أيَّ الثقافتين نريد
حسن قاطرجي
لا يشك متتبِّع لأحداث العالم الإسلامي وثورات التغيير في عدد من بلاد المسلمين كالتي تسارعَتْ في تونس ومصر، ثم بدأتْ في بلاد أخرى وحَمِيَتْ في هذه الأيام في ليبيا الصامدة الصابرة... واللهُ أعلم ما التي ستليها إذ الحبل على الجرّار، بعد عهود الظلم والإقصاء واستعباد الشعوب وخنق الحريات والاستفراد بثروات وخيرات المسلمين من قِبَل طُغَم ومافيات متغوّلة في شَرَه الثراء ووحشية الظلم والتعذيب في السجون، فضلاً عما هو أخطر من ذلك وهو تغريب الأمة ثقافياً وسياسياً، وإهانتُها وإلحاقُها بالأجنبي والتآمر على دينها وحَصْرُه في المناسبات الاحتفالية وزوايا الشعائر التعبدية ومظاهر نفاق المتملِّقين من مشايخ السلاطين الجبناء الفجار، وإهانة العلماء الربانيين المجاهدين الأبرار ....
لا يشك المتتبِّع أنها علامة فارقة في التاريخ المعاصر ونقطةُ تحوُّلٍ نوعية في المسار السياسي والمناخات الثقافية في بلاد المسلمين، كما أنها برزخ بين نمطَيْن من الثقافات:
1. بين ثقافة التبرير للواقع وليّ نصوص الوحيَيْن المباركة (القرآن العظيم والسنة المطهرة) لإعطاء شرعية للواقع الظالم المتخلِّف المهترئ الذي تعيشه الأمة، وثقافة التوصيف الموضوعي للواقع للبناء على هذا التوصيف خارطة طريق التغيير.
2. بين ثقافة الجبن والاستخذاء التي يحاربها الدين الحق وتتمالأ نصوصُه على تسخيفها وتبشيعها، وثقافة الجرأة في المناداة بالحق والعزة في حَمْله «لتأخُذُُنّ على يد الظالم ولتأطِرُنّه على الحق أطراً ولتقصُرُنّه على الحق قصراً أو ...» كما قال صلى الله عليه وسلم متوعِّداً.
3. بين ثقافة انهزام الدين المزيَّف وإقصائه وحصره وإهانته!! مع أن الله تعالى يقول: )لا يَغُرَّنكم تقلُّبُ الذين كفروا في البلاد، متاعٌ قليل ثم مأواهم جهنَّمُ وبئس المهاد(، وثقافة استعلاء الدين الحق لأنه دين رب العالمين وليس قانوناً بشرياً ومنهجاً وضعياً ولا شعائرَ لا تُحق حقاً ولا تُزيل باطلاً ولا تَعْمُر قلوباً ولا تُحارب ظلماً ولا تنشُرُ عدلاً.
4. بين ثقافة الاستسلام، وثقافة الدفع التي بَصَّرنا بها ربُّنا لئلا ينتشر الطغيان ويفشُوَ الفساد: )ولولا دَفع الله الناس بعضَهم ببعض لفسدت الأرض(.
5. بين ثقافة التجهيل للشعوب وإغراقِها في الظلام وإبعادِها عن الوعي السياسي والمشاركة في الشأن العام وإرعابِها بالتخويف وعلى رأس الشعوب العلماء، وثقافة العلم والتنوير والوعي السياسي ومتابعة أمور الناس وأوضاع البلاد والرقابة على الحكام ومساءلتهم ومحاسبتهم.
نعم إن مسؤولية العلماء الصادقين في هذه المرحلة مسؤولية كبيرة بعد أن يحققوا النُّقلة البعيدة المنشودة ويخرجوا من كونهم أرباب الشعائر كما يُسمّونهم في بعض بلاد المسلمين إلى أن يكونوا أمناء الشرائع والشعائر وحَملة رسالة الدين والرقباء على الحكام.
فاللهم أرنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه وحبِّبنا فيه واستخدمنا لنصرته
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرِّهنا فيه واستخدمنا لإزالته