وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ
محمود القلعاوي /مصر
مستشار اجتماعي وتربوي على شبكة الإنترنت
[email protected]
(
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ
وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ
وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ
وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
) سورة آل عمران : 26
كثيراً ما كنت أسمعها .. كثيراً ما كنت أقرأها .. ولكنى ولأول مرة أراها بعينى ..
أرى يُؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء .. أرى أن الله عز وجل يرفع من يشاء
ويعز من يشاء ..
فلقد رأيت ينزع الملك ممن يشاء
فى هؤلاء الذين كانوا يظنون أنهم آلهة على الأرض يسقطون الآن ويقعون خلف السجون
التى بنوها بأيديهم وفى نفس الأماكن والزنازين التى وضعوا من يقولون ربى الله فيها
.. نعم كانوا يشعرون بألوهيتهم .. ألم يقل أحد وهو يعذب أحد ضحاياه - واستغفر الله
من ذلك :- ( إن الله لا يستطيع أن يأتى هنا ) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى
العظيم .. وقال آخر :- ( أين الله المستعان التى تقولها .. أين عون الله لك وأنت
هنا ) .. سبحانك يا جبار .. حقاً تنزع الملك ممن تشاء .
رأيت ينزع الملك ممن يشاء فى هذا الرجل الذى كان يحكم البلاد
والعباد ، وينسى خالق العباد .. وقد كان القرب من ذكر اسمه بشكل غير لائق أمر جالب
للمتاعب والمشاق وقد يخرجك هذا من الزمان والمكان .. وها هو الحال ينقلب به إلى
أسوأ حال .. وقد صار يُسب ويُلعن وضمن ما يقال له يا ( حرامى رد إلينا أموالنا )
وغير ذلك من إهانات .. صار مطروداً مقهوراً .. الجميع يتبرأ منه .. وسبحان من يُؤتى
الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ..
رأيت ينزع الملك ممن يشاء فى كلام صديقى وهو يصف حال هؤلاء
الضباط الذى ينتمون لهذا الجهاز - الذى يهتم بذعر وإخافة الدولة بدلاً من أن يكون
آمناً لها - وقد قيدوه بالحبال وأجلسه على الأرض وهو فى حالة ذعر وخوف .. وهذا
الضابط الذى ظهر فى أحد اللقطات وهو خائف مذعور .. وسبحان المغير للأحوال كم قيدوا
؟! .. وكم خوفوا ؟! .. وكم قهروا ؟! .. وكم .. وكم ..
رأيناها من القديم فمن يعقل ؟! ..
ولقد نقل لنا التاريخ صوراً من نزع الملك ممن شاء الله أن ينزعه منه .. ألم ينزعه
من فرعون الذى طغى وبغى وعلا وتجبر ، حتى قال :- ( أنا ربكم الأعلى ) .. فكانت
نهايته فى الماء الذى قال عنها :- ( وهذه الأنهار تجرى من تحتى ) فجرت من فوقه ..
وسبحان المنتقم .
نراه نزع الملك حين أهلك الطاغية "النمرود" بعد رحلته الطويلة فى الطغيان
والاستبداد .. ومع كل هذا التجبر الذى أظهره تكون نهايته ببعوضة سلبته عافيته،
وكانت بها نهايته وهلاكه .
نراه نزع الملك فى مصرع فرعون أمتنا أبى جهل الملعون فى غزوة الفرقان غزوة بدر ..
فكان هلاكه على يد ابنى عفراء، وهما صبيان صغيران من أبناء الأنصار .. ثم تأتى
النهاية على يد رُويعى الغنم عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه.
تمليك عارية .. فمن يفهم ؟!
ويُبدع صاحب الظل حول الآية فيقول :- ( إنها
الحقيقة الناشئة من حقيقة الألوهية الواحدة . . إله واحد فهو المالك الواحد
. .
هو ( مالك الملك ) بلا شريك . . ثم هو من جانبه
يملك من يشاء ما يشاء من ملكه .
يملكه
إياه تمليك العارية يستردها صاحبها ممن يشاء عندما
يشاء . فليس لأحد ملكية
أصيلة
يتصرف فيها على هواه . إنما هي ملكية معارة له
خاضعة لشروط المملك الأصلي
وتعليماته
..
فإذا تصرف المستعير فيها تصرفا مخالفا لشرط المالك وقع هذا التصرف
باطلا
.
وتحتم على المؤمنين رده في الدنيا . أما في الآخرة
فهو محاسب على باطله
ومخالفته
لشرط المملك صاحب الملك الأصيل . ) .. حقاً صدقت أيها المبدع .. ما أعمق فهمك
للآيات ..
من عجائب نهاية الظالمين
يقول :-
رأيت يوماً صياداً قد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني .. فجئت إليه فقلت :- أعطني هذه
السمكة .. فرفض الصائد فبثمنها يأتى بطعام لأولاده .. فضربته وأخذتها منه قهراً ،
ومضيت بها .
وبينما أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية ، فلما جئت بها إلى بيتي
وألقيتها من يدي شعرت بآلم شديد فى إبهامي ، حتى لم أنم من شدة الوجع والألم، وورمت
يدي.
فلما أصبحت أتيت الطبيب وشكوت إليه الألم ، فنصحنى بقطع يدى فهى بدء الأكلة، فقطعت
إبهامي ، ثم ضَربت عليّ يدي فلم أطق الحياة من شدة الألم.. فنصحنى الطبيب بقطع كفتى
فقطعته، وانتشر الألم ينتقل من مكان لمكان .. ولا أطيق الحياة مع هذا الألم ..
فوقفت مع نفسى متفكراً ما فعلت فى حياتى لكل هذا الألم .. فتذكرت قصة السمكة ..
فرجعت إليه محاولاً استرضائه .. فلم أزل أطلبه في البلاد حتى وجدته،، فوقعت على
رجليه أقبلها وأبكي .. اسأله العفو .. فسألنى مستغرباً :- لكن من أنت ؟
فذكرته بنفسى .. فرد علىّ :- قد أحللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء .
فسألته :- هل دعوت عليّ لما أخذتها منك ؟
فأجابنى :- نعم .. قلت وقتها :- اللهم إن هذا تقّوى عليّ بقوته على ضعفي على ما
رزقتني ظلما فأرني قدرتك فيه .. وسبحان المنتقم الذى ينزع الملك ممن يشاء .