من حسن البنا إلى شباب التحرير

من حسن البنا إلى شباب التحرير:

احذروا الهرمزان !!

الإمام الشهيد حسن البنا

عبد الحليم الكناني

هذه إحدى نوادر المقالات الرائعة التي كتبها إمامنا الشهيد حسن البنا ، ننفرد بنشرها  في ذكرى استشهاده وهي حلقة في سلسلة روائع تراث إمامنا الشهيد.

وهذه المقالة الواعية موجهة في المقام الأول الى الدعاة الى الله العاملين للإسلام  وحاملي رايته والمجاهدين في سبيله في مختلف ميادين الدعوة والتربية والجهاد ، تبصرة وذكرى ، مستمدة من قول الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم " المؤمن كيس فطن " وقوله صلى الله عليه وسلم " لايلدغ المؤمن من جحر مرتين " وترجمة لقول الفاروق عمر رضي الله عنه " لست بالخب ولا الخب يخدعني .

وهي كلمة داعية واع بصير ، تنم عن فقه كاتبها العميق لتاريخ الإسلام والمسلمين ، وماحواه من مواقف ومآسي ونكبات ، كان طرفاها دائما :

لؤم وخداع رهيب من المتآمرين الغادرين وسذاجة مفرطة من المؤمنين ، لعل العاملين للإسلام أن ينتبهوا ويتعظوا بدروس التاريخ .

ونهديها اليوم الى شباب مصر الطهار الأنقياء الذين خرجوا يواجهون الموت في سبيل إصلاح هذا البلد المنكوب ، ويواجهون فراعين مصر المستكبرين الظالمين الذين أذاقوا هذا الشعب ألوان العذاب والهوان ، ثم نرى فلولا من المنافقين والمتسلقين والمتربصين يحاولون ان يلتفوا حول هذه الثورة الرائعة ويسرقوا ثمار هذا الجهاد العظيم ، وهذه التضحيات الغالية ، ولايحتاج الأمر مزيد بيان وتفصيل ، وكل لبيب بالإشارة يفهم .

عبد الحليم الكناني

                

وهذا نص المقالة :

توبة الهرمزان :

احترسوا من الناس بسوء الظن

الإمام : حسن البنا

" الهرمزان قائد فارسي صمد للجيوش الإسلامية في بدء الفتح مدة طويلة حتى أسر وجئ به إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فاستأمن وأسلم وقبل منه سيدنا عمر هذا الإسلام في قصة تاريخية مشهورة .

وقال المؤرخون إن الهرمزان هو الركن الهام في تدبير المؤامرة التي انتهت بمقتل أمير المؤمنين عمر وحرمان المسلمين من عهده الزاهر ومواهبه النادرة ، ويؤيد قولهم أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بعد ذلك ثقة منه بأن في عنقه دم أبيه .

تلك حادثة معلومة نذكرها اليوم طلبا لعبرة تاريخية نحن أحوج الناس الى تذكرها في كل وقت من الأوقات ، ومع كل عمل من الأعمال التي يراد بها إنهاض المسلمين وخدمة الإسلام ، فقد مني هذا الدين منذ قا م بفريق من الأعداء يكيدون له ، ويقفون أمام دعوته ما استطاعوا ، حتى إذا أوهى قرنهم الوعل ، وأنسوا من أنفسهم الضعف عن مقاومة نفوذه الذي لا يقهر ،  وسلطانه الذي لا يغالب ، خلعوا ثوب العداء الظاهري ، ولبسوا لأهل هذا الدين جلود الضأن ، واستتروا بالتوبة والندم وغسلوا الذنوب الماضية بدموع التماسيح ، واندسوا بين المسلمين ينالون منهم وهم في صفوفهم مالم يكونوا يقدرون على نواله وهم يواجهونهم بالعداء.

وكثيرا ما تكرر هذا الحادث في أدوار التاريخ الإسلامي بصور شتى منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الى عصرنا هذا .

وفي مصر هرمزانيون كثير وسبئيون كثير ، جاهروا بحرب الإسلام أمدا طويلا ، وسلكوا إلى ذلك كل الوسائل ، وكأنهم استشعروا الخيبة والفشل أمام هذا البصيص من اليقظة الإسلامية ، وطاش سهمهم ولم يفوزوا من الأمة بغير البراءة منهم ، فأيقنوا أن خطة المناوأة عاقبتها الحرمان والسقوط .

وهانحن أولاء نرى الآن خطة تتغير ورجالا يعلنون توبتهم ، ويبرؤون مما اجترحوا ، معتذرين بالشباب تارة وبالجهل تارة أخرى ، ويحاولون خديعة الشبان المسلمين بمثل هذه الخدع لينضموا إلى صفوف القيادة فيصلون تحت ستار التوبة الى ما لم يصلوا اليه بأساليب العداء والتشهير .

وليس أحد منهم بمنصور في دعوته ، ولن يرزقهم الله نجاحا ، وإن استعانوا بحيل الثعالب ، فإن في يقظة الشبان المسلمين ما يحول بينهم وبين ما يريدون ، وشوكة الإسلام أحد وأقوى مما يظنون .

وإنما نكتب هذه الكلمة لقراء الفتح تبصرة وذكرى ، وحتى لا نؤخذ على غرة ، وتنطلي علينا حيل هؤلاء فإذا انكشف الأمر ندمنا حيث لا ينفع الندم .

لانريد أن نرد على تائب توبته فإن أكثر ما نسر له أن يرجع الناس كلهم إلى هدى الإسلام ويدافعوا عنه صفوفا كالبنيان المرصوص ، ولكنا لا نريد كذلك أن نكون أغرارا يستخفنا السراب وتغرنا الظواهر .

 فليقبلهم العاملون لدين الله وليحترسوا مما يحتمل أن يكون من وراء ذلك من مكايد هي أخفى من دبيب النمل ، وليذكروا قول الله تعالى لنبيه تحذيرا من قوم كانوا يسرون غير الذي يعلنون :

" وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم ..

" والله المستعان وبيده التوفيق " .