بين التقنية الغربية والرفاهية العربية
بين التقنية الغربية والرفاهية العربية
جعفر عبد الله الوردي
لكل شعب ثقافة في سياسة الأمور ومشاريعها فالشعوب المتقدمة والمتفهمة تسعى إلى الإنتاج والابتكار بحيث تتصدر قائمة الإبداع في الصناعة والجودة.
وهناك شعوب حظها من التكنولوجيا الاستهلاك فهي شعوب مستهلكة تعيش على حسنات تلك الشعوب المطورة والعاملة ليل نهار.
ولكن الكارثة الكبيرة أن هذا الشعب المستهلك الذي لا يفقه من هذه الأمور إلا استخدامها قد يستخدمها فيما هي بلاء ووبال عليه.
تنجلي كثيرا الصورة في عالمنا العربي المستهلك، نحن شعوب مستهلكة، ليس لنا في هذا الوقت إلا جزء ضئيل من الثقافة العلمية والتكنولوجيا التي نشارك بها العالم المتقدم، مع أننا أمة نبيلة ذات رسالة وهدف وقدرات، لكن نحن اخترنا لأنفسنا الرعاع..!
الشعب العربي مستهلك لعلم وثقافة الآخرين، وبنسبة كبيرة يكون هذا الاستهلاك قاتلا ومدمرا، لأنه يُستهلك في غير وجه صحيح وموافق، فلنضرب مثلا لذلك، تجد الشعب العربي يتمتع برفاهية عالية في التكنولوجيا من جوالات وسيارات وخدمات أخرى قد يعجز عنها كثير من الشعب الغربي، ولكن وللأسف هي من نتاج الغرب واختراعهم وليس لنا حظ في ذلك إلا الاستهلاك بصورة غير صحيحة غالبا.
ومما استوقفني بشدة ما رأيته من سيارات عربية خليجية في شوارع أوربة كان الأوربيين يصورونها ويتمتعون بالنظر إليها وتستوقفهم في كل شارع وحي، ولكن ليس هذا فخرنا ولا عزنا، بل هم مَن يفتخروا بأنهم أركبونا هذه السيارة ووظفوا عقولهم وجهودهم لكي تخرج بهذا الجمال وهذا الإبداع.
والصورة الصحيحة أن يعجب العربي من الأوربي لا الأوربي من العربي لأن الذي بذل وفكر هو ذاك الأوربي، وقُدِّمت بعد ذلك على طبع من حديد لهذا العربي ذا الغنى الكثير والجيب الكبير والعقل الصغير..!
لو كان لنا في العلم تلك الأهمية الكبيرة لما استوقفنا الشكل بداية بل لسألنا كيف تم تصنيع هذا المنتج وبأي آلة وعلى أي صورة حتى أزداد علما وليس رفاهية جامدة، فلا خير في الرفاهية إذا كان صاحبها فارغ العقل والدماغ...
كلنا يملك جوالات حديثة ومتطورة ومنبهرين بهذه النهضة الكبيرة، لكننا لم نسأل يوما كيف صنعت وما المواد التي استخدمت في التصنيع وعلى أي نظرية طبقت هذه التكنولوجيا بل سؤالنا أريد جوالا لماذا لا تشتري لي ؟ أريد سيارة حديثة لماذا تحرمني منها ؟ .. فطلباتنا استهلاكية جامدة لا وعي فيها ولا تدبر.. فإلى متى سيبقى شعبنا هكذا، وإلى متى ستظل تسعى الأجيال إلى هذا الطموح الساذج.
جل هذه التكنولوجيا وهذا التطور العلمي الهائل أخذ بلا شك ولا ريب من العرب ومن فكرهم النير ومن كتبهم التي يشهد لها التاريخ والأمم. لكن الآن صدق فينا قول الشاعر: لكن في العلم لنا وقفٌ ،،، ولنا رايات لا تطلعْ ...!