مصر.. عشوائية الزيادة
علاء الدين حمدي
ـ الزيادة المقررة لمرتبات العاملين فى الدولة وأصحاب المعاشات إذا تمت دون إعداد ودراسة أوتدبير لموارد التمويل كما هو غير مفهوم أو معروف حتى الآن ، يفسر على أنه محاولة لرشوة المحتجين وتهدئة أصحاب الصوت الأعلى دون حساب لعواقب ذلك ومستقبله ، خاصة إذا لجأ صاحب القرار الى الحل الكارثى السهل ، أى التوسع فى طباعة أوراق النقد دون أن يقابلها موارد حقيقية ، وهو تخوف ملموس تدفعنا اليه عجالة القرار وتوقيته وعدم مكاشفة الشعب بمصادر تمويله ، أى غياب مفهوم المصارحة ، المصارحة التى نتمنى أن تصبح سمة وثقافة للعهد "الجديد" !
ـ فالمعروف أن أى زيادة لا تمثل حلاً جذرياً إذا لم يصاحبها ضخ سلع ومنتجات تجنب الأسواق حدوث تضخم نتيجة تصاعد عمليات الشراء ، خاصة مع عدم تحقيق قدر مناسب من الاكتفاء الذاتى من السلع أوالمحاصيل الغذائية طوال الفترة السابقة ، وهو ما يستوجب ، على حد فهمى ، تقليص حجم النقد المتداول مقابل زيادة المعروض من السلع والخدمات لتقليل معدلات التضخم وليس العكس ، أو زيادة حجم النقد المتداول مقابل زيادة أكبر فى المعروض السلعى ، والا فالنتيحة اشتعال الأسواق واعادة ترتيب السلم لتخرج منه الى القبور فئة معدومى الدخل والملايين من أصحاب معاشات الضمان الاجتماعى على اختلاف أنواعها التى تتراوح قيمتها بين أقل من 50 الى 130 جنيها ، لتحل محلها فئة محدودى الدخل ، التى سيحل محلها فئة متوسطى الدخل ، وهكذا حتى قمة السلم التى ستشغلها فئة جديدة من السماسرة وتجار السموم والمحتكرين أصحاب المكاسب السهلة .
ـ كنت أتمنى ، مع الإعلان عن الزيادة ، أن يُعلَن صراحةً كيف تمت دراستها وتدبرت مواردها لتكون جزءً من منظومة علمية متكاملة لتحسين أوضاع جميع شرائح الشعب كما وعدنا وزير المالية الجديد فى حديثه عن دراساته العلمية وتجاربه الناجحة ، لأن الزيادة المقررة ، كما يعلم سيادته ، سيستفيد منها أقل من 14 مليوناً من المؤمن عليهم بين موظف وصاحب معاش ، بما فيهم أصحاب معاشات الضمان الهزيلة ، رغم أن عمالة القطاع الخاص المسجلة لن يمكن لجميعها الحصول على الزيادة فى ظل عدم استطاعة أصحاب الأعمال تحمل قيمتها ، وعلى خلفية البطالة وكثرة العرض وقلة الطلب للوظائف ، بينما واقع إجمالى حجم سوق العمل الحقيقى فى مصر غير المسجل يزيد عن ذلك كثيراً ، حيث يضم العاملين فى قطاعات أخرى لن تشملها الزيادة كأصحاب المهن الحرة والعاملين لدى الشركات الخاصة الصغيرة والفلاحين وعمال اليومية والعمالة المؤقتة بل والأطفال أيضا الى آخره ، وجميعهم يمثلون الحجم الأكبر والأكثر تضرراً ناهيكم بالطبع عن العاطلين ، إضافة الى أصحاب الودائع والمدخرات البنكية والتى لن تزيد أرباحها بنفس نسبة زيادة المرتبات إن لم تقل ! فهى العنصر الوحيد الذى يمكن للحكومة ، كما عهدناها ، التحكم فيه بطريقة الإذعان لمعالجة أخطائها وتقليص حجم التداول النقدى على منظور السوق بأكمله ولكن بنسبة ضئيلة جداً , إضافة الى أنه لن يمكن إلزام شركات الخدمات أو المنتجات المسعرة كالأدوية وخلافه بزيادة مرتبات العاملين فيها دون أن يقابل ذلك رفع أسعار خدماتها ومنتجاتها أو التخفيض فى جودتها .
ـ الحل فى رأيى المتواضع يتمثل على محورين ، الأول مؤقت بأن توجه الزيادة المقررة الى صندوق الدعم ، أى زيادة الحصة العينية من السلع الغذائية لأصحاب بطاقات التموين ، حوالى 64 مليوناً من عدد المواطنين داخل مصر ، وبالتالى تستفيد منها كافة شرائح الشعب المعنية ، والمحور الثانى ليس له على المدى البعيد إلا زيادة الانتاج لخلق فرص عمل جديدة ، فالأسرة التى تتكون من متوسط 5 أفراد منهم 3 أبناء بينهم من يستطيع العمل ويبلغ مرتب عائلها مثلاً 1000 جنيه ستزيد قليلاً بعد زيادة نسبة الـ 15% من الأساسى ، من الأفضل له وللمجتمع أن يعمل ابنه أو ابنته بدلاً من زيادة راتبه الشهرى ولو بنسبة 50% ، وبإمكان الشعب أن يصبر ، كما صبر طويلاً ، بشرط أن يلمس جدية العمل ومنهجيته العلمية ومصداقية التنفيذ بجدول زمنى مدروس ومحدد يلمس نتائجه تدريجياً ، وهو حل تدعمه سرعة استعادة الأموال المنهوبة لتمويل فتح المزيد من المصانع والمزارع ، واستعادة الشركات العملاقة التى فرط فيها عاطف عبيد ومحمود محى الدين وزبانيتهما وتوظيف عمالتها وكوادرها مرة أخرى ، كذلك القضاء على الاحتكارات والامتيازات غير القانونية واستعادة الأراضى المستولى عليها دون وجه حق وتسليمها للجادين الذين يمكنهم زراعتها أو الاستفادة منها لأنفسهم ومن ثم للصالح العام سواء من الشباب أو الشركات المحترمة التى تلتزم بتعيين الشباب ، بمعنى إسترداد مقومات الوطن ومقدراته ولو بتأميم ما سُرِق ونُهب منها ، فالشرعية القادمة شرعية الشعب .. كما نامل ونتوقع ! لا شرعية العقود الفاسدة والرشاوى والعمولات ، وما زلت أذكر الإنذار الذى وجهه السفير الكندى فى مصر للحكومة المنحلة طالبها فيه بتنفيذ عقد شركة الأسمدة فى دمياط والا ستضطر حكومته للتقدم بـ "شكوى دولية" للحصول على تعويض واسترداد "العمولات" .. هكذا بصراحة ووجه مكشوف !
ـ ضمير مستتر:
نحن نجتاز موقفاً تعثر الآراء فيه وعثرة الرأى تُردِى
فقفوا فيه وقفة الحزم وآرسوا جانبيه بعزمة المستعدِّ
"حافظ ابراهيم"