"المحرك الحضاري" هو الحل
"المحرك الحضاري" هو الحل!!
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
لا نلم بالقضايا العسكرية، ولكننا نفهم أن القوة العسكرية هي استمرار وغطاء للقوة السياسية. هذا في المفاهيم البسيطة!!
ورغم أن العالم العربي يتزود بأسلحة بمليارات الدولارات، إلا أننا لم نلمس أن السياسة الشرق أوسطية تأثرت قيد أنملة من هذه الأسلحة. أو أنها نجحت بتغيير المواقف السياسية، بحيث يميل الميزان السياسي لصالح المواقف السياسية العربية، والنموذج الأفضل للمقياس، هو الموضوع الفلسطيني، بكل ارتباطاته بما يجري في منطقة الشرق الأوسط،. صحيح أن مفاتن هيفاء تشغل العقل العربي أكثر من التخلف العلمي والتكنولوجي للدول العربية، بالمقارنة مع اسرائيل مسألة توريت السلطة في الأنظمة العربية، أضحت الشاغل الأهم في السياسة العربية. وموضوع النقاب وخطره في فرنسا يجعل عشرات الملايين يتوترون وينتفضون ويعلنون الغضب على فرنسا، ونجد أكبر دولة عربية مصر، تنشغل بشبه حرب دينية، بالأسلمة والتنصير، وتختلف حول امرأة، اذا اسلمت أو تراجعت، وكأن نصر الله سيأتي من اسلامها أو ارتدادها، لدرجة أن الأزهر غرق في هذا النزاع المؤلم والمؤسف بدعوة بعض "علمائه" الى فرض المقاطعة على محلات المسيحيين في مصر.
ولا بد من العودة لموضوع السلاح في الشرق الأوسط.
كما أراه من وجهة نظري السياسي ، فأنا، والحمد لله... لم تلامس يدي معدن أي قطعة سلاح....
ان صفقة السلاح للسعودية، بقيمة 30 مليار دولار( ومعلومات جديدة تتحدث عن صفقة 60 مليار دولار ) لم تقلق اسرائيل، ولكن صفقة صواريخ " ياخونت" الروسية المضادة للسفن الى سوريا، اشغلت السياسين الاسرائيليين والاعلام الاسرائيلي، وآخر البدع أن عضو الكنيست اليميني زئيف الكين يهدد روسيا بتجديد تسليح جيورجيا اذا زودت سوريا بصواريخ ياخونت.
يا خوف عكا...
ليس من الصعب أن نصل الى استنتاجات حول هذا التناقض.
من الواضح أن الفرق هو في سلاح يشكل انقلاباً في قدرة التمادي العسكرية لاسرائيل. وسلاحاً يشكل تهديداً ، لا يطول اسرائيل شيئاً منه، بل يخدم مشروعها المعادي لتنامي القوة العسكرية للدولة الايرانية.
الاحتجاجات على تسليح الجيوش العربية تخلق وهماً في الشارع العربي، بأن التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل بات وشيكاً.
الحقيقة أكثر بعداً بملايين الأميال.
أفهم أن القلق الاسرائيلي ليس من تغيير أي توازن عسكري أو سياسي، صواريخ "ياخونت" لن لن تغير من السيادة العسكرية المطلقة لإسرائيل في الشرق الأوسط ، وكل ما قد ينتج عن "الياخونت" و المضادات للطائرات، أو الصواريخ المتعددة الأسماء والاستعمالات، هو التسبب بخسائر مؤلمة أكثر، ولكنها في حسابات الجنرالات تظل خسائراً هامشية وغير حاسمة في الحروب التي تملأ خططها جوارير الحرب الاسرائيلية وعقول الجنرالات.
لا أظن أن هناك انسان عاقل واحد، بغض النظر عن دينه أو قوميته أو جنسه أو لونه، يرى بالحرب طريقاً للخلاص.
حتى اليوم ثبت أن كل حرب، قادت الى حرب اسوأ، وكل انتصار قاد الى مآسي مؤلمة أكثر، وكل هزيمة قادت الى بناء قوة أعظم. وما شاهدناه في شرقنا يثبت أن الانتصارات لم تعد متاحة لأي قوة عسكرية ، مهما ملكت من أسباب التفوق. سيكون هناك مهزومين فقط... والبعض مهزومين أكثر ليعيدوا بناء قوتهم بمقاييس ومفاهيم أعم وأشمل، وبتنا نعرف أن لا حدود للقوة، الا الإبادة المتبادلة.
القلق الاسرائيلي من تزود سوريا بصواريخ، أو تزود ايران بصواريخ أخرى، يشير فقط الى أمر واحد لا يمكن تجاهله. ان اسرائيل تريد تخفيض خسائرها في الحرب القادمة...!!
أي أن كل فرض الوصول الى حل سلمي هي ثرثرة.
كما افتتحت مداخلتي،باني لا ألم بالقضايا العسكرية، الا بما تشكله من تعزيز للمكانة السياسية وفي حالتنا، للوقاحة الاحتلالية والشوفينية القومية المنفلتة بدون عقل ،وقد باتت تقلق أوساطاً عقلانية واسعة جدا ، ومن كل الاتجاهات السياسية ، في المجتمع اليهودي نفسه.
لست واهماً بقدرة صواريخ معينة على قلب التوازن الاستراتيجي. القوة ليست بقدرة أي صاروخ على اصابة هدفه .
من هنا رؤيتي أن الصراع في الشرق الأوسط، يجب أن يتجه نحو ساحات ابعد ما تكون، شكلياً على الأقل، عن مفاهيم القدرات العسكرية المباشرة لأي جانب في الصراع الشرق الأوسطي الذي تعددت رؤوسه وساحاته.
ما سيحسم الصراع الشرق اوسطي في أوضاعه السائدة اليوم، لن يكون الجانب العربي. ولا أقول الجانب الاسرائيلي مطلقاً. ولكن الحسم لن يكون بعيداً عن تلبية العديد من المصالح الاستراتيجية لاسرائيل، حتى لو لم يبرز ذلك في الاتفاقات الرسمية ، او في التحركات السياسية .
المحرك الأساسي لصراع القوى في الشرق الأوسط، هو "المحرك الحضاري". لا أنفي أهمية تأثيره على بناء قوة الدول العسكرية. ولكن ليس شرطاً أن نرى بالمحرك الحضاري، الجانب العسكري فقط.
وأقول بوضوح أن التخلف العربي أمام اسرائيل، في العلوم والأبحاث والاختراعات هو "المحرك الحضاري" الذي يبقي العالم العربي بعيداً عن التوازن الحضاري مع اسرائيل، وبالتالي عاجزاً عن انجاز تطلعاته السياسية، بدون ضرورة للاعتماد على قوته العسكرية كعامل وحيد.