سفينتان حربيتان إيرانيتان في ميناء اللاذقية

لماذا علينا أن نقلق؟

زهير سالم*

[email protected]

وصلت سفينتان إيرانيتان حربيتان مساء الخميس 24 / شباط ( فبراير ) إلى ميناء اللاذقية عبر قناة السويس. وقد تطلب عبور السفينتين الإيرانيتين لقناة السويس قرارا مصريا متأنيا من القيادة العسكرية في مصر، كما رافقهما أثناء عبور القناة إجراءات  أمنية مصرية مشددة. وتسبب ذلك أيضا بحملة تحذيرات واحتجاجات صهيونية، لا ندري لماذا يعتقد هؤلاء الناس أن لهم حقا في التأثير على قرار سيادي مصري محض؟!

 بغض النظر عن موقفنا من زيارة السفينتين للموانئ السورية فإن من الواجب أن نتقدم بالتحية إلى القرار المصري الجديد، الذي اعتبر عنوانا لتحول مرتقب، وتعبيرا عن استقلالية افتقدها هذا  القرار منذ عقود

السفينتان اللتان وصلتا إلى ميناء اللاذقية هما سفينة الإمداد ( خرق ) التي يبلغ زنتها 33 ألف طن ويتألف طاقمها من 250 شخص، وتستطيع تحمل ثلاث مروحيات. والسفينة الثانية هي فرقاطة الدورية ( الفائد ) وهي مزودة بطوربيدات وصواريخ مضادة للسفن. وكلا السفينتين بريطانية الصنع.

وكان مسئول إيراني قد صرح أن متدربين للبحرية على متن سفينة حربية أرسلوا في بعثة تدريبية لمدة عام عبر خليج عدن. وقالت المصادر إن مهمة هاتين السفينتين إجراء مهام تدريبية وفق الاتفاقات العسكرية المبرمة بين سورية وإيران...

إنه مهما حاول المتحدثون عن هذه الزيارة قصرها على إطارها التدريبي العسكري البحت؛ فلا يمكن بحال تجريدها من أبعادها ومدلولاتها السياسية. ولاسيما ومنطقتنا العربية تعج بالأحداث والاضطرابات والمتغيرات.

 لقد ارتكزت السياسة الخارجية السورية منذ الاستقلال على النأي بنفسها عن سياسة الأحلاف والمحاور بكل أشكالها. حتى في أيام الحرب الباردة مع قسوة سنيّها وجدت السياسة السورية والشعب السوري مخرجه الأكرم للنأي بنفسه عن هذه السياسات في الانضمام إلى كتلة عدم الانحياز لتحفظ سورية نفسها من تحمل آثام الانخراط في دوائر صراع عالمية لا ناقة لها فيها ولا جمل ، والتي كان من الممكن أن تحمل  البلد مآسي الحروب والدمار.

رفضت سورية حلف ( وارسو ) و(الحلف الأطلسي) وما سمي في ذلك الوقت (بالحلف الإسلامي)، على الرغم من المغريات المحمومة، لاعتقاد الساسة السوريين أن هذه الأحلاف ستؤثر في السيادة، وتجرح مفهوم الاستقلال.

كان المواطن السوري إذا سمع أن قطعة بحرية من قطع الأسطول السادس الأمريكي، الذي كان موكلا بحراسة المتوسط، قد رست في ميناء من الموانئ اعتبر ذلك دليل إدانة للدولة التي استضافت تلك القطعات. وكانت أحيانا تنطلق المظاهرات الشعبية في شوارع دمشق وحلب وبقية المدن السورية لمجرد اقتراب سفن ذلك الأسطول من المياه الإقليمية لدولة عربية..

في مطلع الثمانينات فاجأ الرئيس حافظ الأسد الشعب السوري بمعاهدة صداقة مع الاتحاد السوفياتي، قيل يومها إنها كانت ردا على الحراك الشعبي الذي تعاظم فشمل كل قطاعات المجتمع السوري. أراد الرئيس يومها أن يقنع نفسه ومن حوله ، أن هذا الحراك الشعبي مدعوم من الخارج أو متصل به!! ثم بدأت السفن السوفياتية ومن بعد الروسية تطل على الموانئ السورية محمِّلة الوطن والمواطن المزيد من الأعباء والأخطار والتهديدات والعقوبات.

وكان الرئيس بشار الأسد قد سئل مرة عن رأيه في انضمام تركية إلى الاتحاد الأوربي؟ فأجاب بأنه سيرحب بهذا،  لأن سورية ستكون عندها جارة لهذا الاتحاد، ( نحن والقمر جيران ). بهذا المفهوم فإن سورية اليوم هي جار للناتو في الشمال التركي، وهذا يشكل تهديدا لأمننا القومي يوم كنا نفكر أن التهديد هو ما يأتي من خارج الوطن..  وقطرنا اليوم  جار اضطراري للمحتل الأمريكي في الشرق، وللمحتل الصهيوني في الجنوب... وبدلا من أن تسعى السياسة السورية إلى معالجة أزماتها الداخلية والخارجية، تذهب إلى تحميل سورية الوطن والمواطن مسئولية الانضمام إلى محور مع دولة مثل إيران لن يجلب علينا الحلف معها إلا المزيد من المهددات الوطنية والقومية والدولية..

لا أحد يجادل أن إيران جزء من الجغرافيا وهي دولة جارة يجب أن تربطنا بها قواعد حسن الجوار.

ولا أحد ينكر أن إيران شريك حضاري على مستوى العقيدة والثقافة والتاريخ بمعنى السيرورة من الماضي إلى الحاضر والمستقبل.

ولكن لإيران الدولة ببعديها القومي والمذهبي أجندة خاصة مباينة لأجندة امتنا ولمشروعها الحضاري والثقافي.

ولإيران مشكلاتها الخاصة مع دول العالم ومجلس الأمن ونعتقد أنه ليس من الحكمة في شيء أن نزج بقطرنا في تبعات سياساتها وخياراتها التي ربما تشكل لنا تهديدا على المستويين الوطني والقومي.

وحين نتابع المشروع الإيراني يمتد على مربعات الجغرافيا الإسلامية، لا ينشط للدعوة إلى الإسلام، ولا يحارب لصد هجمات الحاقدين، وإنما يقدم الرجال ويبذل الجهد والوقت والمال لتفتيت وحدة المسلمين، وإحياء ما انقضى من أحقاد التاريخ، والتحريش بين أهل القبلة بعضهم ضد بعض؛ فإن من حقنا أن نقلق من زيارة سفن حربية إيرانية لموانئنا..

وحين تصر السياسات الإيرانية أن تبادي شعوب أمتنا بالعداوة، فتحرك الفتن، وتثيرها وترعاها مرة في اليمن وأخرى في البحرين وثالثة في أفغانستان وأذربيجان ثم نرى عينا حمراء تتجه نحو قطرنا فإن من حقنا أن نقلق أكثر..

وحين يقول السيد حسن نصر الله في لبنان إنه تلميذ في مدرسة الولي الفقيه ثم نجده من خلال ( الكتلة البشرية الصماء ) التي يضمنها له الولي الفقيه يتغول بديمقراطية عددية، ومن خلال سياسات التفتيت على بقية مكونات الشعب اللبناني، فينفرد بالذي له، ويتحكم بالذي للآخرين.. فإن من حقنا أن نقلق لرؤية السفن الحربية الإيرانية ترسو على شواطئنا.

وحين نتابع أمر الكانتونات  الصغيرة التي تزرعها دولة إيران بين ظهرانينا في شام ابن الوليد ومصلى مروان: مزار مقدس، ومشهد مزعوم، واستثمار موظف، وبعثات تفتيتية وليست تعليمية، ونفث في العقد، وتسلل من وراء طموح الطامحين ، وطمع الطامعين، واستغلال لجوع الفقراء والمعوزين، وكبت المكبوتين؛ فإن من حقنا أن نشتد قلقا لحركة كل جندي إيراني نعتقد أنه ما جاء إلا ليجوس خلال الديار..

ومع أمنياتنا لأهل إيران في ديارهم بكل خير ورشد وهداية وتنوير،  نؤكد أن سورية أكبر من أن تكون مذنبا تابعا في منظومة ( الولي الفقيه ). وأن استقلال سورية وسيادتها يقومان على البعد عن سياسات المحاور والأحلاف، ولاسيما حين تكون هذه المحاور مع الذين يحاولون الذهاب ببهاء فتوحات سعد وأبي عبيدة وابن الوليد..

نعم نحن قلقون من محور غامض لا نعرف ماذا يجمع أطرافه ولا على ماذا يقوم..

                

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية