المال والإنسان
مادة: علم الاجتماع
قضية نفسية
فرح عبد الإله
باحث سوسيولوجي
يعد المال من أهم القضايا التي تدفع الكثير من الباحثين إلى البحث عن حقيقته والمتعلقة بالجانب الإيجابي والسلبي للمال، فهناك العديد من الأسئلة تطرح حول قضية المال مثل: ما هو الدور الذي يلعبه المال في حياتنا؟ هل المال وسيلة لتحقيق الأمن والسعادة؟ هل يمكن النظر إلى المال بأنه يحمل جانب سلبي على الفرد؟
إن إشكالية المال هي إشكالية معقدة، تتطلب منا أولا الوقوف على شرح كلمة (المال) حتى نستطيع الإجابة عن هذه التساؤلات، فكلمة مال نعني بها لغة كل ما يقتنى ويحوزه الإنسان بالفعل، سواء أكان عينا أم منفعة، كذهب أو فضة أو نبات أو منافع الشيء كالركوب واللبس والسكن، أما ما لا يحوزه الإنسان فلا يسمى مالا كالطير في الهواء والسمك في الماء.
أما المال اصطلاحا فإني أعرفه حسب منظوري الخاص بأنه عبارة عن عينة أو مادة تسهل لنا الوصول أو اقتناء الأشياء التي نريد امتلاكها، وهنا تكمن وظيفة المال في التعبير عن قيمة يمكن أن تتحقق في شراء نوعية خاصة من المنتوجات والسلع والبضائع...، أي أن المال يقابل سلعا معينة بمختلف أنواعها، وتختلف طرق استخدامه من فرد إلى فرد، ومن مجموعة إلى مجموعة، ومن دولة إلى دولة، باختلاف أشكاله، فالبعض يستخدم الشيكات، والبعض يفضل بطاقة ائتمان، والبعض الآخر يفضل الأوراق المالية نظرا لسهولة حملها، وهذا يرجع إلى مستوى إدراكهم للمال.
لقد أصبحت حياة الإنسان مليئة بالصراعات والتوترات والقلق، مما جعل من الفرد يبحث عن وسيلة تمنح له الأمن والسلم، للقضاء على كثير من مصادر الخوف والشقاق والقلق والهروب من الفقر، وذل الحاجة، وخيبة الأمل، فوجد في المال خير وسيلة التي يمكن أن تجعل من الفرد قوي وسعيد وتمنح له الأمن والطمأنينة.
ونلاحظ عند كثير من الناس أن المال يمثل لهم الوقاية والحماية من الظروف أو المشاكل السلبية التي يواجهونها، وعاملا فعالا في القضاء على المشاكل المرتبطة بالقلق والتوتر والنزاع، وأن قلة المال يؤدي بهم إلى ما يسمى بالاغتراب وعدم الرضا عن الحياة، فالمال بالنسبة للفقراء خصوصا هو المثل الأعلى للوصول إلى القوة التي تجعلهم متفوقين وناجحين وقادرين على كل شيء، أي أنه يساعد الفرد على التحكم والسيطرة على الأشياء والأشخاص، كما أنه يساعد الفرد على تحديد أولوياته وأهدافه سواء في الحاضر أو في المستقبل.
وفي فئة من الناس أيضا نلاحظ أن المال يمثل لهم من بين السبل الأمثل في تحقيق الحرية المطلقة من الإكراهات والضغوطات والقيود التي تلتف حول رقبة الفرد، سواء في العمل أو في المنزل أو في علاقته مع أناس آخرين.
ومن هنا يتبين لي أن المال هو رمز من رموز السعادة والطمأنينة لكثير من الناس إن صح التعبير، لكن المال أيضا يحمل جوانب من الألم والمرض والإكراهات والمعاناة، ليس فقط لمن لا يمتلكون الأموال أي الفقراء، بل حتى الأغنياء، حيث نجد أن هناك العديد من هذه الفئة تنظر للمال على أنها غاية وليست وسيلة، وبالتالي ينشب صراع وتنافس ونزاع حول المصالح، فينظر الفرد إلى المال على أنه لا يتحقق إلا على حساب الآخرين، فالمال من الأسباب التي تؤدي إلى المشكلات الاجتماعية والنفسية التي ليس لها حل، إذ يؤدي بالفرد إلى الأنانية والنرجسية أو ما يطلق عليه الباحثين بالفردانية أي حب الذات أو تضخيم الذات، وهي كلها تغيرات نتيجة لحب المال وهوسه، وتظهر آثارها على الفرد في ارتكاب الجرائم المتعلقة بالمال مثل الاحتيال والنصب واختلاس الأموال وغيرها من الأمراض المالية.
ما أود أن أشير إليه في هذا الموضوع، أنه لا يمكن أن ننظر إلى المال بأنه كل شيء، لأنه يهدم القيم الاجتماعية كالتعاون والمساواة وحب الآخرين، ويجعل من الفرد يتسم بطابع الأنانية وعدم المبالاة بالآخرين.
وخلاصة القول أنه بالرغم من أن المال يحمل بين طياته مجموعة من مواطن الخلل، إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه ليس هناك بديل، وإن كان هناك بديل، سيكون له نفس التأثير على الفرد، والسؤال المطروح هل أصبح الإنسان واعي باستخدام المال؟ هل هو مدرك لأمراض المال؟ أم انه أصبح مهووسا بحب المال؟