مستعمرة أبو فانا .. وقطع الطريق
مستعمرة أبو فانا .. وقطع الطريق !
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
يوماً بعد يوم تتكشف طبيعة التمرّد الطائفي في مصر عن عنجهية أو غطرسة ، يصعب
إرجاعها إلى الأحداث الطارئة ، ولكن مرجعيتها الوحيدة والأساسية هي الاستقواء
بالعدوّ الصليبي الاستعماري الذي تمثل أمريكا قيادته وعقله المدبر . هذا الاستقواء
يحمل – كما قلت من قبل – مخاطر عديدة على القاعدة العريضة للطائفة ، فهي التي
تعنينا وتهمّنا لأنها جزء من النسيج القومي العام ، وتنتمي إلى ثقافته وهويته ،
وتعمل وتنتج دون عوائق أو عقبات ، وتعيش أفراح الوطن القليلة وأحزانه الكثيرة ، مثل
الأغلبية المظلومة المضطهدة بسبب الإسلام ورغبتها في تمثله على أرض الواقع ، وهى
رغبة يرفضها العدو الصليبي الاستعماري ومعه العدو الصهيوني ، والنخبة المثقفة التي
تكره الإسلام والمسلمين ..
لا
تعنينا قيادة التمرد الطائفي ، فهي تحصّن نفسها بالمناصب الكهنوتية أو المنظمات
الحقوقية المدعومة بمؤسسات الغرب الصليبي العدواني ، أو الأشخاص الذين يعيشون في
المهاجر مستظلين برعاية استعمارية لا تخفى ولا تتخفى !
في
21/6/2008م قام الرهبان النصارى ومعهم بعض الشبان ( 75 كاهناً وراهبا و60 شاباً
نصرانيا ) بقطع الطريق المؤدى إلى دير" أبو فانا " بالأحجار وجذوع النخيل ، لمنع
لجنة الآثار والمساحة من دخول المنطقة لترسيم الحدود ، مما دفع مسئولي اللجنة إلى
تحرير محضر بالواقعة .
وحررت الوحدة المحلية لمركز ملوي محاضر أخرى ضد الدير ، قالت فيها إن الرهبان عمدوا
إلى بناء سور دون ترخيص .
وكان هؤلاء الرهبان والشبان ، قد واصلوا اعتصامهم داخل دير " أبو فانا " احتجاجاً
على قرارات ترسيم الحدود ، وأعلنوا اعتصاما مفتوحاً ، مع تناوب الإقامة يومياً في
الدير لمنع تنفيذ قرارات الإزالة التي اتخذتها اللجنة للمباني غير القانونية(
المصري اليوم 22/6/2008م ) .
إن
تحدى القانون والسلطة كان الرّد المباشر والعملي على قيام لجنة مشتركة من محافظ
المنيا ورؤساء الجهات الإدارية المختصّة مع الأنبا ديمتروس أسقف ملوي وقيادات
كنيستها باتخاذ قرارات لتنفيذ القانون على الطرفين المسلم والنصراني بعد مقتل مواطن
مسلم وإصابة بعض الرهبان .
كانت اللجنة المشتركة – بعد تسع ساعات من النقاش وزيارة منطقة الدير وما حولها – قد
قررت البدء فوراً في استكمال السور المحيط بمنطقة الحرم الأثري لدير " أبوفانا "
وفقاً للقرار الوزاري لوزير الثقافة رقم 812 لسنة 2002 على أن تقوم لجنة من هيئتي
الآثار والمساحة بتحديد مسار السور خلال أسبوع واحد ، مع الالتزام بجميع الشروط
التي تحددها الآثار داخل نطاق هذا الحرم .
وقررت اللجنة وقف بناء أية " قلايات " جديدة تبعد عن الدير أو الأماكن الملاصقة له
، بعد أن كشفت الزيارة الميدانية للجنة أن هناك أعداداً متفرقة من القلايات بنيت
حديثاً على مسافات بعيدة ، وسط الصحراء لا علاقة لها بالدير الأثري .
كما
قررت اللجنة وقف إقامة أية زراعات جديدة بالمنطقة إلا بعد الحصول على موافقات
واشتراطات هيئة التعمير والتنمية الزراعية ، وأكد "محمود عبد البر" رئيس الهيئة أن
جميع الزراعات الموجودة تعديات ، وأن أحداً لا يملك الأرض المزروعة ،فهي غير مربوطة
على أحد ، وخارج الزمام وتابعة لهيئة التعمير .
وأكدت اللجنة في قراراتها وقف التوسع في المناطق التي تم البدء في استزراعها وعدم
استكمال أي أعمال بها إلا بعد تقنين الأوضاع مع هيئة التعمير . ورفضت اللجنة طلب
أسقف ملوي بإقامة سور حول كل مساحات الأراضي المستصلحة والمزروعة ، كما رفضت طلب
أهالي قصر هور بأحقيتهم في الأراضي المتاخمة لقريتهم ، وأكدت أن الفيصل هو قرارات
هيئة التعمير وهيئة المساحة التي تحدد طبيعة وضع اليد لأي طرف وفقاً للشروط
القانونية !( المصري اليوم 20/6/2008 ) .
لقد
سعى محافظ المنيا والأجهزة المعنية في الدولة إلى استعادة هيبة القانون ، ولكن
التمرد الطائفي المستقوى بأمريكا ، رفض قرارات اللجنة ، بل إن الأنبا شنودة ، وهو
في مصحة العلاج بأمريكا ، أصدر قرار بوقف التعامل مع المحافظ ، ونسى أن يقطع
العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية معه ، فقد تجرأ المحافظ ووصف الدير
وأسقف ملوي بأنهما معتديان على أملاك الدولة ، وأعلن أن القانون سيطبق على جميع
الأطراف .
قادة التمرد الطائفي ، يشعرون أنهم أقوى من الدولة المصرية وأجهزتها ، بل إنهم دولة
داخل الدولة أو خارج الدولة ، وحين يعلن البابا قطع العلاقات مع محافظ المنيا ، فهو
قرار " استقلالي " وسياسي بامتياز . رجل الدين تحول إلى رجل سياسة في الواقع العملي
، وأدخل الدين في السياسة والسياسة في الدين ، والنظام لا يجد في ذلك غضاضة كما
يبدو في أجهزة دعايته ، وأبواق النظام ومثقفوه لا يرون في ذلك مخالفة للعلمانية
التي يُصدّعون بها رءوسنا ليل نهار ، ويغضبون ويسخطون إذا أبدت جبهة علماء الأزهر
أو بعض الدعاة رأيهم في تصدير الغاز إلى العدو الصهيوني مثلا ، ويرون في ذلك تدخلاً
دينياً في شئون السياسة ، وإصدار فتاوى لا تجوز في هذا المجال ، لأن الجائز هو "
الحرام الوطني " فقط !
مسموح لدولة الكنيسة أن تتدخل في كل كبيرة وصغيرة في السياسة والقانون وأحكام
المحاكم العليا ،مع أن تعاليم المسيح عليه السلام تقول : دع ما لقيصر لقيصر وما لله
لله ، دون أن تُدق طبول النظام معزوفة : الدين شيء ، والسياسة شيء آخر .. فهذه
المعزوفة يختص بها المسلمون المتخلفون المتعصّبون الرجعيون وحدهم ، وعليهم أن
يرضخوا لكل ما تراه أبواق السلطة وتطالب به ، حتى لو كان دينهم لا يعرف التفريق بين
ما لله وما لقيصر ، والمسلمون في منظور الأبواق والطبول المأجورة ؛ لا يعرفون معنى
" المواطنة " بالمفهوم العلماني أو الماركسي المتأمرك ، وهم سبب المشكلات الطائفية
جميعاً ، حتى لو كان الواقع يكذب ذلك ، ويؤكد أن تحركهم يأتي دائماً في نطاق ردّ
الفعل وليس الفعل .
إن
التمرّد الطائفي تحوّل على ألسنة أبواق السلطة وطبولها إلى تعصّب إسلامي ، وعدوان
إسلامي أو على أحسن الفروض تطرف من الجانبين ، أي تسوية قتيل عرب هور " المسلم "
بالرهبان المحاربين الذين أصيب بعضهم بخدوش ، في معركتهم للهيمنة على أراضى المنطقة
وتوسيع مستعمرة " أبو فانا " رغم أنف المحافظ والأجهزة والقانون !! ومن المؤكد أن
اعتصام الرهبان والشبان النصارى ، وقطع الطريق الموصل إلى مستعمرة " أبو فانا "
وقطع العلاقات مع المحافظ ، لن يكون آخر تجليات التمرد الطائفي الطامح إلى بناء
دولته السوبر على عينك يا تاجر .. حفظ الله مصر وأهلها ( من المسلمين والنصارى غير
المتمردين ) .