الآخر
حسام سليمان
رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان – سوريا
[email protected]
المجتمع العربي في القرن الواحد والعشرين هو نفسه المجتمع الذي
تشكل في الجاهلية وصدر الإسلام تحكمه منظومة القيم في العالم القديم .
وإن كان هناك ما يسمى بالتعايش القائم , إنما هو إقرار بالتجاور
وتأجيل الصراع أو تغليف له .
لقد تبنت غالبية النخب العربية منظومة العالم الجديد بما تنطوي
عليه من مفاهيم الحداثة وسيادة الفرد وإنسانيته .
بينما الجماعة الشعبية تعتنق شريعة العالم القديم , حيث مصلحة
الأمة ذات المشترك الديني فوق الحقوق الفردية السياسية والإنسانية , في ظل هذه
العلاقة تستطيع الديكتاتوريات أن تستغل كلتا المنظومتين , وحرصاً على التعايش تدعم
السلطة مصالحها المادية والسياسية مع العالم الخارجي من خلال منظومة العالم الجديد
, ومن خلال الجماعة الشعبية تدعم السلطة نفسها في الداخل حيث الأنشقاق خيانة
والثورة جريمة ليستمر الصبر فضيلة الفضائل ولتستمر القناعة كنز لا يفنى
جماعة الحداثة أسقطت من ذاكرتها شريعة العالم القديم , والجماعة
الشعبية موقفها عدم الإقرار بشريعة العالم الجديد و(القانون ) يجب أن يعكس إرادة
الأغلبية , وهو ليس نصاً مقدساً إلا عندما يتم الإجماع عليه وإذا فرض من قبل أقلية
فقد كل فاعليته واحترامه وقيمته .
العالم القديم قائم على أعطاء كل ذي حق حقه ومن يحدد هذا الحق
هو شريعة هذا العالم القديم وبصفة خاصة التراتبية الدينية .أما منظومة العالم
الجديد تستند على افتراض
إمكانية إعطاء ذات الحقوق لكل فرد دون اعتبار للاختلافات النوعية ( رجل - امرأة )
والعمرية ( طفل – راشد ) والصحية ( معوق – سليم ) والدينية ( مسلم – مسيحي – يهودي
– ملحد ..)
تعريف الآخر :
هو كل إنسان مختلف , سواء كان هذا الاختلاف شكلي أو ضمني
اختلاف من ناحية الشكل ( صفات فيزيولوجية – بنى جسمانية ....)
أو ضمني بمعنى ( فكرياً –سياسياً – دينياً – عرقياً ..)
الآخر في المجتمعات العربية :
هو الضد , النقيض , المختلف , العدو
وهو بدون حقوق , ولا يمكن أن تبنى العلاقة معه إلا على أساس
تصادمي
والإعتراف به كقرين و شريك شبه معدومة .
وموضوع علاقة ( الأنا ) بالآخر في مجتمعاتنا حيث القبول
والاعتراف والرفض والسبب
هو موضوع معقد وشائك وبغية النقاش لابد من التفصيل وتقسيم
الموضوع إلى محاور.
المحور الأول ( الآخر السلطوي )
مناقشة قضية الآخر في ظل أنظمة قمعية خلفت عبر سنوات طويلة حالة
سياسية واجتماعية واقتصادية تكرس عدم الاعتراف أو قبول الآخر المختلف , من غياب
مشاريع التنمية ( اقتصادية – اجتماعية – سياسية – تربوية ...) المبنية على أسس
علمية وإعداد الدراسات التي تحدد جوهر المشكلة وحلها , وغياب المؤسسات الثقافية
التي تضطلع بدورها الحقيقي في نشر الوعي والثقافة المنفتحة على الآخر التي تعمل على
خلق المناخ الملائم للإبداع الثقافي ( ادبياً – مسرحياً – سينمائياً ) وغياب أي
تجربة ديمقراطية حقيقية تكرس حالة الإعتراف بالآخر والتعامل معه على أساس الند
المشارك وليس الند المعادي , وسعياً من الأنظمة القمعية للاستمرار في السلطة بأي
شكل من الأشكال عملت هذه الأنظمة على تجريم وتخوين أي آخر مختلف وبالتالي أسست
لحالة مفادها قتل لغة الفكر والإبداع .
المحور الثاني ( الآخر الديني )
مناقشة قضية الآخر من منظور الخطاب الديني ومرتكزات هذا الخطاب
إذ كيف يؤثر الخطاب الديني في قضية قبول الآخر المختلف والإعتراف به وهي مسألة مهمة
ذات دلالة عميقة في مستوى الحياة الاجتماعية والثقافية للإنسان تحديداً في
المجتمعات العربية التي لا زال يلعب الخطاب الديني فيها دوراً بارزاً في الحياة
السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتغيب اي خطاب معرفي آخر , هل المشكلة في البنية
النظرية للدين أم في تأويل هذا النص الديني , سلطة ( قارئ الكتاب السماوي ) حيث
يتخذ موقع الوساطة لتبليغ سلطة النص بل يتقمصون هذه السلطة إنهم يتخذون موقعاً
متميزاً في المجتمع موقع قارئ النص وفاهم المعنى والدال على الأحكام المتضمنة فيه
, ثمة آخرٌ دينيٌ تتحدد
العلاقة به وفقاً لطبيعة علاقته مع نظام الحكم القائم أو الدولة من حيث مدى توافق
المصالح أو تعارضها , كما يندرج البشر وفق منظور أديان الوحي الثلاث تحت قسمين لا
ثالث لهما , إما مؤمن أو كافر ( أبيض أو أسود ) وهذا التقسيم يكرس ل رفض التنوع ,
ولا يمكن بحالة من الأحوال قبول الآخر باعتبار أن الآخر مرفوض وفق نص إلهي وقبوله
ينطوي على رفض هذا النص الديني .
المحور الثالث ( الآخر فكرياً )
تأثير تردي الحالة الثقافية المعرفية وضيق أفقها على مسألة قبول
الآخر والاعتراف به . إذ إن التخلف الثقافي المعرفي يقود بالضرورة إلى تشكيل وجهات
نظر أحادية الجانب لا تقبل النقاش أو النقض وبالتالي لا يمكن بحال من الاحوال قبول
التنوع .
وغياب الحوار السليم وشيوع بدلاً عنه قولبة الأفكار كبديل له
وفي أحسن الاحوال يكون الحوار عبارة عن جدل عقيم .
المحور الرابع ( الآخر النوعي )
تربية المجتمع الشرقي وتربية الأهل التي ترتكز على الدور الذي
منح للأب والغاء التفاعل ضمن الأسرة , حيث تقود هذه العقلية إلى إلغاء دور الأم
وتهميش دور الأطفال .
كما أنه يسود وفق الأسرة الشرقية عقلية فرض تجربة الاب وفكره
على الأولاد والنتيجة نسخة طبق الأصل وغير ذلك يعني التمرد وهو مرفوض إذاَ حقوق
الآخر النوعي ( المرأة ) هبة تهبها السلطة ( الذكورية ) للنماذج الانثوية , والطفل
الذي شب على سلطة الاب من رفض للتنوع ورفض للآخر سيتبناه كبيراً .