هذا ما تريده جوقة الحكم في دمشق
محمد فاروق الإمام
تحدثت الأخبار أنه تم الأسبوع الماضي في الفيحاء عاصمة الأمويين افتتاح كازينو دمشق من دون ضجيج أوصخب، (تجنباً لإثارة مشاعر المسلمين)، وقد أثيرت بما فيه الكفاية منذ أن تسلقت حفنة من ضابط حزب البعث الشمولي الانقلابي المغامرين جدران الحكم في دمشق فجر الثامن من آذار عام 1963 وراحوا يستبيحون الحرمات والمقدسات، ويعبثون بالقيم والأخلاق، ويسرحون من الجيش مئات الضباط وضباط الصف العاملين المحترفين الوطنيين الأشراف غير المسيسين، ويبعدون من مؤسسات الدولة الوطنيين والأخيار وأصحاب الأكف البيضاء، ويحلون محلهم كل فاجر وفاسق وسفيه وفاشل ومنافق ووصولي، ومتمرد على الدين ومنسلخ عن تعاليم الإسلام، فكلنا يذكر ما كتبه المرشح إبراهيم خلاص عن الإسلام داعياً لوضع الإسلام في متحف الشموع، وقد نشر مقاله في مجلة الجيش السوري، وكلنا نذكر ما فعلته راجمات الصواريخ بجامع السلطان في حماة، وكلنا يذكر كيف دنست مجنزرات المدرعات أعتاب المسجد الأموي في دمشق، كل هذا في مسلسل مبرمج مدروس لسلخ سورية والمجتمع السوري عن القيم الحضارية الإسلامية التي كانت دمشق قلعتها الحصينة لقرون طويلة، وسارت حلقات هذا المسلسل من سنة إلى سنة، كل واحدة منها حافلة بمئات المراسيم والقوانين والأوامر الإدارية والقرارات الوزارية التي توسع الهوة بين المجتمع وقيم الإسلام وتعاليم الدين الحنيف بقصد تجفيف منابعها ومنابتها عن عمد وإصرار، ولكن الله كان لهؤلاء على الدوام بالمرصاد (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ويبقى الدين وأهله عصياً عليهم، ولم يتوقف هذا المسلسل ولم تنقطع حلقاته رغم ما تقلب على البلاد من حكام بانقلابات دموية وغير دموية، لأن كل المتسلقين القدامى والجدد كانوا خريجي مدرسة واحدة تقوم على الفجور والطغيان والاستبداد والفساد والاستئثار بالحكم وهذا أقصى مسعاهم وأحلامهم.
كما قلنا لم يتوقف هذا المسلسل ولم تنقطع حلقاته ولم يتعظ أهل الحكم مما جره سلفهم على البلاد من خراب ودمار وفقر وهزائم وانكسارات، فبقي السلف كحال الخلف يواصلون المسير على نفس الطريق، فبالأمس القريب نُقل أكثر من 1200 معلمة ملتزمة عفيفة منقبة من سلك التعليم إلى دوائر الدولة الأخرى لإبعادهم عن التواصل مع الطلبة الذين يريد لهم النظام أن يتحللوا من القيم الإسلامية وينسلخوا عن دينهم الإسلامي الحنيف، وينخرطوا في عبث ولهو الثقافة الدخيلة التي تحللهم من كل القيم الأخلاقية والإنسانية التي نادى بها الإسلام، التي تتمثل بالصدق والأمانة والاستقامة والاجتهاد وحب الأوطان. وقرار منع المنقبات من ارتياد الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة أو التسجيل فيها، إضافة إلى إبعاد الصفوة من مدرسي الكلية الشرعية في جامعة دمشق، إلى عرض المسلسلات الهابطة التي تدعو إلى الرذيلة والفجور كحال مسلسل (وما ملكت يمينك) الذي يسيء إلى الإسلام والمتمسكين بأهدابه وطهره.
وقد أراد القائمون على الأمر في دمشق أن ينافسوا لبنان – بعد أن تركوه مرغمين - في مثل هذه المشاريع الفاسدة التي تقوم على إشاعة الانحلال في المجتمع وتبادل أبنائه المال الحرام، ونهب جيوب السذج من الناس، ومن علية أهل الحكم ومن يدور في فلكهم، الذين لم يعرفوا الجهد والعرق لتحصيل المال الحلال، فيسهل عليهم إهدار هذه الأموال التي أتتهم عن طريق الرشوة والنهب والنصب والاحتيال والنفوذ، متناسين ما حل بلبنان من وراء هذه المفاسد وما جره عليها من ويلات لا تزال تدفع ثمنه غالياً، وهي التي كانت كما قال تعالى: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).
بعض مراسلي وكالات الأنباء التقى بعض من اعتاد ارتياد كازينو لبنان ورغب باستكشاف الكازينو الجديد الذي يقع بالقرب من مطار دمشق الدولي واسمه رامي (55عاماً) وقد صرح للمراسل قائلاً:
(كان المكان مكتظاً والمال يتدفق بغزارة)، وأشار إلى أن الكازينو الجديد (يمكنه أن يستقطب جزءاً كبيراً من زبائن كازينو لبنان، الذين يفدون إليه من بلاد الخليج وسورية والأردن والعراق).
وأضاف رامي (إنهم يصرفون مئات الآلاف من الدولارات في كازينو لبنان، الأحرى بهم صرفها هنا).
ويؤكد رامي أن (السوريين يشكلون حالياً الجزء الأكبر من مرتادي الكازينو، بالإضافة إلى بعض اللاعبين القادمين من دول الخليج ولبنان.(
ويضيف قائلاً: (لقد شارك في اللعب مئات الأشخاص، بينهم رجال يرتدون بزات رسمية ونسوة مساء السبت في هذا المبنى ذي العمارة الكلاسيكية وتزين واجهته أعمدة بيضاء مذهبة).
وينادي المشرفون على الألعاب بلباسهم الأخضر باللغة الفرنسية (العبوا.. العبوا).
أما عمر اللاعب المدمن (45 عاماً) فإنه – كما يقول – احتاج (إلى الاستعانة بأحد مسؤولي الكازينو لمساعدته على الدخول مع زملائه، لأن المكان كان مشغولاً بالكامل مساء السبت).
ويقول المهندس حسام أن الكازينو - الذي يقع على بعد ثلاثين كلم عن دمشق – (يقدم جميع أنواع اللعب، الروليت والبلاك جاك والبوكر وآلات المال).
وأوضح أحد مالكي الكازينو للمراسل، طالبا عدم الكشف عن اسمه، أن (الكازينو تمكن من فتح أبوابه الأسبوع الماضي بفضل ترخيص من السلطات).
ونادي أو كازينو القمار هذا يخالف القانون السوري الذي يحظر لعب القمار ويفرض ملاحقات قضائية ضد المخالفين.
وقد تم في السبعينات من القرن الماضي منع القمار في سورية، وأقفل الكازينو أبوابه في عام 1977.
أهل الحكم في دمشق في تحديهم للقوانين التي تمنع القمار يكونون بذلك كما يقال في المثل الشعبي: (حاميها حراميها)، وكما قال الشاعر: (إذا كان ربُ البيت بالدف ضاربُ فشيمةُ أهل البيت الرقص). وهذا ما تريده جوقة الحكم في دمشق أن يفسد الجميع فيكونون بين ضارب بالدف أو راقص.. وليأخذ الطوفان البلاد وأهله!!