فتنة
ناديا مظفر سلطان
روى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إنها ستكون" فتنة".
قلنا ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو بالفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق(يبلى)على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به .من قال به صدق ومن عمل له أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.
وقد أجمع أهل العلم على أن هذا الزمان هو زمان" فتنة"،
( وأن المرأة في زمن الفتنة تغطي وجهها).
و التحذير من الفتنة قد ورد في كتاب الله في مواضع عديدة ومقاصد كثيرة .فالخير والشر فتنة ، والأموال والأولاد فتنة، والنار فتنة....
ولكن أول ذكر جاء في القرآن" للفتنة" كان بغاية التحذير وهي التوصية من رب العالمين التي زودها ل نبيه لآدم وهو يغادر الجنة ويهبط إلى لأرض
"يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما"الأعراف 26
والتوصية التي حملها معه آدم، كانت موجهة أيضا لذريته من بعده على مدى الأحقاب والعصور وحتى قيام الساعة. و كانت نداءا موجها لآدم وزوجه معا حيث أن النداء اتخذ صيغة المثنى( ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما) ولم يكن توجيها مقتصرا على الأنثى
فحسب
"يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير"
ولباس التقوى لذي يخص المرأة فقط والمتعارف عليه اليوم ب (الحجاب) قد بينه القرآن بآيات لاحقة في سورتي النور"وليضربن بخمرهن على جيوبهن"
والأحزاب "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن"
ثم أتى تفصيله في الحديث النبوي
(يا أسماء ، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه)
والتنبيه الإلهي في موضوع الفتنة يتابع في السورة ذاتها الأعراف 28
وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون
والقرآن لم ينه فقط عن الفاحشة (الزنى) بل بالغ في التحذير من الاقتراب منه .
ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا"32-17
وعدم الاقتراب يعني اتخاذ سبل الوقاية من الطرق المؤدية إلى الوقوع في هذه الهاوية
والله ينهى عن جعل القران "عضين"، بل ينبغي الأخذ به بشكل متكامل ولا يؤخذ بآية دون أخرى
وموضوع "الفتنة" في القرآن لم يكن في اللباس فحسب ولكن هناك اعتبارات ثلاث.
1-فتنة الجسد:
والوقاية منها اللباس(الخمار والجلباب للمرأة ) أمام غير المحارم من الرجال
وهنالك أيضا عورة المرأة أمام المرأة والرجل أمام الرجل
كمنع للوقوع في فاحشة الجنس المثلي (Homosexuality )
2-فتنة الوجه:
والوقاية منها
أ- غض البصر للطرفين رجالا ونساءا" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"
ب -وعدم التبرج للنساء(المكياج)"ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها"
3-وفتنة االجوارح:
أ-إن الإنسان من ذكر وأنثى محاسب على الجوارح ما تشهد عيناه وما تسمع أذناه وما يختلج في قلبه
"إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا "
وفي آية أخرى"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم ، علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور رحيم"
ب-هنالك إيماءات يمكن أن تؤدي إلى الوقوع في الفتنة وهو ما يسمى لغة الجسد Body) language))
وهو ما حذر منه القرآن:" و لا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن" 31-24
وهكذا ف اللباس(لباس التقوى) شرط لازم لاتقاء الفتنة، ولكن غير كاف
وإن الالتزام بإحدى سبل الوقاية وإغفال الأخرى لن يقي من الفتنة أبدا
ومن تعلن أنها تقية الجوارح وكثيرة الذكر ونقية القلب ،وليست مضطرة إلى التقيد بالشرط الأول وهو اللباس ، فإنها تغفل فرض اللباس والوصية الأولى من رب العالمين إلى بني آدم باتخاذ لباس التقوى.
وفي الوقت ذاته، هنالك الكثير من المتسربلات بالجلباب اللواتي يملكن أساليب الفتنة والإغراء بالمشي والحركة ما لا تملكه غيرهن من السافرات ،أولئك قد حققن الشرط الأول والثاني وأغفلن الشرط الأخير.
و (عبد الله) شاب نشأ في بيئة دينية ملتزمة وفي مدينة تغطي نساءها وجوههن ولكنه اعترف لي مرة أنه مهما كانت المرأة متسربلة بالسواد من قمة رأسها حتى أخمص قدميها إلا أنه يستطيع أن يعرف الكثير من التفاصيل الجسدية عنها ، طول عنقها مثلا ولون بشرتها ومقاس ملابسها وحتى مقاس حذائها!
وهذا يدل على أنه لم يلتزم بشرط غض البصر الذي فرضه الله على الجنسين رجالا ونساءا
بل إن التحذير قد ابتدأ بالرجال قبل النساء "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"
ومن ير أن الحل هو أن على المرأة أن تلزم دارها فلا تخرج منها إلا إلى بيت زوجها ثم إلى القبر إنما هو يغفل فرضا على الرجال بغض البصر ويجعلهم في حل من أي مسؤولية ألزمهم بها الله لدرء الفتنة
وماذا لو أن المرأة لم تتزوج أو كانت مطلقة أو أرملة وليس لديها ولد، فمن يرعى شؤونها وينفق عليها؟
وفي بعض المدن من البلاد الإسلامية اعتاد الناس على رؤية المرأة وهي تغطي وجهها في المملكة السعودية وفي أفغانستان
ولكن تغطية الوجه في بلد اعتاد فيه الناس على رؤية النساء شبه عاريات هو نوع من الفتنة أيضا ، وبالأمس كان الطقس مشمسا وقاربت درجات الحرارة من العشرين وظهرت الفتيات قرب داري، على شاطئ بحيرة أونتاريو-كندا- كاسيات عاريات فلم ينتبه إليهن أحد بينما كانت المنقبة الوحيدة محط أنظار المارة وموقع مراقبتهم وتساؤلهم ..لماذا أنت هنا؟
و القرآن الكريم لم يتعرض إلى ذكر فتنة الوجه سوى مرة واحدة، وكانت تخص"رجلا "
وليس امرأة وذلك عندما سرد قصة يوسف، ومن قصة يوسف عليه السلام ،عرّفنا الله سبحانه أن وجه الرجل يمكن أن يكون فتنة ولم يعبر القرآن عن فتنة بهذه الجرأة وتلك الشراسة كتلك التي جاءت في سورة يوسف ، ف امرأة العزيز ورهط من نسوة المدينة ومن علية القوم اجتمعن على تهديد يوسف بعنف وصفاقة عجيبين
"قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين"33-12
ولكن أهل العلم قد أفتوا بإلزام المرأة فقط بتغطية وجهها لدرء الفتنة واختلفوا في شأنه بين مستحب وبين واجب ولكنه قد أبرموا أنه ليس حرام قطعا
و الاستحباب في الإسلام له مجالات مختلفة وليس فقط بما يتعلق بموضوع الفتنة
وقد ورد في صحيح مسلم- كتاب الطهارة
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا خلف يعني ابن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه فقت له يا أبا هريرة ما هذا الوضوء فقال يا بني فروخ أأنتم هاهنا لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء
سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.
وفي كندا (كيبيك)حيث أثيرت قضية النقاب قدم حزب الأحرار عبر وزيرة العدل في الحكومة المحلية كاثلين ويل مشروع قانون حمل الرقم 94 أو ما عرف ب (قانون النقاب) أو( قانون نعيمة) نسبة للمرأة التي كانت وراء تحريك مسألة النقاب في الساحة الكيبيكية بعد طردها من صف تعلم اللغة الفرنسية بسبب ارتدائها النقاب
واليوم تؤكد الإحصائيات عن وجود رأي عام لا يرفض النقاب فحسب بل الحجاب أيضا (لباس التقوى) بالرغم ان هذا اللباس لا يحجب هوية الأنثى مثل النقاب وليس هنالك داع لمنعه سوى كراهية الدين الإسلامي (حسب مقال ل حسين حب الله في العدد 284 من صدى المشرق)
والحقيقة أن إفشاء العدل في بلد يحمل ساستها الكراهية تجاه فئة من البشر، قضية أخلاقية عالية ، لا توجد ولا تتحقق إلا في ظل الشريعة الإسلامية، إذ أن العدل بين الأنام هو فوق كل اعتبار
"ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" المائدة 8
ولكن ومع الأسف قد تم الخلط اليوم بين لباس المرأة الإسلامي لباس التقوى (الفرض) وبين غطاء الوجه (الاستحباب)
وإن( ضياع الطاسة) والحكم بمنع الاثنين ،(لباس التقوى، وغطاء الوجه). فيه ظلم للباس التقوى الذي هو فرض ، وجزء لا يمكن إغفاله في منع الفتنة ،ولكن جعل الاستحباب واجب هو الذي انتهى بالواجب إلى المنع وأدى إلى وقوع الظلم عليه.
ولعل هذا النهاية التي انتهى إليها ( لباس التقوى) هو الذي جعل أبو هريرة يخشى أن ينقل الناس عنه طريقته في الوضوء و(استحبابه) الاستزادة من الحلية ، لأن الواجب لا يمكن أن يتعارض مع تقدم الأيام ومرور الأزمان وهي حكمة الله فيما جعله فرضا وواجبا .أما الاستحباب فهو اجتهاد بشري لابد أن ينتهي إلى الفشل والتعارض مع مقتضيات الحياة.
إن وسطية الإسلام ومعجزة أحكامه أنها يمكن أن تسري بين الأنام أينما كانوا وحيثما حلوا وكذلك الاعتدال بين درء الفتنة من جهة، وبين الحض على العمل والمساهمة في بناء الحضارات من جهة أخرى .
واليوم أنواع الفتن كثيرة(ليس وجه المرأة) ،والفتنة أشد من القتل ،والزواج بين أفراد الجنس الواحد يهدد بانقراض البشرية في بلاد الغرب ، والعالم يغرق في جحيم العنف والقتل وسفك الدماء .
وبعض الأعمال الإرهابية قام بها رجال تنكروا بلبس النقاب ، وبعض الحوادث تذكر شروع بالاغتصاب قام به شاب ارتدى النقاب وتسلل إلى حمام الفتيات في إحدى المدارس .
ويبقى الالتزام ب ما دعا إليه( كتاب الله العزيز) نساءا ورجالا على حد سواء ( دون مزايدة على الله) كاف لدرء الفتنة عامة، وعدم إيقاع الظلم بالمسلمات المتخذات لباس التقوى بشكل خاص .