أنا مش الشعب
علاء سعد حسن حميده
باحث مصري مقيم بالسعودية
سواء كان ذلك بسبب تضخم الأنا أو كان على العكس من ذلك بسبب تهميشها، وسواء أكان ذلك تأثرا بالعبارة الشهيرة في فيلم السبعينات الأكثر شهرة (جمعاء)، أو كرد فعل اجتماعي تلقائي لنسبة (الأربع التسعات) الشهيرة في انتخابات العالم الثالث التي أضحت ماركة مسجلة.. فإن الخلط بين الفرد والمجموع، وغياب وسائل حقيقية موضوعية وموثوقة وعملية لقياس مواقف الناس وآرائهم وأفكارهم تجاه قضية ما، في ظل غياب استطلاعات علمية ومحايدة لرأي الشعوب..
فإني أصارحك عزيزي القارئ أنني لست الشعب، إنما أنا كما يقال: رجل من قومي أعبر بلساني ومشاعري لا يمكنني أن أدعي أني أنا الشعب، رغم أني خلية من نسيج هذا الشعب، ومع ذلك لا يمكنني أن أتحدث باسمه، رغم إيماني بأن الخلية تمثل الجسد وتحمل جيناته الوراثية،-ما لم تكن خلية سرطانية أو مطفرّة-..
أنا لست الشعب، وأنت كذلك لست الشعب، أنا وأنت جزء من الشعب، والحاكم أو النظام ليس الوطن، وسقوطه ليس سقوطا للوطن، بل إن سقوطه أحيانا يكون نصرا وعزا ورفعة لذاك الوطن!
اختلطت المفاهيم كثيرا وتعالت الدعاوى والمزاعم، كل يهتف: أنا الشعب، وحين يعلو الهتاف يسقط حق الآخرين في الاعتقاد والتفكير والتعبير.. فكل من هو غيري هم قلة قليلة مندسة حادت عن طريق الصواب، ولو كانوا ملايين كثيرة وكنت أنا واحد!!
لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم نظاما للتمثيل النيابي قبل أن تمارسه البشرية بمئات السنين لما أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أوطاس لما أتاه بنو هوازن فسألوه أن يرد عليهم السبي والغنائم قال:«ما كان لي ولبني هاشم فهو لكم وما كان للناس فدعوني حتى أسألهم، فسأل الناس فكثر عليه اللغط فلم يدرِ من قبل ممن رفض، فقال: أخرجوا إليّ عرفاءكم، فأخرج الناس إليه عرفاءهم فأخبروه أنهم رضوا»، فالعرفاء هم النواب الذين ينوبون عن الناس فيمثلونهم، لأنه لو تكلم الناس جميعا لم يعرف من قبل ممن رضي ممن رفض، ولذلك قال: أخرجوا إلي عرفاءكم، وقد أخرج أبو داود في السنن أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يستقيم الناس إلا بعرفاء»[1].
واليوم فإن شعب مصر الذي خرجت منه الملايين لتطالب بإسقاط نظام حكم رفضته ورفضت استمراره ولو لعدة شهور، فواجهتنا المعضلة الكبرى، وأصبحنا نبحث من جديد عن تعريف للشعب وممثليه، وهل هذه الحشود المليونية تمثل الشعب أو هل هي كل الشعب؟
وما مدى انقسام الشعب أو التفافه حول المطالب المرفوعة؟
بل وما مدى التفاف الجماهير الثائرة ذاتها حول مطالب محددة بعينها؟
وبدأت حيل الإغراق في التفاصيل الدقيقة مثل: هل يكون التفاوض قبل أم بعد التنحي؟
وكيفية معالجة الوضع الدستوري؟ وهلم جرا في عملية إغراق ماراثوني لتفريغ الاحتجاجات من مضمونها..
ولأنني صارحتك منذ البداية بأنني لست الشعب ولكني رجل من قومي يريبني ما يريبهم، ولأنك أنت كذلك لست الشعب وإن كنت منه، وفي ظل غياب متعمد وممنهج لوسائل استطلاع الرأي ورفض الاعتراف بأن الثورات المليونية تمثل الشعب، فهل نلجأ إلى الاستفتاء العاجل تحت إشراف الأمم المتحدة باعتبارها هيئة دولية وليست دولة أجنبية تفرض هيمنتها؟
أم نعود لنظام التوقيعات التي اتبعها سعد زغلول والوفد المصري في المفاوضات مع الانجليز( 1919م) في عصر ما قبل الاتصال والإعلام؟
وهل يقبل النظام الحاكم الاحتكام إلى توقيعات الشعب؟
لنجمع إذن توقيع كل من هو في سن الثامنة عشر أو فوقها– وهو السن الرسمي للتصويت الانتخابي–
إذا كنا نحن لسنا الشعب، وإذا كان نوابنا في كل المجالس والدوائر موصومون بالزيف والتزوير، فلنبدأ فورا في جمع أربعين مليون توقيع تطالب بتنحي الرئيس أو بقائه..
ولنبدأ العمل ولا نترك الفرصة للإغراق في التفاصيل من جديد قبل أن نتفق على المبدأ العام والمطلب الأول والأهم لثورة شباب مصر.
اجمعوا التوقيعات حالا ليمكننا أن نقول: أنا الشعب