حديثي إلى الطغاة

د. منير محمد الغضبان

فمن كان طاغية فليتحسس رأسه، وليمس رقبته..

د. منير محمد الغضبان *

[email protected]

ومن لم يكن طاغية فلينم قرير العين ، فهو ليس مقصودا بهذا الحديث .

إنها مهمتي أن أضع أهم صفات الطغاة ليقيس كل سلطان أو حاكم نفسه . هل هو بريء من هذه الصفات ، أم له شراكة فيها ، وسأحاول أن أعرض أهم عشر صفات منها :

أولا:إن هذا الطاغوت يقدم نفسه بديلا عن الله ، ومن أجل هذا قال الله تعالى :

((الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطن إن كيد الشيطن كان ضعيفا))

وليعلم جنود الطاغية أنهم شركاء في كل شيء ((فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ))

ولم يقل الله تعالى عن جنود الطاغوت ذلك إلا في سياق عرض فرعون نفسه إلها من دون الله .((ما علمت لكم من إله غيري))وقوله (( أنا ربكم الأعلى ))

ثانيا : ومن أجل هذا فهو المنعم وهو القاصم ، تختصر الأمة كلها بفرده ، وشخصه ، وخيرات الأرض كلها له يهب لمن يشاء منها ، عطاء وتفضلا، ويمنع من يريد منها فهو الأمة وهو الوطن وهو الحياة وهو الموت ، بل يمكن أن يضحي بشعبه كله من أجل بقاء ملكه وشخصه .

((إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت ..))

ثالثا: ويحاول أن يحمل صفات الإله من كبرياء وسلطان ، وبه قال الله عز وجل في الحديث القدسي : ( الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منها قذفته في النار ) وروي بألفاظ مختلفه منه ا: عذبته ، وقصمته ، وألقيته في جهنم ) وأدخلته جهنم و(ألقيته في النار ) والحديث أصله في صحيح مسلم

ومن أجل هذا يضع الأصنام في كل مكان وكل ما يصور  عظمته وشخصه وحكمته وعبقريته . وإلهامه . ولو كان يستنزف خيرات الأمة كلها.

رابعا : أهم ما يود المحافظة عليه هو حقه في التحليل والتحريم نيابة عن الله ، فابن علي مثلا عندما حج كانوا يقولون له : حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا لم يكونوا يقولون له : ذنبا مغفورا . فهو لا يذنب . وهو يمنع الأذان ، وهو يلغي الحجاب ، ويمنع الصلوات في المساجد ، وهو يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث (( شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ..)

خامسا : وقد يبرز الطغاة بثوب لين إيماني ناعم

((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام )) فحديثهم دائما عن الديمقراطية والنعمة العظيمة والأمن والتضحية ، أنهم يعيشون في حياة الأحلام وكذلك هم مؤمنون محبون للإسلام

لكن ما هو ثمرة فعلهم .. هو الفساد في الأرض

((وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل . والله لا يحب الفساد ))

فإهلاك الحرث وهي استنزاف خيرات الأرض كلها له ولحزبه ولعائلته ولطغمته.

ويهلك النسل .

فهم يقصم الناس ويئد حرياتهم ويذبحهم من الوريد إلى الوريد مئات أو ألوفا أو عشرات الألوف ويدفنهم في المعتقلات .

سادسا : وهو يرفض أي نصيحة أو أي رأي أو أي تذكير بالخوف من الله ، ومراعاة حق الأمة ، وحق المحرومين ، وحق الجائعين ، وحق العاطلين ,

((وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد ))

فهو يصر على موقفه معتمدا على قوته ، على أزلامه ، على جيشه ، على أجهزة رعبه التي تسمى أجهزة الأمن . ويبتديء زاهدا في المنصب . لكن الجماهير حملته إلى سدة الرئاسة .والجماهير أصرت على التجديد له . والجماهير أعطته السلطة مدى الحياة . وأعطته الصلاحية باختيار ابنه وريثا لعرشه .. وكل ذلك باسم الديمقراطية . وباسم النزول عند رغبة الشعب .

سابعا : وهو يحسب نفسه بمأمن من الموت ، وبمأمن من الخلع ، وبمأمن من الثورة .

فأجهزة رعبه مهمتها أن تثبت الرعب في نفوس الأمة ، بحيث لا يسمع صوت ولا نأمة ولا همس

إلا يسبح بحمده ، وتثني عليه الثنماء كله ، ومهمته الأولى أن يقتل العلماء الواعين ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم.أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ومالهم من ناصرين  ))

ثامنا : والطاغية لا يؤمن إلا بالرأي الواحد كما مثل ذلك أكبر طفاة الأرض فرعون :

((قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد))

فهو الذي يعرف الحق والهدى ومصلحة الأمة . والناس طبقة من العبيد تبقى طيلة عمرها ، كذلك تحتاج إلى وصاية الحزب والقائد ولو مر عليها ستون عاما . فهي لا تفطم وتبقى في سن الرضاعة ، ولا تبلغ الرشد .

تاسعا : وكل من يخالف الطاغية في الرأي فهو مفسد مجرم ، يهدد أمن الدولة ويجهض الريح الوطنية، وخائن لوطنه . وعميل لدولة أجنبية يستحق الإعدام.

( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)

 

00(( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا . فأوحى إليهم ربها لنهلكن الظالمين . ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ))

عاشرا : الصراع بين المستضعفين في الأرض وبين الملأ المستكبرين .

((قال الملأ الذين استكبروا من قومه  لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين . قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها  وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ))

هذه المواصفات العشر للطغاة . ومن كان فيه خصلة منها . فعنده خصلة من الظلم والطغيان حتى يدعها

وأخيرا : ما هو مصير الطغاة

قد يكون الهلاك والذل في الدنيا قبل يوم القيامة حيث يسحقهم المستضعفون في الأرض من خلال ثورة عارمة تكتسح وتقضي على هؤلاء الطغاة ((لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ))

((وقال الذين  كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ، ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ))

((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم . وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون))

وقد لا يلغون حسابهم في الدنيا وينتقلون إلى يوم القيامة وهي المرحلة الثانية :

فعن الترمذي عن عمرو بن شعيب : يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان ..) حديث حسن

فهم كالنمل يطؤهم الرجال بأعقابهم يوم القيامة .

وقبل دخول النار : هناك ابتلاع للظالمين من عنق يخرج من النار كما في الحديث

( يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان يبصر بهما ، وأذنان تسمعان ، ولسان ينطق يقول : إني وكلت بثلاثة . بمن جعل مع إلها آخر . وبكل جبار عنيد ، وبالمصورين .)

وأخيرا في النار : ((ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ._ _ _ _ وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد .سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار . ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب ))

هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، فمتى ينال الطغاة مصيرهم في الدنيا لا بد من التذكير بواجبات الأمة ضد الطغاة .

                                                                                                                                                                                                               أ_عدم الركون إلى الظالمين . وإلا فالمصير واحد للفريقين

((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دونه من أولياء ثم لا  تنصرون ))

ب_قول كلمة الحق في وجه الظالم حتى لا تهلك الأمة :

((إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم ))

ج_القبول بالظلم يقود الخانعين إلى النار

((إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قلوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ))

وإذا عذر الشيوخ والأطفال والنساء فلا عذر للشباب قادة التغيير في الأرض .

(إلا المستضعفين من الرجال والنساء والزلدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا))والحمد لله رب العالمين.

                

* باحث إسلامي سوري