الثاني من أكتوبر اليوم العالمي ضد العنف

الثاني من أكتوبر اليوم العالمي ضد العنف

العنف في الإسلام

ذ. امحمد رحماني

[email protected]

تجلت حكمة الله سبحانه في خلق آدم وإنزاله لأرض الدنيا حتى يكون خليفة يحكم بأمر الله ويتبع أوامره ويجتنب نواهيه ، حتى يسود النظام وتتحقق الحياة على مبادئ أساسية  يمكن للإنسان أن يقيم الخلافة الموعودة التي أمر الله بها عباده ، وتشكيل هذه الخلافة يحتاج إلى أسس وقواعد ضرورية تتمثل في الجو العام لنموها وظهورها ، من ذلك فقد أرسل الله أنبيائه برسالة تتضمن المنهاج المنشود لإقامة هذه الخلافة وفق ضوابط ومعايير إلهية صرفة ، وكان آخر نبي حمل هذه الرسالة هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بما تضمنه القرآن الكريم من توجيهات وتوصيات وأوامر تخص تثبيت نظام الحكم وتأطير الجو العام للحياة الإنسانية ، وبما أن الخلافة المنشودة تحتاج إلى مكان لتقام عليه فهي كذلك تحتاج إلى عقل يقيمها على مكانها ، والعقل هذا ليس عقل رجل أو رجلين وإنما هو عقل أمة يجب أن تُعمل جهدها لإنجاح هذا المشروع الضخم ، فكان بقدرة الله أن وجد المكان وهو الأرض ووجد العقل وهو الإنسان ووجد الحكم وهو القرآن ، فليس بعد ذلك إلا الأخذ بالقرآن وتسير الإنسان على الأرض فتتحقق بذلك الخلافة دون شك ولكن كما اقتضت حكمة الله أن تكون هناك جنة فقد اقتضت كذلك أن تكون هناك نار ، وهذه الجنة وقد اشتهيت من طرف الرسل والعباد وتلك النار وقد استقبحت من الرسل والعباد ، وإقامة المجتمع على أمر الله وحكمه يقتضي من المقيم بيان حكمة خلق الجنة والنار حتى يعمل بأشياء وينتهي عن أشياء فجمع الناس في مكان يحتاج إلى عدل ووجود العدل دليل على وجود الظلم ، ويحتاج إلى تفاهم ومحبة وتكامل وهدف ، وكل هذا دليل على وجود أضدادها لوجود نار مقابل جنة ، فصاحب عدل يدخل جنة وصاحب ظلم يدخل نار ، من ذلك فتطبيق ما يوصل إلى الخلافة أمر محمود وممدوح وتطبيق ما يفسدها أمر مذموم ، والعنف بلا شك أمر وجد في الحياة ، فهل يؤدي إلى صلاح الخلافة أم إلى فسادها ؟ وهل هناك عنف مذموم وعنف محمود ؟ 

يشير القرآن الكريم وهو المنهج الرباني بألفاظ كثيرة إلى العنف المؤدي إلى إخلال نظام الخلافة الذي أمر به الله سبحانه ، وأعم هذه الألفاظ لفظ "الفساد" والذي يأتي في معنى الانتهاك والتعدي والضر (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ) (1) ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك )(2) فالعنف المؤدي إلى الفساد بشكل عام يتصف بصفة الإهلاك ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحر والنسل والله لا يحب الفساد )(3) ويتصف بالإسراف وهو العنف المسلط على الخيرات المادية ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا )(4) والإسراف في الطبيعة عنف وتسلط وتجبر ، ويتصف بصفة التعدي على أمن الناس وحياتهم وممتلكاتهم ، فهذا عنف ضار مؤدي على زوال الخلافة وإفسادها ، والتعدي بشكل عام يشمل الزنا وقتل النفس والجراح والحرابة والسرقة والقذف وهو عنف مذموم في الإسلام يحتاج إلى بتر كاليد المريضة في جسم الإنسان تحتاج إلى قطع لكي يحيى الإنسان سليما ن وعملية البتر هذه في حد ذاتها عنف سلط على عنف ، فالعنف المحمود هو الذي يؤدي إلى إصلاح ما افسد المجرمون ، وهذا بيد الدولة لا بيد الناس حتى لا يختل النظام ويصبح كل من هب ودب ينادي بإصلاح الفساد بقتل الناس ، فتحتاج الدولة إلى نوع من العنف لتقيم به الحياة وهو أمر شرعي صرف فهي تحتاج لقطع يد السارق حتى لا يسرق الناس فتحفظ أموالهم وتحتاج لقتل القاتل حتى لا يقتل الناس فتحفظ أرواحهم وتحتاج لقتال طائفة حتى لا يقتتل الطرفان فتحفظ وحدة الناس وتحتاج إلى تقطيع أيدي وأرجل الذين يرعبون الناس حتى تحفظ أمن الناس .

                

* - باحث ومفكر مغربي

1 –البقرة :11.

2 – البقرة : 30 .

3 – البقرة : 204-205.

4 –الأعراف:31.