ماذا بعد كشف المستور
الشيخ خالد مهنا *
فيما كنا كعرب وفلسطينيين نتغنى بانجاز الشعب التونسي ونعيش أفراحه ونردد بصخب ما قاله الشاعرا لعشماوي في تونسيته الخضراء:
(تونُسَ الخضراءَ إنْ ناداكِ شعري
واهِنَ الصوتِ ، فهذا ما استطاعا
نحنُ لمْ نَغْفل ، فإنَّا في بقاعٍ
تخدِمُ الإسلامَ ، ما أغلى البقَاعَا
رفرَفَتْ رايَاتُنا بالأمنِ حتَّى
أصبحتْ في ظُلْمةِ العصرِ شُعاعا
غيرَ أنَّا ما نسينا كُلَّ شعبٍ
مسلمٍ أورثَهُ البغيُ الصُّداعا
نُصرةُ المظلومِ حقٌّ ، منْ تراخى
دونَهُ ، ذاقَ انكساراً و الْتِياعا
تُونُسَ الخضراءَ إنَّ الظلمَ ليلٌ
سوف يلْقى ،كيفما طالَ ، انقشاعا
إنَّها سُنَّةُ هذا الكونِ مهْما
أسرَفَ الظَالِمُ وازْدَادَ انْدِفاعا
حينما ينتفضُ المظلومُ يحمي
أرْضَهُ ممَّنْ شرى الوهمَ وباعا
ويُعيدُ الناسَ منْ رِحْلةِ وهمٍ
كُلَّ من رافق فيها الوهمَ ضاعا
ليتَ من يسرفُ في الغفْوةِ يصْحو
ليرى صَرْحَ الهوى كيفَ تداعى
إنَّه العدلُ ، فهلْ يفهَمُ باغٍ
أنَّ هَدْمَ العدْلِ لا يبني قِلاعا
إنَّهُ العدلُ يُريحُ الناسَ ممَّنْ
ملأَ الأرضَ خِلافاً ونِزاعا
إَّنهُ العدْلُ ، فمنْ حقَّقَ عدْلاً
قادَ في دوَّامةِ البحرِ الشِّراعا
تونُسَ الخضْراءَ إنَّ الحقَّ غُصْنٌ
مُثْمِرٌ يجنيهِ منْ مدَّ الذِّراعا
جامِعُ الزَّيتونةِ الأسمى سيبْقى
رمْزَكِ الأسمى ، فزيدِيهِ ارتفاعا )
بينما كنا نتابع بلهفة وشغف انتصار تونس الأسطوري وفيما كنا نستعد لالتقاط الصور التذكارية لسقوط الأنظمة الباغية فرحين جذلى، داهمتنا فضائية الجزيرة برونق أدائها بكشف المستور لتعيدنا إلى المربع الأول ولتخطف منا فرحتنا وكان قدرنا اللازب يحتم علينا ان تبقى قلوبنا أخذة شكل الجمرة الحمراء.....
باغتتنا المفاجأة ولم تذهلنا وجفا النوم مضاجعنا.....
قبل اقل من أسبوعين نمت شاعرا محلقا ولم يكد ينتهي الأسبوع الثاني حتى راودني إحساس بان حربا عالمية تدور رحاها لتبتلع أحلامنا وتحرق آمالنا ...
كم كان يودي والشارع العربي برمته انفجر كالبركان رانيا لغد أفضل أن أكتب لفلسطين قصيدتي التي أفتش عنها من زمنٍ بعيد،ولكن جاءت الصدمة وتخمّر عقلي وتشوشت أفكاري ورؤاي
وتراكمت الفجائع في نفسي، وسكت الكلام عن الكلام وكدت اعجز ان انطق بالكلام المباح، لان المخزيه اصابتنا في العمق واهم ما فعلته بنا الوثائق الدامغة أنها رمتنا من خلف مكاتبنا وغرست دبوسا حادا في عقولنا وقلوبنا ،وكسرت كل طواحين الهواء التي كانت في داخلنا ...ثقبت كل أكياس الغرور والعنتريات التي كانت تملا جما جمنا ..
بعد كشف المستور لم يبق هناك أشياء تقال او لا تقال....لقد انكشف المسرح وتعرى الممثلون كلهم وصار بوسع كل فلسطيني حر ان يصرخ من مقعده...إلى أين انتم ذاهيون بنا؟؟لقد انكشف المسرح كله واذ بالمفاوض الفلسطيني مجرد دمية واقل ما يمكن ان يفعل بنفسه ان يقوم بجلد نفسه علنا أو يخضع نفسه للاستجواب والوصاية والمحاكمة ...وتلك اخف أنواع العقوبات.. ومن المعيب بحقنا بعد مشاهده الفيلم الدرامي ان نبقى على موقف الحياة نشاهد المآسي والفضائح والمخزيات ثم نتصارع كالثيران عبر الأثير ونتشاتم ونخفش رؤوسنا ، أو نتعاطى حبوب النوم ومورفين(ما يطلب المستمعون) ثم لا نتأثر.
من الواجب أن تكون صرختنا بحجم الطعنة،وأن يكون نزف أعمالنا بمساحة الجرح..فذاك أفضل من أسلوب التورية وخداع الذات....
.أن أخطاء المفاوض الفلسطيني النفسية والسياسية والسلوكية باتت مكشوفة كالكتاب المفتوح،وماذا تكون قيمتنا كشعب إذا آثرنا أمام كشف كهذا أن نظل نمارس دور المهرج.. نمسح جوخ المفاوضين وننافقهم ونرجو ودهم،فالقضية أكبر من معاشات ل 160 ألف موظف يأخذون رواتبهم من السلطة..
لم يعد بإمكاننا وقد أخزونا،وقريفونا،وفاوضوا على ثوابتنا..وأحرقوا عروس مدائننا الوقوف على الحياد فحيادنا نحن فلسطيني الداخل هو الموت بعينه..
لم يعد بوسعنا أن نقف أمام جسد المفاوض المريض نعالجه بالحجا بات والضراعات..
أننا نحب وطننا وشعبنا،والذي يحب شعبه يكوي جراحه بالكحول،ويكوي – إذا لزم الأمر،المناطق المصابة بالنار... فلعل وعسى بفعلنا هذا أن يتغير الطقس ونجد شمس فلسطين أشد بريقاً،ونجومها أكثر عدداً..
* رئيس الحركة الإسلامية في ام الفحم وضواحيها..
رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية القطرية-الداخل الفلسطيني.