"التصوف" مادة علمية وليس طائفة إسلامية

"التصوف" مادة علمية وليس طائفة إسلامية!

جعفر عبد الله الوردي

[email protected]

في العلم الشرعي الإسلامي هناك مواد علمية منوعة منها وضع من العلماء ومنها اقتباس من سيرة المصطفى وأحواله وشؤونه، فعلم الفقه مثلا كان في عصر المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان الصحابة يقولون إن فلانا أفقه من فلان والدارس عليه يسمى فقيها.

أما علم أصول الفقه فهذا الاسم مِن وضع العلماء، حيث إنهم وضعوا طرق الاستدلال وشروطه وكيفياته وحِكمة بعض الأحكام الشرعية وعللها إلى ما هنالك، وهكذا الحديث حيث إنه موجود في عصر النبوة لكن علم مصطلح الحديث مبتَدع في العصور التي تلت عصر النبوة، وهكذا..

وعلم التصوف أيضا هو كذلك، فهو علم ينطوي على أحوال العبد مع الله تعالى ومعاملته له وإلى ما هنالك مما هو مقرر في هذا الفن، فالمسمى مبتَدع كما أن مسمى أصول الفقه والمصطلح مبتدعان، والمضمون ما جاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك..

هذه هي حقيقة كل ما في الأمر، فالإسلام مدرسة عظمى ينطوي على مواد ومناهج، فهناك جماعة الفقهاء وهم من اشتغلوا بالفقه والأحكام الشرعية عن غيرها، وهناك المحدِّثون وهم الذي حفظوا الحديث وعلم الرجال وأحوالهم، وهناك العقديون وهم الذي اشتغلوا بعلم الكلام والعقيدة وإثبات الصفات وردِّ شبه الفلاسفة والملحدين، وهنالك أيضا الصوفية وهم الذي درسوا علم التصوف الذي يحوي على السلوك والتربية وتطهير القلب من الأدران والخلوة مع الله تعالى وإكثار ذكره ... وهكذا.

ولكل علم من هذه العلوم مَثَل من الصحابة الكرام، فابن عمر وابن مسعود كانا فقيهان، وزيد بن ثابت كان مختصا بالقران وكان أقرأ الصحابة، وأبو هريرة والسيدة عائشة كانا محدثين، وعبد الله بن عباس كان مفسرا ، وأهل الصفة وأبو الدرداء كانوا زهادا منقطعين إلى عبادة الله تعالى وهذا ما يدخل تحت علم ومسمى التصوف.

فلم نجد أحدا من الصحابة اعترض على أحد، ولا طعن بأحد على منهجه وميله وتخصصه، بل كانوا كلهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقرهم على ما يرى منهم وإن رأى ما لا يتوافق نهاهم عنه..

وهكذا كان السلف الصالح من بعدهم، فأحمد بن حنبل كان فقيها محدثا، وأبو تراب النخشبي كان صوفيا عابدا، وروى عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل، فلَم ينكر بعضهم على بعض ولم يسب بعضهم بعضا، كما يفعل صحابة عصرنا..! فلسنا أدرى منهم، ولا أحرص على دين الله منهم، فلِمَ هذا التنطع والتشدق من بعضنا ؟! ذو الفعل الخطأ معروف ولا يخفى فننكر على فعله، أما أن نَسِمَ المسلمين بالجملة فهذا ليس من خلق إلا من لا يريد الدين لله...

فإذًا لا يوجد شي اسمه فرقة التصوف أو طائفة الصوفية، فلا حاجة أن تحصل فرقة بين المسلمين أو بغضاء أو شحناء، فليس كلمة التصوف دينا جديدا ولا طائفة مستقلة من الإسلام كما يفهم جلُّ من لا يفهم، فهذه كلمات ضحكت منها العقول، وسار الناس بها طائرين حتى ظنوا أنه دين جديد ومعتقدات حديثة !!

يجب على الشخص -وخصوصا إذا كان طالب علم أو عالما- أن يحقق في الأمر قبل أن ينطق، وأن يرى أصل الأمور ويحللها في أزمنتها وأحوالها، ولا يأتِ بكلام أو حَدَث في زمن السلف ويحلله في زمنه هذا ! وهذا من أعظم الطامات التي يقع فيها كثير من أهل العلم دون أن يعرف، فما قرره علم الاجتماع من أنه يجب على المؤرخ أو الدارس إذا أراد تحليل أحوال من مضى أن يعيش زمنهم وأحوالهم وطباعهم وطبيعتهم ويحلل أمورهم على موجب ذلك..، لا أن يجلس على كرسيه المذهَّب، وعلى طاولته الزجاجية فيحلل ويدلّل ويستنبط....!

فما نرجوه، هو أن يكون الكلام متقنا من كل شخص وأن لا يقلد من حوله فيسمع كلاما وينقله ويرتب عليه أحكاما فقهية وتشريعات جديدة، وياللأسف أصبح هذا في زماننا حال طلاب العلم بل وحال كثير ممن تصدروا الكلام. ولا حول إلا بالله.

لأننا أمة تحب الشيء السريع فتحب العلم أن يكون "سَفَري"! لا تحب أن تجلس وتدرس وتتضلَّع في الأمور؛ لذلك أصبحنا كل ستة أنفار حزب مستقل باعتقادات وعادات وتشريعات جديدة....! فإلى متى يا أمة رسول الله، وإلى متى يا طلاب العلم والعلماء..؟!