عندما تكون السلطة مغموسة بالدم
عندما تكون السلطة مغموسة بالدم
د. غالب الفريجات
غريب امر هذه الانظمة السياسية، المعمدة سلطاتها بالقهر والذل والجوع ومهانة المواطنين، فالفشل السياسي لاي سلطة، وعدم قدرتها على التعامل مع حقوق الوطن الامنية، وتوفير التنمية بما فيها من توفر فرص عمل، وتقليل نسب الفقر والبطالة، والحد من الغلاء، وانتشار الفساد بكل انواعه، كلها مبررات شرعية لمطالبة السلطة بالرحيل، لانها باتت في عجز تام عن تلبية مصالح الناس، ولا يجوز تشبثها بالسلطة كأنها حق مشروع لها، تتمسك بها رغم عدم توافر الرغبة الشعبية، وفي غياب اتساع قاعدة تمثيلها للجماهير، التي تتحكم في رقابها بالقوة.
باتت كراسي الحكم قائمة على جماجم البشر من المواطنين، واخذت فجوة العلاقة بين السلطة السياسية والمواطنين تتسع، بشكل بات فيه النظام السياسي يعيش في عالم غير عالم الواقع الجماهيري، لانه اما غائب او مغيب، وفي الحالتين يتحمل وزر ما يصيب الناس، من غول الفقر والجوع والبطالة وغلاء الاسعار، وعندما يصل الحد الى الامر الذي لا يطاق، وينتفض الناس، تجده يتعامل مع مثل هذه الحالات بالقمع، من قتل وتدمير في حق المنتفضين، لانهم في نظره خارجون عن قانون نظامه الابوي، الذي يجيز سرقة اموال الشعب، وممارسة الذل والتجويع، والحرمان من ابسط مقومات العيش الكريم، الى جانب ان تهمة العمالة والاتصال بالاجنبي، او ان الاصابع الخارجية هي من وراء حركة الناس هؤلاء، لان نظامه يفوق ما كان يسود في عهد ابن الخطاب رضي الله عنه.
في كثير من بلادنا العربية يسود الحاكم فيها بامر الله، فهو لا يتنازل عن السلطة الا في حالة يغيبه الموت، فالوطن عاقر ولا ينجب مثيلا له ليسوس البلاد والعباد، والسلطة التي يملكها بيديه لا يجوز ان ينازعه فيها احد، فهي واحدة من موروثات والديه، لا بل هي حق مقدس مقتصر عليه، وعلى اتباعه وبطانته، الذين يفوقونه فسادا ونهبا للمال العام.
لا بأس ان تكون السلطة مغموسة بالدم، والا ما كانت سلطة مرهوبة ولا مهابة، فهيبة النظام من ارهاب اجهزته القمعية في حياة الناس، ومحاربتها لهم حتى بلقمة عيش اطفالهم، لان مال الدولة مقتصر عليه وعلى اتباعه، والمواطنون خدم وعبيد، يجرون على خدمة النظام.
ليس كثيرا ان يقتل العشرات، ويجرح المئات في مسيرات الاحتجاج الجماهيرية، وتدمر المحال والمصالح، فالسلطة ثمنها اكبر بكثيرمن رؤوس المواطنين، ولا يجوز لحاكم بأمر الله، ان لا يرتكز كرسي السلطة لديه الا على جماجم البشر، فالدم المراق في الشوارع رخيص، من اجل ان يبقى الحاكم متنعما بالامن والهدوء والاستقرار، فما خلقت البلاد والعباد الا ان تجري على طاعته.
يمكن اننا كمواطنين لسنا من فئة البشر، او اننا ننتمي الى ادنى مستويات البشر، في حين ان حكامنا من فئة الملائكة، المتنزهين عن ارتكاب الخطأ وممارسة الخطيئة، ومن هنا فانه يجوز لهم ان يمارسو في حقنا ما يحلو لهم، وان تجاوزنا حدود آدميتنا المتدنية، فما عليهم الا ان يشبعونا ضربا، في ابسط الحالات، و لا بأس من اطلاق الرصاص بشرط ان يكون من الرصاص الحي، حتى ننعم بالممات المقدس على ايدي اسيادنا وارباب نعمتنا، اليست هكذا هي سمات السلطة المغموسة بالدم، في عموم وطننا العربي من المحيط الى الخليج؟.
كل مخلوقات الارض تعشق الحياة، وهي تسعى لان تكون حياتها حرة كريمة، الا قانون الحياة الذي يقوم على تطبيقه النظام السياسي في نظامنا العربي الرسمي، وكل شعوب الارض تناضل حتى تحصل على حقوقها المشروعة في حياة حرة كريمة، الا نحن محروم علينا حتى من الانين في جوف الليل، لانه مؤشر على فساد السلطة وجبروتها، وفي اتهامها بأنها، وهي الامينة على مصالحنا، لا تقوم بوظيفتها خير قيام، فما علينا الا نموت جوعا وقهرا، او ان نغيب عن الارض، لان الارض التي نقف عليها، والسماء التي نستظل بها، لم تخلق لنا، ففضاؤها للحاكم، وحدائقها للسلطة، فكيف نجرؤ على منازعة السلطة في حقوقها؟، وكيف لنا ان ندعي ما ليس لنا في الارض التي ولدنا عليها؟.
ان السلطة السياسية في بلادنا العربية لا تخضع لاي اعتبار او معيار، وهي بلا قوانين لا سماوية ولا ارضية، وكل من يقفز عليها تصبح مقتصرة عليه، ومادام اخذها بالقوة فلن يتنازل عنها الا بالقوة، فقانون الغاب هو الذي يجب ان يسود، رغم اننا وقعنا على كل المواثيق والعهود الدولية، التي تنظم الحياة البشرية، ونحن نتشدق بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، و لا نعرف ابجدياتها، لان لنا حريتنا الخاصة بنا، وكذلك مفهومنا للديمقراطية وحقوق الانسان، لاننا لا نعترف ان لدينا انسان.