فتيات اليوم .. معترك الواقع والخيال
فتيات اليوم .. معترك الواقع والخيال
الباحث / محمد عبد الكريم النعيمي - الرياض
[email protected]
تتنازع نسبةً كبيرةً من فتياتِ اليوم اتجاهاتٌ شتى، ومشاربُ مختلفة، تخلق لديهنَّ
انقساماً ذاتياً، وتتسبب في أمراضٍ نفسية واجتماعية وأخلاقية بل وأحياناً دينية،
تَصعبُ مداواتُها، وَيَتَعَسَّر علاجُها، خاصةً إذا لم يُبادَر للقضاء على تلك
الأمراض في مَهدها، بطريقة سليمة، وأسلوب حكيم.
ولعلَّ أكثر ما يُثير في أجواء الفتيات تلك السُّمومَ الفكرية والجراثيمَ
الأخلاقية هي وسائلُ الإعلام بأشكالها المختلفة، في غفلةٍ من الأُسَرِ عن غرس الفكر
الصحيح والأخلاق الفاضلة في نفوس الفتيات، بمنطقٍ يتماشى مع التقدم المعرفي
والتِّقْنِيّ المُتَسارع، بعيداً عن سياسة الحَجْب والتضييق التي أثبتت فَشَلَها
بكل المقاييس، فالحياةُ اليوم معركةٌ حتمية لا يمكن تَجنُّبُها، ولن يَنجُوَ
الفارُّ مِن ساحِها مِن رصاصةٍ طائشة، أو قذيفةٍ مُهلكة. فإما أن تتقدَّم الصفوفَ
بدروعك الواقية، وأسلحتك الرادعة، وإما أن تتوارَى خلفَ جدارٍ - تَظُنُّه الحِصْنَ
الحَصين - فلا تَلبَثُ أن تُسقِطَه عليك النيرانُ المتتابعة، فيكون فيه هَلاكُك.
ويبدو جلياً أن وسائل الإعلام تحاول الوصولَ إلى الفتاة عبر قَنطرة العاطفة، وهي
التي تُغشي - في أَحايينَ كثيرة - صوتَ العقل والمنطق لدى الفتاة.
ولا ريب أن من أسباب تَقَبُّل الفتاة لكل وافدٍ من الأفكار المُزَيَّفة والأخلاق
المُنحَلَّة، بعضَ تلك الأعراف البالية التي لم يُقِرّها شَرْع، ولم يَستَسغْها
عقل، وما هي إلاَّ ضلالاتٌ أخذتها بعضُ المجتمعات عن آبائها وأجدادها، فهي على
آثارهم ماضية، وعن جهالاتهم راضية.
إزاء هذا.. تقع الفتاةُ بين الواقع البائس اجتماعياً، والجافِّ عاطفياً، وبين
الخيال الروائي والسينمائي، المُفعَمِ بالحياة المُرَفَّهة، والعاطفة الجياشة، في
أحضان علاقاتٍ مُحَرَّمةٍ مُزَخْرَفَة، ودَنَسٍ اجتماعيٍّ برَّاق.
وفي ظلِّ غَلَبة العاطفة على العقل، وتقلقل الحصانة التربوية والأخلاقية، ووقوفها
على شَفا جُرُفٍ هارٍ في نفس الفتاة، ستكون النتيجةُ المتوقعةُ مأساويةَ السبيل،
كارثيةَ المصير.
فإذا وقع المحذور، أَخَذَ البعضُ - هَرَباً من مسئوليته - يُحَمِّلُ شياطينَ الإنس
جَريرةَ ما وقع، وَسَلَقَهُم بألسنةٍ حِدَادٍ لا تَدفَعُ شراً، ولا تَجلِبُ نفعاً،
وهَزَّ أعوادَ المنابر دَوِيّاً، واستعبر العيون، وَشَحَنَ النفوس، لغير شيء يُنال،
ولا خِطَّةٍ تُطال.
والسؤال هو.. ما دُمنا نَعرِفُ أن المعركةَ بين الخير والشرِّ حتميةُ الوقوع.. وأن
الشيطان قد تَعَهَّد أمام الله تعالى أن يَركَبَ كلَّ سبيل لإغواء بني آدم.. وأنه
يتخذ من بعض البشر عملاءَ وخونةً لمساعدته في مهمته.. ما دُمنا نعرف بل نؤمن بهذا..
لماذا لا نُتقِنُ - حيالَ ذلك - إلاَّ الصُّراخَ والتباكي والشَّتمَ والاتهامَ
وغيرَ ذلك من أشكال العَجْز وَضُروبِ السَّلبِيَّة والانهزام؟ لماذا لا يأخذ كلٌّ
منا مَوقِعَه من المعركة؟ إيماناً وعبادةً.. سُلوكاً وأخلاقاً.. تربيةً وإصلاحاً..
جِدّاً وَحَزماً.. خَفْضاً وَلِيناً.. علماً وَفَهماً.. عملاً وإتقاناً..
مُعَاصَرةً ومواكَبَةً.. دَعوةً وَتَبصرةً.. جهاداً ومُدافَعَة.. ثم بعد ذلك
كلِّه.. اتِّكالاً على الله ورضاً بما قَسَمَه وقَدَّرَه؟!.