة الألوان الثقافية والسياسية والدينية بكافة مذاهبهم وطوائفهم، لإثراء الفكر بتعدد الرأي من أجل اكتشاف الحقيقة وسط عالم يموج بصرا عات مختلفة، حتى تعود لها مكانتها الحقيقية على المستوى الدولي.