إذا اضطررنا سنقسم كذباً
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
لا أذكر منذ بداية وعيي السياسي، وبدأ وعيي بجيل مبكر نسبياً وقطعياً، وقاحة عنصرية. تميز البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، كما هو عليه اليوم.
لا أقول ذلك دفاعاً عن الواقع البرلماني منذ إقامة دولة إسرائيل، ولكن ما ميز برلمانات إسرائيل السابقة، أن قراراتها العنصرية لم تكن مفضوحة وفظة في مباشرتها، وسوقية التهليل لها من قوى اليمين.
كان مثلاً لدينا خوف من وصول حزب مناحم بيغين، (الحيروت – الليكود اليوم) للسلطة، فنحن أقلية مقطعة الأوصال مهددة بالتهجير، تخضع لأبشع أنواع القمع البوليسي وتحديد حرية التنقل، محكومة من جهاز خاص أسمه الحكم العسكري، الذي كان يفرض علينا سجناً كبيراً، لا خروج لنا من بلداتنا بدون تصاريح محددة باليوم والساعة. لا وظائف إلا لمن يرضى عنه الحكم العسكري. جهاز التعليم يخضع لسيطرته المطلقة، المعلمين الذين يحترمون مهنتهم يفصلون، أو يعيشون على أعصابهم خوفاً من كلمة تفسر بما لا يقع حسناً على آذن المخابرات، التي أضحت جهازاً أخطبوطيا جندت الزوج ضد زوجته، والأب ضد أبنه والعكس صحيح.
وللحقيقة، في معركتنا الصعبة والمكلفة نضالياً لإلغاء الحكم العسكري، لم تنجح إلا بدعم مناحم بيغين وحزبه إلى جانب الحزب الشيوعي وبعض أحزاب اليسار الصهيوني الصغيرة لإبطال الحكم العسكري، الذي اعتمد قوانين الانتداب الاستعماري البريطاني، والعرب أعضاء حزب مباي - بن غوريون، صوتوا إلى جانب إبقاء الحكم العسكري ضد المواطنين العرب لأنه "لصالح المواطنين العرب" كما قال في الكنيست عضو كنيست من عرب حزب بن غوريون، وصوت من أجل إبقاء الحكم العسكري على الجماهير العربية.
صحيفة هآرتس تتوقع، كما كتب الصحفي يهونتان ليس، أن تعمل الكنيست الحالية، التي يُقيمها المتنورين ورجال الفكر والأكاديميا بأنها أسوأ كنيست في تاريخ إسرائيل، على تشريع العديد من القوانين العنصرية في دورتها القادمة.
المفارقة، أن المفاوضات مع الفلسطينيين من أجل إنهاء النزاع التاريخي والوصول إلى حل يعيد للشعب الفلسطيني القليل من حقوقه الوطنية، يرافقه حمله عنصرية شرسة ضد الأقلية العربية، المفروض أن تشكل جسراً للتفاهم.
هذا لوحده يجعلنا نقطع بثقة أن نتنياهو يتوهم أنه "ساحر سياسي" قادر على خداع قادة العالم بألعابه السحرية التي يقدم عروضها تحت ستار "مفاوضات السلام".
ربما مع ظهور مقالي، تحدث تغيرات واسعة جداً، تتوقف المفاوضات بقرار عربي، أو يجري الانتقال لمفاوضات "سرية"، أو يمدد تجميد البناء الوهمي، وليس سراً أن أل 24 ساعة في إسرائيل هي أشبه بعقد سياسي كامل في دوله أخرى.
قوانين ابرتهايد في عصر سقوط الأبرتهايد !!
الدورة الماضية للكنيست أطلق عليها تسمية "الدورة الأكثر عنصرية ومعادية للديمقراطية" وهذه الصفة لم يطلقها العرب بل جاءت من الوسط اليهودي، من المنظمات الاجتماعية والحقوقية المختلفة. وعبرت جمعية حقوق المواطن عن قلقها من الخطوات الحكومية الأخيرة، لفرض قسم عنصري على المواطنين العرب.
يبدو أنها كانت دورة تمرين لما هو قادم في الدورة الجديدة، حيث سنشهد سيركاً عنصرياً للانتقاص من حقوق الأقلية العربية، وتقليص مساحة الديمقراطية.
أن اقتراح قانون المواطنة (الجنسية) هو فتح لمغارة علي بابا الإسرائيلية المليئة بجواهر عنصرية لا تُخجل أكثر الأنظمة الفاشية والقمعية في العالم.
مثلاً رئيس لجنة القانون في الكنيست، دافيد روتم من حزب ليبرمان – يسرائيل بيتينو- قال بحماس أنه سيعمل لتمرير قانون نتنياهو بأسرع ما يمكن. وبالمقابل من المتوقع أن يعمل على تمرير قوانين أخرى، حولها خلاف بسبب جوهرها العنصري، والتي طرحت على مائدة لجنة القانون في الكنيست.
مثلاً متوقع أن يطرح نصا "أكثر ليونة" لما يعرف "بقانون النكبة " الذي قدمه عضو الكنيست الكس ميلر من "يسرائيل بيتينو" أيضاً، والذي ينص على قطع التمويل من الدولة، عن الهيئات التي تنظم فعاليات بيوم النكبة الفلسطيني وهو قانون، عدا عنصريته، معاد للديمقراطية ويهدف حرمان المواطنين العرب بالأساس، من حق التعبير عن الرأي، والتعبير عن الألم الذي يتواصل ما دام أبناء شعبنا الفلسطيني تحت الاحتلال وموبقاته.
وهذا القانون المقترح عبر التصويت الأول وسيطرح للتصويت مرتين أخريين ليصبح قانوناً ساري المفعول. من حزب أخر هو "البيت اليهودي" هناك اقتراح قانون ل "منع التحريض" قدمه عضو الكنيست زفولون اورليف وينص على أن كل من يعبر عن موقف ينفي حق وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية – يعتقل !!
وهناك قانون عنصري للالتفاف على سابقة قضائية للمحكمة العليا، التي أقرت حق كل مواطن في الدولة، بغض النظر عن دينه أو قوميته أو جنسه أن يحصل على أرض أو سكن مثله مثل أي مواطن أخر وفي أي بلدة في إسرائيل، والقانون المقترح تحت أسم " لجنة القبول في البلدات" لعضو الكنيست دافيد روتم – يسرائيل بيتينو- بمشاركة يسرائيل حسون وشاي حرمش من كاديما، ينص على أن لجنة القبول للبلدات لها حق برفض مرشحين غير ملائمين لوجهة النظر الأساسية للبلدة، وهذا بهدف منع غير اليهود من السكن في البلدات التي تبنى عملياً على أراضي العرب المصادرة، والقانون صودق عليه بالقراءة الأولى وينتظر القراءتين الثانية والثالثة.
وكنا قد نشرنا عن قانون منع النقاب الذي اقترحته عضو كنيست من كاديما.
ويبدو أن "الخير العنصري" سيتكاثر مع مثل هذه الكنيست، ومثل أولئك النواب، ومع حكومة رئيسها يقترح قانوناً عنصرياً فظاً.
لن أطرح شعارات لم يعد لها مضمون حول صمودنا وتمسكنا بارضنا. ليس هذا المطروح ، انما تنظيم معركة حقوقية مع الدمقراطيين اليهود ، ومع الجمعيات الحقوقية والاجتماعية والقانونية ، استعدادا لمعركة مصيرية ، قانونية وشعبية، وبرلمانية ودولية ، لفضح قوانين الأبرتهايد في عصر سقوط الأبرتهايد!!
واضيف ان اسرائيل ،دولة شبه وحيدة في العالم بدون دستور ، عادة يقسم الانسان يمين الولاء لدستور الدولة الذي يضمن الحقوق الأساسية للمواطن، وعلى رأسها حق المساواة ، وبغياب دستور في اسرائيل سيكون القسم لقانون عنصري مرفوضا.
واذا اضطررنا سنقسم كذبا !!