بيان كريم، ودعوة إنسانية كريمة
بدر الدين حسن قربي /سوريا
[email protected]
أصدر الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين الذي يرأسه فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي البارحة بيانه الموقع باسمه
بمناسبة تسونامي الغضب المصري في وجه النظام الحاكم في مصر.
ولئن كنت أحيي الاتحاد ورئيسه موقفاً وبياناً، فإني أيضاً لا أكشف سراً أن ماعرضه البيان وصفاً لصندوق الطماطم الفاسد في مصر، كان كمن يصف الوضع السوري بالضبط، من حزب محنّط قائد للأمة والمجتمع، إلى عائلة مقدسة وقرابات من شفيطة ونهّابين مسنودين، ومحاسيب فاسدين نافذين ومتنفذين، لا تجد شركةً ليس لهم فيها علاقة، ولا مصنعاً مهماً ليس لهم فيه دور، ولا مواصلات واتصالات إلا لهم فيها شأن وشأن، ولا إعلان ولا دعاية إلا وتصب في شركاتهم ومنتجاتهم، ولا استثماراً إلا وهم فيه شركاء، ولاصفقة إلا ولهم فيها ضبط وربط وحصة وقصة. بقدرة قادر ممتدون كأخطبوط، قدرتهم بلا حدود، وواصلون ومحظييون ونشاطاتهم وأعمالهم في كافة أنحاء السلطة مدعومة بلا قيود، لهم صور وجداريات وتماثيل منشورة في الشوارع والطرقات لتذكر ملايين الجائعين والمقهورين بعين الرقيب عليهم إلى الأبد، فضلاً عن قمع الحريات وقوانين طوارئ ومحاكم أمنية وعسكرية استثنائية تحكم الناس منذ ثمانية وأربعين عاماً بلا توقف، وسجون مليئة بالمعارضين ولايستثنى منها شيخاُ قارب الثمانين أو من كان يافعاً بل طفلاً. ولو قدّر للاتحاد العالمي أن يكتب مطالعة عن تونس كما فعل عن مصر، لكانت المطالعة التونسية أيضاً هي هي نفسها، لأنها أنظمة الحال فيها من بعضه. كما لا أكشف سرّاً أنه في مثل هذه الأيام تاريخاً، وإنما قبل ثلاثة عقود تقريباً حصل ماحصل من المواجهات الأمنية مع الجماهير الغاضبة في مدينة حماة السورية في وجه النظام السوري، التي استخدم فيها النظام كل قواته العسكرية أرضاً وجواً، مما كان ضحاياه عشرات الآلاف فقيداً وقتيلاً من سكان المدينة. وعليه، فلئن كان بيان السادة العلماء اعتبر ضحايا النظام المصري في المواجهات الأخيرة هم شهداء عند الله وطالب بتعويض أسرهم وأهلهم، ولئن كان الاتحاد عالمياً وهو كذلك وليس مصرياً، فإن لي ولمئات الآلاف من السوريين بين يديكم مقالاً، ولاسيما أننا ننتسب جميعاً إلى نبي عليه ألف صلاة وسلام قال: إن لصاحب الحق مقالاً، نرجو أن يتسع له صدركم وتتفهموه.
مقالتنا هي عشرات الآلاف من مواطنينا تأكدت مفقوديتهم أفضوا إلى ربهم لسنا في معرض المطالبة باعتبارهم شهداء وتعويض أسرهم كما جاء في بيانكم عن المصريين المئة والخمسين، وإنما هي دعوة إنسانية كريمة محدّدة وواضحة لكم لتساعدوا فيها، هدفها حل قضايا إنسانية أخلاقية ووطنية عالقة، لانريد لأحدٍ أياً كان، أن يفهم مُرادها والعياذ بالله أنه نيل من مقاومة النظام وممانعته، أوإنقاص هيبته أو إضعاف الشعور القومي وتعطيل تحرير فلسطين واسترجاع الجولان أو تعطيل مفاوضات سلام أو تغطية لاسمح الله على مشاكل الأمة استبداداً وفساداً.
إنه قد يكون للسلطة مجادلاتها في الاعتقال والاحتجاز والتغييب والقصف والقتل، ولكن ما لايُفهم البتة الإخفاء والتعتيم والسكوت المطلق من قبل النظام عن هذه الآلاف حتى اليوم، ولاسيما أن هناك على الطرف الآخر معاناة أليمة، ووجع دائم مما لايعقل تصوره لأمهات وآباء وأزواج وشباب وصبايا، ومشاكل إنسانية وشرعية عالقة من عقود.
يوجد مقاومة لاحدود لها من قبل النظام مضى عليها سنين وسنين لفك الحصار عن آلاف المواطنين في بلدهم مفقودون، وممانعة منيعة لكسر الحصار عن آلاف الموتى في وطنهم محاصرون. وإن عيون هذه الآلاف ترنو إليكم من عالم الغيب والشهادة تستصرخ ضمائركم ومروءاتكم في الدعوة إلى فك الحصار عنهم والكشف عنهم أحياء وأمواتاً، وعن أماكن دفنهم فرادى أو جماعات. إن عشرات الآلاف قضوا في كارثة إنسانية في مواجهة مع النظام السوري بين فقيد وقتيل، مازالوا في مستندات الدولة ووثائقها أحياء، ومئات الآلاف من أسرهم وأهلهم وذرياتهم من بعدهم ممن فقدوا حشاشات قلوبهم تستصرخ لإغلاق ملفها الإنساني بالتي هي أحسن قبل فوات الأوان.