التمرد لطائفي .. والإسناد العلماني
أ.د. حلمي محمد القاعود
يكاد مفهوم العلمانية في مصر والبلاد الإسلامية يكون محصورا في استئصال الإسلام وإزالته من الوجود الاجتماعي شكلا ومضمونا ، وروحا وسلوكا ، وفكرا وممارسة . قلّب البصر بدءا من تركيا إلى تونس إلى المحروسة إلى عاصمة الأمويين إلى رام الله وغيرها من البلاد والعواصم التي ترتفع فيها المآذن بالنداء الخالد " الله أكبر " ؛ تجد ما أقوله صحيحا !
والعلمانيون في مصر ، لا يفقهون العلمانية بتطبيقاتها الأوربية أو الأميركية ، ولكنهم يفهمونها بمنطق أتاتورك والحبيب بورقيبة وشاه إيران ، لذا فلا مكان عندهم للإسلام ، ولو مجرد طقوس شكلية تؤدي بين أربعة جدران !إنهم يريدون إزاحته تماما ، وهو ما يعبر عته العلمانيون في مناسبات مختلفة ، ومقالات ودراسات ( غير علمية ) دائما .
وموقفهم من التمرد الطائفي دليل واضح على رغباتهم وإراداتهم ، فقد أصدروا ذات يوم إعلانات على صفحات كاملة من صحف سيارة تطالب برفض تضمين الدستور نصا عن إسلامية الدولة بحجة أن هناك مواطنين غير مسلمين في الدولة ( لا ندري من الذي موّل هذه الصفحات ؟!) ، ثم إنهم لا يفتأون يدينون الإسلام والمسلمين كلما عبّر التمرد الطائفي عن إجرامه وتحديه للدولة والأغلبية الساحقة ، ويلقون باللوم والسخط والغضب على ما يسمى التطرف الطائفي الإسلامي .. ومع أن الوقائع والحقائق تقول بألف دليل ونص إن المتمردين الطائفيين هم الذين يصنعون العنف ، ويتحدون النظام ، ويستعرضون عضلاتهم في كل صغيرة وكبيرة ، ويستنجدون علنا بأميركا والعدو النازي اليهودي ، فإن السادة العلمانيين يصرون على أن ما يسمى التطرف الإسلامي هو المعتدي ، وهو سبب التمرد ، وهو سر البلاء الذي ينتظر البلاد والعباد ، وفي أحسن الأحوال ؛ فإن بعضهم يساوي بين الضحية المسلم والمعتدي الطائفي !
ولما كشفت الأحداث الأخيرة في أبوفانا ودفش ونزلة الفيوم أن التمرد الطائفي هو صانع الأحداث ومحركها ، وقاتل المسلم البائس في قصر هور ؛ فإن العلمانيين ، لم يخجلوا من أنفسهم ، وراحوا في البداية يتحدثون عن ثغرات لتجميل الوجه القبيح للتمرد ، ثم انتقلوا إلى التغطية بشكل خسيس من خلال ندوات ومقالات وبيانات تتحدث عما يسمى مستقبل الأقباط في مصر ، والعدوان الإسلامي على الأقباط ، والتمييز ضد الأقباط ، وحقوق الأقباط ، والتسامح ، وإلغاء مناهج التعليم التي تحرض على التعصب وكراهية الآخر .. إلخ !
ويبدو أن الإسناد العلماني للتمرد الطائفي ، لا يعمل تلقائيا ، ولكنه يتحرك وفق أجندة فيها من الخفاء والسرية ما يجعل عرائس المسرح تتحرك بكل ثقة وجرأة وفي توقيت متزامن !
ما معنى الحديث عن مستقبل الأقباط ؟ وهل الأقباط وحدهم هم النصارى ؟ معروف أن ألقبطية جنسية وليست ديانة ، وكل المصريين أقباط ؛ سواء كانوا مسلمين أو نصارى أو يهودا أو حتى وثنيين وملاحدة !هل مصير الأقباط النصارى منفصل عن مصير الأقباط المسلمين وغيرهم ؟ هل الاستبداد والطوارئ والفساد والتخلف والبؤس والقهر والهوان تخص النصارى دون الأغلبية ؟
واضح أن السادة العلمانيين على اختلاف تصوراتهم وانتماءاتهم ، لا تعنيهم شئون النصارى بقدر ما تعنيهم إزاحة الإسلام واستئصاله .. ولعل البيان الذي أصدره حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي " ـ توتو " – وقيادته شيوعية في أغلبها – يوم 2/7/2008م يقدم مثالا صارخا على كراهية الإسلام ودعم التمرد الطائفي .
لقد طالب الحزب الرئيس مبارك بسرعة إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة بعد تزايد الحوادث التي تحمل طابعا طائفيا في جميع أنحاء مصر . ولست أفهم معنى قانون موحد لدور العبادة ، بعد أن أصدر فضيلة الجنرال قانونا حدد فيه عشرة شروط لبناء المساجد لا يمكن تنفيذها إلا إذا تم العثور على لبن العصفور ، وفي الوقت ذاته فإن الكنائس تنهض في كل مكان تحديا للقانون والنظام جميعا ؟!
إن التمرد الطائفي المتحدي يبني الكنائس الجديدة ويتوسع في الكنائس القائمة تحت سمع وبصر الدنيا كلها دون أن يسائله أحد ، ودون أن يراعي مشاعر الأغلبية البائسة .
لماذا لم يقل الشيوعيون في حزب " توتو" إنهم يريدون قانونا يلغي الإسلام حتى لا تحدث اشتباكات مع التمرد الطائفي المدعوم أميركيا ؟
يقول الحزب إنه لم تتخذ حتى الآن أية خطوات عملية لحماية الوحدة الوطنية في وقت تجتاح فيه المنطقة زوابع طائفية ومذهبية مدمرة .. وهذا القول صحيح إذا كان المقصود به أن الدولة الرخوة لم تواجه قيادات التمرد الطائفي داخل الكنيسة وخارجها بالحزم القانوني المطلوب ، في حين تطبق قانونها الاستثنائي على المسلمين التعساء وحدهم !
لقد أسفر قادة " توتو " عن هدفهم الحقيقي وهو إلغاء الإسلام من التعليم وبالتالي من مصر كلها حين ناشدوا الرئيس تغيير مناهج التعليم لحذف أية مواد تحرض على التعصب أو التطرف الديني ، وإحلال مواد أخرى (!) تشجع على التسامح واحترام الآخر ، وإصدار كتاب موحد لطلاب المدارس يضم المبادئ المشتركة في الدينين الإسلامي والمسيحي ، وتأكيد شعار الدين لله والوطن للجميع !
وهكذا يجب أن نغير القرآن الكريم – وفقا لقادة توتو – لأنه يحض على التعصب والتطرف الديني ، وهو اتهام ضمني خطير للإسلام والقرآن الذي علم الهمج قبل ألف وأربعمائة عام " لكم دينكم ولى دين " ( الكافرون : ) ، و" من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. " ( الكهف : ) ، و" لا ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " ( الممتحنة : ) .
أي تسامح أيها التقدميون الشيوعيون تريدون تعليمه للمسلمين بالكتب المشتركة ، وهل إلغاء الإسلام يوقف التمرد الذي يجاهر بأن المسلمين غزاة مستعمرين ؟
ويصل حزب توتو إلى مربط الفرس في تحميل المسلمين مسئولية التمرد الطائفي حين يؤكد على ضرورة أن توجه الدولة خطباء المساجد إلى الحرص في خطبهم ومواعظهم ، وحظر تحريض أتباع دين ضد آخر - يقصدون بالطبع أتباع الإسلام وحده - وحظر توزيع أشرطة كاسيت تتناول الأمور الدينية دون رقابة ، ومنع توزيع الكتب التي تحرض على الفتنة الطائفية ..!!
تأمل منطق الحظر والمنع والمصادرة وهم الذين صدعوا رءوسنا بالكلام عن حرية الفكر ورفض المصادرة ، حتى لو كان الأمر يتعلق بسب الذات الإلهية وتشويه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – وهجاء الإسلام ورموزه .. وكم أصدروا بيانات شجب وتنديد ضد الحظر والرقابة والمصادرة !
يريد الشيوعيون في توتو أن يردد الخطباء والوعاظ ما يريده المتمردون الطائفيون بعد أن أرغمهم فضيلة الجنرال على عدم تناول القضايا العامة إلا بتوجيه منه ، وأبقى لهم الكلام عن تحديد النسل والدعاء للحزب الوطني ومحتكري الحديد والأسمنت والوحدة الوطنية على أشلاء الإسلام طبعا !
أقدر البطالة السياسية التي يعيشها اليسار المتأمرك ، وأدرك أن الصفقة مع الاستبداد تسوغ له الدعوة إلى إلغاء الإسلام وحظره ومحاصرته ، مع دعم التمرد الطائفي والاستفادة بعطاياه وهباته التي لا تنقطع ، وأعلم أن بعض الذين انتقلوا من غرف السطوح إلى قصور المقطم ، وتحولوا من عصر الملاليم إلى نعيم الملايين ، ونسوا الطبقة الكادحة والنضال من أجل المعدمين ضد الامبريالية الاستعمارية والبرجوازية الفاسدة ، لديهم ألف سبب ليكون الإسلام والمسلمون هدفا لنضالهم غير المقدس ، ويكون التمرد الطائفي هو الابن المدلل الذي يرضعونه البيانات والندوات والمقالات الكاذبة المستمرة !
