حوار الهراوات
د. مأمون فريز جرار
شهدنا في الأسبوع الأخير مشهدين من حوار الهراوات والبشر ، واحد في الكويت في ديوانية كانت تبحث شأنا سياسيا ، والآخر في مباراة الوحدات والفيصلي ، ولعل القاسم المشترك بينهما هو ( اللعب ) فمن المصطلحات الشائعة ( اللعبة السياسية ) هؤلاء يلعبون سياسة وهؤلاء يلعبون بالكرة ، ويبدو أن الحصانة قد رفعت عن اللاعبين جميعا وعمن يشاركونهم لا في اللعب بل في المشاهدة أو المشاركة الشعورية ، ويمكن أن نضيف قاسما مشتركا آخر بين الكرة والسياسة هو : الضرب بالهراوات ، فقد ضرب ( النواب ) وجمهورهم المشارك لهم في الرأي ، وضرب في الملعب جمهور المشجعين وضربهم إهانة لمن جاؤوا من أجله إلى الملعب
وبعيدا عن إصدار أحكام التي تحتاج إلى دراسة الأدلة وحكمة القضاة !! لننظر في المشهد نفسه هكذا ، وليكن مشهدا صامتا ، وأظن أن الحكم على مشهد الضرب بالهراوات في الصورتين مشهد غير حضاري ويجب أن يخرج من الحياة السياسية والرياضية بل يجب أن يخرج من تفكير أصحاب السلطة ما لم يكن له موجب حقيقي لا يختلف فيه ،
الضرب رمز إهانة وانتقاص من كرامة الإنسان : المواطن الذي هو ( أغلى ما نملك )
الضرب يذكرنا ببيت الشعر العربي :
العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة
الضرب ينم عن وجود قرار في موقع ما يتعلق بالمضروب ، يكون فيه صاحب القرار نصب نفسه قاضيا ووجه التهمة إلى المضروب واتخذ الحكم بتجريمه وأوقع به العقوبة من غير أن يتيح له المجال للاعتراض أو الدفاع عن النفس
الضرب يكون مرفوضا ومستنكرا حين لا يكون له داع فوري وتكون البدائل حضارية وممكنة وقابلة للتطبيق ، فإن لم يكن هناك اعتداء أو إساءة مباشرة تهدد النفس أو المال العام ولم يكن هناك تخريب فأي داع للضرب ؟؟
المطلوب أولا أن ننظر إلى هذا الإنسان نظرة احترام وتكريم ، نظرة توجد لديه الانتماء والولاء ، والانتماء والولاء لا يكونان بالقسوة والإهانة بل بالرعاية والتكريم ، علينا أن نتذكر قول رب العالمين : ( ولقد كرمنا بني آدم ) ونتذكر قول عمر رضي الله عنه : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "
علينا أن نتذكر أن القسوة والشدة في غير موضعهما يولدان الأحقاد ، ويثيران الفتن ، ويكونان بيئة لنشوء رد الفعل الذي يصل إلى ( الإرهاب )فالظلم هو المرتع الخصب للإرهاب الذي يأكل الأخضر واليابس ، وفي أحداث التاريخ القريب والبعيد عبرة لمن أراد ، ولعل من أهم أسباب الهجرة من العالم الثالث إلى أوربا وأمريكا وأستراليا بالإضافة إلى الجانب المادي بل ربما قبله هذا الجانب الإنساني الذي يحفظ كرامة الإنسان والذي افتقده المهاجرون في أوطانهم التي غادروها وفي قلوبهم غصة
منظر الحوار بين الهراوات والبشر بغير داع مقنع نتمنى أن يزول من حياتنا ، لأن الضارب والمضروب ليسوا أعداء ، فهم أبناء وطن واحد وبينهم من الروابط ما يجب أن يكف الهراوات أن تهوي على الرؤوس والأيدي والأجساد ، والوطن أي وطن ، يكبر بالعدل والحب ويضيق بالعداوة الناشئة عن الظلم والقسوة.